مهرجان قرطاج 54 | ظاهرة أمينة فاخت

08:14 مساءً الجمعة 27 يوليو 2018
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

مهرحان قرطاج الأعرق و الأقدم صاحب الريادة يستأنف نضاله و كفاحه من جديد من أجل إستعادة مكانته اللائقة و التي إهتزت لأسباب متعددة خاصة في حقبة الحراك الذي مرت به المنطقة أخيرا ..

مخطئ من يتصور أن ذلك الحراك وحده هو السبب ، و مخطئ أيضا من يتصور أن الجمهور التونسي الذواق قد بقي على حاله الذي كان عليه مع سيدة الغناء العربي كوكب الشرق أم كلثوم في قبة المنزه ، أو العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في طبرقة ، أو فايزة أحمد في البلفدير ، و فيروز و جوجوش و غيرهم من صنف الكبار المتفردين.. فذلك كان مستوى المثقف رفيع الشأن الزعيم الذكي الحبيب بورقيبة..

– و على مستوى الثقافة و الفنون و دون تسييس لموضوعات لا تحتمل التسييس و إن أثرت فيها السياسة كان عهد بورقيبة الذي أراد الإرتقاء بالأمة التونسية ” طبقا لتعبيره” مختلفا..فهو من منع الوانا كثيرة من الفنون التي كان يرى منتجها متدنيا في معظمه مثل ” المزود ” من البث عبر الأثير و في الأماكن المرموقة ، الزعيم الحبيب بورقيبة كانت حقبته .. حقبة أم كلثوم و جوجوش و فيروز إلخ ..
أما في حقبة حكم زين العابدين بن علي .. فقد شهدت تونس مستويات أكثر شعبية و شعبوية في أحيان كثيرة .. ربما أعجبت الجمهور لكنها ساهمت بشكل أو بأخر في تبديل ذائقته الفنية و حتى في اداب التذوق .. و يكفي أن تنظر للأزياء التي كان يرتديها مرتادو  الحفلات في الحقبتين و تقارن بينهما لتدرك على الفور الفرق  .. و في الحالتين يبقى لمسارح تونس قرطاج و جمهورها هيبتهما .. لكن معايير الذوق إختلفت ..
ومن وجهة نظرنا المتواضعة شهد مستوى ما يقدم في مهرجان قرطاج نكوصا متصاعدا نوعا ما أثر على مهرجان قرطاج الذي تأثر أيضا بالمتغيرات التي شهدها العالم خلال تحوله إلى إقتصاديات السوق التي حولت الفنون إلى سلعة تخضع للعرض و الطلب دون وضع الإرتقاء بالذوق العام في الإعتبار ، و تفاوتت قدرات العواصم العريقة في الثقافة مثل القاهرة و دمشق و بغداد و تونس و بيروت .. على الصمود أمام الهجمة الرأسمالية الشرسة إذ أصبح إستقدام نجوم في قيمة فيروز مثلا أكبر من ميزانية بعض المهرجانات و فوق طاقتها ، و أصبح النجوم الكبار أكثر قربا من عواصم الأثرياء الجدد..

مدير المهرجان مختار الرصاع

مدير المهرجان مختار الرصاع

و رغم كل المتغيرات المؤثرة التي ذكرنا بعضها آنفا كان أسم مهرجان قرطاج الرائد و العريق يدفع أغلب القائمين عليه على إحترام ذلك الأسم المحفوف بالمجد التاريخي العظيم على الحفاظ على مستوى يناسب الأسم الكبير قرطاج..
عند تأسيس مهرجان قرطاج متزامنا مع مهرجان الحمامات في تونس .. قرر القائمون على الثقافة في تونس آنذاك .. أن يكون الحمامات مهرجانا نوعيا متوسطيا و قرطاج أكثر إقترابا من السواد الأعظم .. لكن مع إنتهاء الحقبة البورقيبية أخذ الفارق في التلاشي شيئا فشيئا ، و عقب الحراك الذي مرت به تونس و المنطقة تعرض مهرجان قرطاج لهزات أكثر قوة أثرت حتى على كونه مهرجانا دوليا إذ لاحظ الجميع أن المشاركات الدولية القادمة من خارج تونس أقل من المستوى المطلوب .. و ينسحب ذلك الوصف أيضا على المشاركين من داخلها..إذ تدخلت الأهواء الثورية في نوعية المشاركين ..
و منذ الدورة الماضية أعلنت الهيئة المديرة للمهرجان أنها ستسعى لإستعادة بريق مهرجان قرطاج بما يناسب إسمه العريق و هي مهمة ليست بالسهلة بعد طغيان الجانب الربحي في العالم على جانب التثقيف و الإرتقاء بالذوق العام ..، و دون إسهاب أو إفراط في الإحاطة بالملابسات التي أكتنفت مهرجان قرطاج كمثال مهم و رئيس لما تمر به الحالة الثقافية العربية عامة .. ، يمكن القول أن إدارة مهرجان قرطاج حاولت وضع برمجة متنوعة ترضي جميع الأذواق .. و إذا أردت إرضاء جميع الناس فلن ترضي أحدا..

أمينة

أمينة

أمينة فاخت..الظاهرة:

أمينة فاخت هي نجمة نجمات الطرب و نجمة الشباك في تونس لا ينتطح في ذلك عنزان ، و هي من القلائل الذين يمكنهم تعبئة مدارج قرطاج بالكامل دون منازع ، أما خارج نطاقها المحلي ففي ذلك قولان و أكثر .. خاصة و أن أمينة فاخت اليوم ليست  أمينة فاخت الأمس .. تلك الموهبةالكبيرة التي كان ينتظر منها الكثير ، و على رأس تلك الإنتظارات ” ريبريتوار ” حافل يتناسب مع عمرها الفني عندما تصبح مخضرمة ..
و أصبحت أمينة مخضرمة مع ريبريتوار محدود بالنسبة لعمرها الفني .. ، و جزء غير قليل منه ليس لها ، في الماضي كان صوت أمينة الرائع و حضورها الطاغي و تفاعلها غير العادي مع الجمهور يطغى علي أية ملاحظات يمكن أن تقال .. لكن مع عودة أمينة فاخت .. الموفقة و الناجحة جدا جماهيريا كان يمكن ملاحظة عدة أشياء هامة
أولها أن القدرات الصوتية لأمينة لم تعد كما كانت في السابق و إن ظل صوتها جميلا ، و ثانيها أن الجمهور إقتسم مع أمينة الغناء و إن ذلك التفاعل الأسطوري للجمهور التونسي مع أمينة فاخت من وجهة نظر البعض أمر إيجابي .. إلا أن كثيرا ممن يغنون علي مسرح قرطاج أصبحوا يستغلون تفاعل الجمهور إلى حد ترك مهمة الغناء له بنسبة قد تتجاوز أحيانا ال 70% و من ثم يمكن للجمهور المطالبة بنفس النسبة من الأجر ، ثالثها أن أمينة فاخت مازالت تمتلك القدرة على خلق تفاعل غير عادي مع جمهور قرطاج لكن لابد من أن تدرك أن قدراتها اليوم و غدا ليست كما كانت بالأمس ، رابعها أن أهل الفن أصابتهم عدوى التوريث و إن كانت القدرات الصوتية لأبنة أمينة التي غنت في حفلي قرطاج متميزة و أكثر قيمة من القدرات الموسيقية لنجل مارسيل خليفة التي فرضت على جمهور مهرجان الحمامات ، خامسها أن الجمهور الذي تجاوز أو تغاضى عن فكرة التوريث الفني كان أوسع صدرا في قبول المواهب الشابة .. و أكثر ثقة في أن مهرجان قرطاج يمكنه صنع النجوم من خلال تقديمه للمواهب الجديدة .. من بعض الذين ضاقت صدورهم بذات الأمر ، و لابد من الإشارة إلى أن وقوف مهرجان قرطاج في صف المواهب الواعدة و إساهمه في صنع نجوميتهم أمر يحسب له لا عليه .. ، سادسها أنه لا يمكن إغفال أن عامل ” النوستالجيا ” بكل روافد الحنين إلى الماضي و إن نجح في حالة أمينة فاخت فقد كان أقل نجاحا و إقناعا في حالة مارسيل خليفة على سبيل المثال لا الحصر ، سابعها  أن على الجميع أن يعتمد معيارا واحدا للحكم على مهرجان قرطاج و غيره إزاء عدة أشياء : الهدف أو الأهداف المنشودة من تلك المهرجانات؟ .. ، و هل سيكون إيراد الشباك هو العامل الوحيد المحدد للنجاح من عدمه ؟ ، نوعية المشاركات و الموازنة بين المشاركات المحلية و الوافدة ؟ ..مع ملاحظة أن المشاركات الدولية أصبحت تتعرض غالبا من البعض لهجوم جارح يحمل قدرا كبيرا من الشخصنة على الرغم من أن كل من يشارك أيا كانت قيمته و قامته قد تلقى دعوة رسمية من المهرجان العريق و لا شك أن رفضها دون مبرر يعد ضربا من الحماقة و تخليا عن مشاركة بالغة الأهمية ..
حديث مهرجان قرطاج ذو شجون كثيرة تستلزم صفحات عديدة و ما ذكرناه آنفا غيض من فيض .. إن قصر يصبح مخلا و إن طال يمسي مملا ، و سيبقى مهرجان قرطاج مثيرا للجدل و محلا للإهتمام بقدر عراقته و ريادته .. و سيسجل تاريخه أن أمينة فاخت ظاهرة فنية فريدة وسط جمهورها التونسي بالأساس .. أما عن الأسباب فلابد من دراستها بشكل معمق على كافة الصعد بالنسبة للفنانة و المتلقي على حد سواء

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات