بوح الروح | أدوار سيدنا

09:40 صباحًا الأحد 21 يوليو 2019
عزة أبو العز

عزة أبو العز

كاتبة وناقدة من مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

67379993_348490402493272_343012349004742656_nأسرع الجميع ذهاباً وإياباً فى طرقات صالة التحرير، فى حالة من الهرج والمرج داخل الجريدة المصرية الشهيرة.

سارت نحو صالة التحرير حزينة بطيئة الخطى  ،شاردة الذهن، سمعت أحدهم يقول بلغ عدد الشهداء ثمانية وأخر يقول بل تسعة والمصابون فى تصاعد مستمر … كانت تتوقع كيف سيكون الحوار بين الزملاء وبين رئيس التحرير الخطيب المفوه ورجل كل المراحل الذى يبدو دائما

” كما الحرباء وقت الأزمات ” البعض يراه رجلاً شديد الغيرة والوطنية لذلك يبدو فى حواراته ولقاءاته التليفزيونية مندفعاً وحماسيا ًحد التهور، والبعض الآخر يرى فى حماسته وأرائه منافقاً كبيراً خوفاً على كرسيه ومكانته السياسية ، حتى هى كانت تحتار فى الحكم عليه وكم سألت نفسها … ما سر هذا الرجل ؟!  فما من مرحلة سياسية إلا وكان أحد أهم رموزها، تتبدل لديه المواقف والمبادئ كما يبدل رابطة عنقه الأنيقة غير مكترث بتاريخه الصحافي أو بسنوات عمره التى جاوزت الخمسين بقليل … يظهر على شاشات التلفاز متحدثاً بثبات ومنطق عجيب يجعل من يشاهده فى حيرة من أمره … هل هذا الثبات من مرونة الشخصية ودورانها مع الحق أينما وجد أم من قدرته البارعة فى تجسيد الدور المطلوب منه حسب ظروف كل مرحلة ؟ ! وها هو يوم الخميس من كل أسبوع يشبه- اليوم المفتوح فى زمن الأبيض والأسود –  صباحا اجتماع مجلس التحرير وعصراً اجتماع مجلس الإدارة وبعد المغرب يتصدر المشهد الثقافى فى ندوة من الندوات وليلا ضيفاً دائماً على منصات البرامج الحوارية فى الفضائيات . تبارى الزملاء فى طرح الرؤى والتحليلات – السياسية والأمنية والإجتماعية – فى اجتماعهم حول الحادث الإرهابي الأليم وكيف ستتعامل الجريدة فى عرض القضية على الرأى العام؟ فوجدت رئيس التحرير كعادته يمطرهم بواحدة من خطبه العصماء حول ضرورة تجديد الخطاب الديني ومراجعة كتب التراث و المشايخ فى فتاواهم… ووو الخ… وفى خضم هذا النقاش الجاد وسخونة الأحداث المتوالية وقف منتصباً طالباً منهم ” لابد أن تسرعوا فى إنهاء هذا النقاش الآن فاليوم الخميس وسأحل ضيفا على عدد من الفضائيات لإبداء رأيي فى الحادث المشئوم ثم سأسافر فجرا بصحبة المدام والأولاد للساحل للاستجمام… “رد أحدهم كان الله فى العون يا ريس فحر القاهرة لا يطاق.

عزة أبو العز

عزة أبو العز

نظرت إليه متأملة وكأنها عادت طفلة جالسة فى كتاب سيدنا فى قريتها النائية فى ريف الدلتا الجميل، كانت تتعجب من شخصية سيدنا الرجل المنمق صاحب الجلباب والطاقية البيضاء حمسيني العمر يحفظ كتاب الله كاملا ومع ذلك لا يتورع عن قطع التلاوة من أجل طلب هدية ما من تلميذ جالس عرف أن أباه عاد محملا بخيرات الله من دول الخليج بعد عام كامل من الغربة والشقاء النفسي والبدني الشديد ، أو رد السلام على أحد الماره أمام ساحة الكتاب سائلا إياه لماذا تتغيب ابنته الصغيرة عن الحضور وتتخلف فى سدادها للراتب الأسبوعي المعلوم ثم يكمل تلاوته ببراعة تامة وكأن شيئا لم يكن من الحوار المذكور، والأعجب من ذلك تفاصيل يوم الخميس المبارك فى حياة سيدنا فهو حريص على حضور الأطفال للكتاب نصف يوم كى يتحصل منهم على حصيلة الأسبوع المادية ويصرفهم مبكراً من أجل الذهاب للمقابر وتحصيل ما يجود به أهالي القرية من أجل القراءة على القبور ، ولا يكتفي سيدنا بهذا الإيراد صباحاً وعصراً بل يتنقل بين بعض بيوت أثرياء القرية وقت المغرب ليقرأ عندهم بعض التلاوات المتقطعة يتخللها سؤال عن الغائب والمريض وأحوال من بالبيت… كانت تتعجب من شخص سيدنا الذى يقوم بعدد من الأدوار بسلاسة غير عادية فهو المنشد المفضل فى سبوع المولود ومن يعود له الجميع لفك عكوسات السحر والشعوذة فى قرية يؤمن أغلب سكانها أن سيدنا هو القادر على إصلاح حال “فك عقدة العانس والمربوط ” والأغرب هو استسلام معظم أهالي القرية وقناعاتهم بقدرة سيدنا على القيام بكل دور على الوجه الأكمل ليس لذكائه الخارق مثلا أولقدراته الفرديةأو لتميزه عن غيره من الرجال – فقط – لأنه كان “حافظا لكتاب الله الكريم

أنهى رئيس التحرير الاجتماع وانصرف الحضور ولكنها ظلت تتساءل فى بوح ذاتي مكتوم :ما الفرق بين خميس وأدوار سيدنا وخميس وأدوار رئيس تحريرنا المشهور؟!

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات