لم يكن الطقس مشجعا على الإطلاق و ظننا و نحن في الطريق إلى مدينة قرونبالية الجميلة  لحضور حفل إختتام مهرجان العنب أن الحفل سيتم الغائه بسبب سوء حالة الطقس في تونس كما حدث في المهرجانات الأخرى حيث تشهد نونس بأكملها تقريبا نوة حادة جدا تحالفت فيها عوامل الطبيعة من الرياح العاتية و الأمطار الغزيرة ضد تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين فما بالك بالإحتفالات و المهرجانات ؟ .. لكن المفاجأة الرائعة تمثلت في إنتصار الشعب من جديد لإرادة الحياة ..

إذا الشعب يوما أراد الحياة :

صدق أبو القاسم الشابي حين نظم أبياته الخالدة ” إذا الشعب يوما أراد الحياة   فلابد أن يستجيب القدر  ” و معه أيضا فنان كبير من طراز رفيع نادر نار على علم يدعى ” لطفي بوشناق ” الذي لم يخذل جمهورا رائعا لم يترك مكانا في مدرجات المسرح المكشوف إلا شغله رغم صفير الرياح و غزارة الأمطار ..
جلجل صوت بوشناق القوي القادر ليطغى على صفير الرياح و شاركه الجمهور وصلة طرب تونسية جميلة بمذاق أندلسي أثارت حماس كاتب السطور و زملائه الذين صعدوا إلى خشبة المسرح ” بنظام ” ليشاركوا في صنع المشهد الملحمي المذهل و يسجلوه بأقلامهم و الآت تصويرهم ..
تضرر عود ” لطفي بوشناق ” من مياه الأمطار فتم تهريب العود و لكن ” بوشناق ” و فرقته لم يهربوا و أصروا على مواصلة الحرب مع الطبيعة بالموسيقى و الغناء أمام الجمهور الذي فتح مظلاته ليتقي بعض مياه الأمطار إذ شارك من يحملون المظلات من لا يحملونها في إصرار غير مسبوق على الفرح ، مع إزدياد هزيم الرعد و لمعان البرق و هطول الأمطار بدأت الألآت الموسيقية للعازفين خاصة الكهربائية منها في التضرر إضطر نجم الحفل الفنان الكبير ” لطفي بوشناق ” للتوقف قليلا حتى تلتقط الفرقة أنفاسها و تجفف ألآتها مع وعد قطعه على نفسه أمام حماس الجمهور على المواصلة بعد إستراحة قصيرة منوها إلى أن خيرات الله القادمة من السماء هي طالع سعد يستحق الحفاوة و الفرح و الإحتفال ..

الفنان الكبير لطفي بوشناق

بعد دخولنا مع ” لطفي بوشناق ” و فرقته إلى الكواليس و الجميع بشكرون بعضهم البعض على الإصرار على الفرح .. أكد ” بوشناق ” أنه سيواصل الحفل لأن مثل هذا الجمهور العظيم لا يمكن خذلانه ، و بالفعل يعود الجميل ” لطفي بوشناق ” ليغني للوطن بكافة تفاصيله و مناطقه .. للحلفاوين و لافاييت و حلق الواد و باب الخضراء و الحجامين و باب سويقة و كل ما يمثل قلبا نابضا للبلاد ، و يخص جمهور قرونبالية و نسائها الكادحات في المزارع و المصانع بالغناء ..ليثبت أن الفنانين الصادقين هم صوت الوطن ..غير مبال بالأمطار الغزيرة و الرياح في مشهد تاريخي ملحمي لا ينسى كان نجومه بلا منازع جمهور قرونبالية الإستثنائي و فنان كبير يدرك معنى الإلتزام و إحترام الجمهور .. فنان من طراز نادر يؤكد أن الوطن بخير و أن البلاد ولادة .. و أن غثاء السيل و إن طفا على السطح يذهب .. و يبقى ما ينفع الناس ..
واصل ” بوشناق ” حفله حتى نهايته أمام جمهور يستحق .. و أصاب البلل الجميع مع صفعات الرياح ليرجعوا مهددين بالمرض .. لكن الأمر المؤكد أن تونس تتعافى لأن شعبها يريد الحياة..

Tweet