حكمة الإوز

11:58 صباحًا الأربعاء 25 ديسمبر 2019
سعيدة الزغبي خالد

سعيدة الزغبي خالد

إعلامية من تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

 

يميل الناس في بداية كل سنة جديدة إلى تعداد أهم المنجز فيها و تشخيص ما كان فشلا أو تقصيرا أو انحرافا عن الأهداف المرسومة ، و قد أردت بمناسبة حلول السنة الجديدة أعادها الله على الجميع بالأمن و السلام أن أشارككم أحد دروس الطبيعة التي تمر أحيانا تحت أنوفنا دون أن ننتبه و التي يمكن بقليل من التواضع و الرغبة في التغيير أن تكون درسا جيدا في الحياة .

تفسير-حلم-الأوز-في-المنام1

ينعت الإوز غالبا بالغباء ، و لا يرى الناس فيه إلا طعاما على الموائد أو صورا في قصص الأطفال أو سربا من الطيور المهاجرة ولا نرى أنفسنا في مقارنة معها إلا حين يزداد وزن السيدات فتثقل حركتهن حتى يتمايلن كالإوز، و أغلبنا لم  يرفع رأسه مطولا ليراقب تشكيلات الطيور المهاجرة والتي تكون دائما على شكل الحرف V و كذلك يكون الإوز في رحلات الذهاب و العودة حيث تتغير التفاصيل لكن الشكل يبقى ثابتا كأن الطيور الموصومة بالغباء تعلم جيدا أسرار الطيران و الفيزياء .

و الحقيقة أن خفقان أجنحة الإوز يرفع الهواء و ييسّر بذلك تحليق الطيور التي تتبع رأس السهم أي الحرف V و يعني هذا حسابيا أن سرب الإوز يمكن أن يسافر على هذه الشاكلة أبعد ب 71% مما يستطيعه طائر منفرد فيكون ما نتعلمه من غباء الإوز إذن أولا أن الأشخاص الذين يتقدمون معا في نفس الاتجاه يحققون أهدافهم غالبا أسرع و أيسر لأنهم في تقدمهم يتعاونون و يساعد بعضهم البعض و يعتمد بعضهم على بعض أي أن علاقاتهم في رحلة الحياة و الهجرة ذهابا و عودة مبنية على الثقة الضرورية لنجاح الفريق هذا إذا كان لنا أن نتصرف مثل الإوز بوازع من روح الفريق و الاعتقاد الجازم أن الفرد إذا انفصل عن فريقه أو مجتمعه أو أسرته أو أي شكل آخر من أشكال الانتماء الاجتماعي أو الطبيعي فإنه حتما لن يذهب بعيدا . وهذه هي الحكمة الأولى

ففي فريق الإوز أو السرب بمنطق الطير، حين يغادر طائر التشكيل سيشعر فورا بضغط الهواء و إعاقته لطيرانه فيكون من الضروري أن يبذل جهدا أكبر، و تؤدي هذه المكابدة إلى إرهاقه بسرعة ، و غالبا لا يصل الطائر الوحيد إلى محطته الموعودة أبدا لأن الجهد المطلوب أكبر فتصبح المسافة أطول و يبدو الوصول بعيد المنال و يصبح ما حوله من الكائنات التي لا تشبهه هي تهديد و خطر يواجهه أو يلاحقه و لا سبيل ، مادام وحيدا ، للاعتماد على صديق أو الثقة برفيق لن يخذله مادام في الجناح قدرة على الخفق.

هذه هي الحكمة االثانية التي نراها تجوب السماء في كل موسم هجرة و لكننا قليلا ما نتعلم و كثيرا ما ننسى إذا تعلمنا .

أما الثالثة فسرها يكمن في أهمية تشكيل فريق مع من يسعى لتحقيق نفس الهدف . فإذا عدنا إلى فريق الإوز فسنجد أنه في طيرانه تغادر الإوزة التي تقود السرب مكانها حالما تشعر بالتعب و تأخذ غيرها المكان لتواصل قيادة الرحلة و تعود هي إلى الصفوف الداخلية ، تقريبا كما يحصل عندما تنتهي الفترة التي تم انتخاب المسئول من أجلها ، هذا طبعا إذا جاز لنا أن نحتمل أن الناس الذين لا يشاركون الإوز منطقه و لا هجرته سيلتزم بقواعد و قوانين اللعبة السياسية و سيحترم أخلاقياتها فلا ينحرف عن الهدف الأساسي من اختياره لمهمة بعينه بعيدا عن المحاصصات الحزبية و المنطق التوافق أو التنافق و تقاسم غنائم الفساد و الإفساد .

فيكون منطوق الحكمة الثالثة هو الآتي : تكون النتائج أحسن و أجود حين يتم التداول على المهام الأكثر صعوبة لكن من أين لنا بحكمة الإوز ، نحن بنو الإنسان ، بما نملك من عبقرية و معارف و تجارب تتراكم عبر السنين و العصور في الكتب و غيرها من أدوات حفظ الذاكرة الإنسانية  و لكننا رغم ذلك نعود لنرتكب نفس الأخطاء و الحماقات مثنى و ثلاث و بمتواليات حسابية أحيانا و هندسية أحيانا أخرى تلاحقها التواريخ و المدونات ولا تستوعبها عبقريتنا على مر الأزمنة ، ربما لأننا حتى و إن رفعنا أعيننا إلى السماء لنراقب أسراب الطيور فإن أغلبنا لا يرى لحظة مرور السرب فوق رأسه إلا إعلانا بدخول فصل من عمر السنة أو انتهائه أو صيدا سمينا يزين الموائد في المناسبات و الاحتفالات .

في هذه الرحلة العجيبة يقوم سرب الإوز بإطلاق أصوات مميزة غالبا مل تثير انتباه الناس حين تمر هذه الأسراب في سماوات المدن و القرى في رحلتها بحثا عن الدفء و الغذاء ثم في عودتها من هجرتها إلى موطنها الأصلي بعد أن تبيض و تفقس .. هذا الجوق الذي يوقع أصواته على نغمة واحدة يقوم في الحقيقة بتشجيع الإوز الذي يقوم بقيادة الرحلة و يتحمل ضغط و مقاومة الهواء فالقادة في حكمة الإوز الرابعة أيضا يحتاجون إلى التشجيع .

من حكمة الإوز أيضا أنه في حالة إصابة أحدها بالمرض أو بجرح فإن الطائر المصاب لا يعطل السرب و لا يغادر وحده بل يرافقه طائران آخران للمساعدة و الحماية حتى يستعيد المريض أو المصاب صحته و لياقته و يصبح قادرا من جديد على مواصلة الرحلة فإذا كانت فترة  النقاهة قصيرة و يمكن اللحاق بالمجموعة فسيكون الأمر كذلك و الا فإنها تطير مع تشكيل آخر من الإوز حتى تلحق مجموعتها الأم. فالذين يشبهونك و يسيرون في نفس اتجاهك لنفس الأهداف هم الأجدر بمواصلة جزء من الطريق معهم حتى تستعيد هدفك الأساسي بما فيه من تفاصيل صغيرة تميزه عن أهداف الآخرين .

لعله حان الوقت لنتعلم من غباء الإوز المزعوم حكمة التعاون و التآزر وأن يعاضد أحدنا الآخر لعلنا نستطيع أن نمر بسلام من بين ما يحيط بنا من عواصف و أهوال في البر و البحر و في السماء التي يملأها الإوز عبرا لكننا لا نذكر إلا ما تعلمنا من حماقات تداولناها و جعلناها حقائق لا تقبل الدحض ولا النقاش .

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات