فخار سجنان … فخرنا وفخرهن

09:17 صباحًا الخميس 21 فبراير 2019
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

F97CDB21-23D9-41C7-840C-FA4CC0C348BCلا تشعر بطول الوقت رغم قصر المسافة النسبي حوالي مائة كيلو متر أو ما يزيد قليلا حتى تصل إلى سجنان إذ أن طبيعة الطريق الساحرة تأسرك من النظرة الأولى خاصة بمجرد أن تدخل حدود ولاية بنزرت إحدى أجمل ولايات تونس إن لم تكن أجملهن ، و سوف تعرف فورا لماذا يصفون تونس بالخضراء .. فتونس الخضراء تسكن الشمال حيث وفرة المياه في السماء القريبة و الأراضي السندسية التي تنعكس في وديانها صورة الجبال الشاهقة الموشاة بكافة درجات الأخضر الذي يكسو حقولها و غاباتها و المزركشة بالبحيرات الجبلية التي تعكس شموخ أشجار الصنوبر ..لوحة ربانية تروي لك حكاية الخلق و الإبداع و أطماع البشر أيضا..

8098A037-F4D7-4DCC-854E-4272B7CE3103تنحرف الحافلة في منعطف حاد فتستفيق من الصورة الحالمة التي تقرب لك صورة تخيلية عن الجنة لتحاول معرفة مصير الكائنات التي تعيش هنا حياة وادعة .. ما الذي إنتهى اليه مصيرهم حينما وجدوا أنفسهم وسط آتون حرب لا ناقة لهم فيها و لا جمل .. إنها الحرب العالمية الثانية .. هنا أقتتل الألمان مع الحلفاء من أجل السيطرة على مدينة “بنزرت” الإستراتيجية.. و إستراتيجيا من أجل أن تسيطر على “بنزرت” لابد أن تسيطر على “ماطر” حيث كانت إستراحتنا في تلك المدينة الجميلة ، و من أجل أن تسيطر على “ماطر” لابد أن تسيطر على “سجنان” المدينة المرتفعة التي نقصدها و التي حمل أسمها معركتان دارت رحاهما بين قوات النازي و الحلفاء .. “معركة سجنان الأولى” في فبراير “فيفري”: مارس 1943 حيث هزم المظليون الألمان جنود الكتيبة الثامنة البريطانية عند التلال الشرقية بالقرب من “سجنان” لتمنعهم من دخول “ماطر” و توقف زحفهم على مدينة “تونس”.. ، و في ” معركة سجنان الثانية” في 1 أبريل ” أفريل” 1943 دارت رحى الحرب على النازي و نجح الحلفاء في إستعادة مدينة ” سجنان ” و وقف التفوق الألماني..
تاريخ إستدعاه إهتزاز الحافلة العنيف مع منحنى الطريق الذي أصبح صعودا متواصلا في إتجاه ” سجنان” و أحوازها لحضور تظاهرة ثقافية هامة ..، فقد تسبب ذلك الإهتزاز في ذهاب سكرة الجمال الحالمة لتجئ بفكرة أردنا عرضها على السيد وزير الشئون الثقافية التونسي/محمد زين العابدين .. و هي إضافة ذلك التاريخ و ما تبقى من معالمه إلى مسلك السياحة الثقافية الذي يسعى لإستحداثه في تلك المنطقة خاصة و أن في ” جبل إشكل ” على الضفة الأخرى من منطقة ” تسكراية ” القريبة من ” ماطر و سجنان ” معا يوجد معسكر الماني ربما مازالت أثاره باقية و يمكن أن تساهم في الترويج لنوعية جديدة من السياحة في المنطقة مع ذكرى المعركتين .. لكن ملابسات و ظروف التظاهرة الأصلية التي كنا في الطريق إليها حالت دون عرض الأقتراح شفاهة على السيد وزير الشئون الثقافية .. فكان تضمين ذلك الإقتراح في هذه التغطية فرصة لتوثيقه و عرضه معا

5F4A0C92-A54B-48E6-B21F-9BC6A60A2295

– فخر بالفخار و صانعاته :

فيما كانت الحضارة الغربية الوافدة على منطقة ” سنجان ” تعكس أسوأ ما في الجنس البشري من أطماع تقود بالضرورة للحروب و ثقافة الموت .. كان حضارة أهل تلك المنطقة البسطاء من الفلاحين و الصيادين تعكس ثقافة السلام و الإبداع و حب الحياة.. فنساء تلك المنطقة اللاتي يعول عليهن و أغلبهن من زوجات الفلاحين و الصيادين البسطاء و تعانين من شظف العيش قد  قررن منذ زمن بعيد معاونة أزواجهن بصنعتهن التي ربما بدأت كهواية فنية إبداعية رفيعة فصنعن من طين البيئة و أعشابها أجمل المنتجات الفخارية الملونة بالأعشاب و أنواع أخرى من الطين و كلها خامات عضوية بما لا يضر الصحة العامة أجمل أواني الطهي و الزينة و التماثيل و المزهريات التي توفر قدرا من نفقات الديار في هذا الجانب و التي شكلت أيضا نوعا من التجارة البسيطة لهذا المنتج اليدوي 100% تساهم في نفقات بيوتهن مما يخفف العبء على الأزواج

E78CD62D-1733-45C2-8951-4BA2CD957130فخار سجنان في اليونيسكو :

فخار سجنان هو أول ملف تتقدم به تونس بعد مرور عشرين سنة في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي في اليونسكو .. و قد تم تسجيله رسميا في 20 نوفمبر 2018 ، و إحتفاء بهذه المناسبة أقامت المندوبية الجهوية للشئون الثقافية ببنزرت ضمن البرنامج الوطني للثقافة ” تونس مدن الحضارات ” تظاهرة ” فخار سجنان فخرنا ” التي إفتتحها وزير الشئون الثقافيه/محمد زين العابدين و الإطارات المحلية و الجهوية و نواب البرلمان في القاعة الرياضية “بسجنان” و التي شملت معرضا للوحات و المنتجات الفريدة من فخار سجنان..
و سوف تنظم وزارة الشئون الثقافية إسبوع ثقافي بمدينة الثقافة بتونس لنساء ” سجنان ” لعرض منتجاتهن و مهارتهن في حرفة صناعة الفخار ، مع تخصيص ميزانية لمقتنيات الوزارة من الفخار اليدوي لنساء سجنان و الإعلان عن المزيد من الإجراءات..
– و قد شدد وزير الشئون الثقافية التونسي على ضرورة إحداث مسلك ثقافي “بسجنان” يشمل المواقع الأثرية و المعالم التراثية و المسالك البيئية و السياحية .. بهدف الترويج للفخار و التعريف به و إخراج هذه الحرفة من نطاق المحلية إلى العالمية نظرا لما يحمله هذا العنصر من معالم زخرفية و خصائص تاريخية و فنية و إجتماعية و إقتصادية ..

5F59B23A-0987-4819-8D36-1F2CD9FB9300
– لم يتسن لنا زيارة الموقع الأثري “ببني سعيدان” الذي زاره وزير الشئون الثقافية للإطلاع على وضعيته الحاليه للنظر في إمكانية إستغلاله في السياحة الثقافية .. لكن لابد من تغطية إعلامية لهذا الموقع و غيره بعيدا عن التظاهرات و الأنشطة الرسمية  مع شرح مفصل من أجل المساهمة الإعلامية في ترويجه..

06C425BD-E455-4F5E-B3DB-9412AD46979Aمقترح أخير :

تحدثنا مع السيدة / الزهرة التي كانت تعرض مزهرية من حجم كبير بخمسين دينار ، فيما عرضت السيدة/ ناجية المشرقي “مقفول فخاري” من حجم كبير بثلاثين دينار ، و أكدت لنا السيدة / رشيدة سعيدان أن كل الألوان التي تمت صباغة الفخار اليدوي ” السجناني” بها هي من مواد عضوية من أنواع الطين و الطين المحروق و الأعشاب مما يحافظ على الصحة العامة ..
تلك الأواني غير الضارة بالصحة لطهي الطعام و تقديمه و القطع الفنية البديعة التي تعكس البيئة المحيطة بكل مفرداتها و كائناتها سواء كانت قطعا فنية أو زخارف هي منتج يدوي من الألف إلى الياء ، و ستكون مساهمة عظيمة من وزارتي الثقافة و السياحة لو وفرت منافذ لبيعها في الأماكن التي يتردد عليها السياح ..خاصه و أن قيمتها الزهيدة ستكون أكبر حافز للإقبال عليها و التعريف بالجهة المنتجة لها

9F4BBB3A-DDBE-441E-A46F-2832D4717B99

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات