أفكار جلال نصّار | تجربة صحفية لم تكتمل

08:02 صباحًا الأربعاء 22 أبريل 2020
جلال نصار

جلال نصار

رئيس تحرير جريدة الأهرام ويكلي (سابقا)، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
الدكتور عمرو عبد السميع

الدكتور عمرو عبد السميع

كانت العام 2005 فارقة فى التاريخ المهنى للدكتور عمرو عبد السميع وكل تلاميذه وحوارييه الذين اقتربوا منه ونهلوا من خبراته وعلمه وثقافته ومهنيته والجوانب الإنسانية المتعددة فى شخصيته الفريدة…
وبعيد عن سرد السيرة المهنية والعلمية والحياتية للدكتور عمرو التى يعرفها الجميع فقد أخترت هذا العام تحديدا لانطلق منه ناعيا عمودا من أعمدة مؤسسة الأهرام والصحافة المصرية حيث تعرفت على الدكتور عمرو قبل ذلك بسنوات بعد عودتى من الدراسة فى بريطانيا التى تزامنت مع عودته من واشنطن بعد إنتهاء تجربته المهنية المهمة كمدير ومراسل لمكتبى “الأهرام” فى لندن وواشنطن وبعد سنوات خبرة طويلة كمدير لمكتب جريدة “الحياة” ومدير لتحرير مجلة “الوسط” وما تخللها من تجارب مهنية واكاديمية كانت كلها كافية وكفيلة بأن تضع عمرو عبد السميع على رأس القيادة التحريرية لجريدة الأهرام…
سبق هذا العام محاولات تطوير مشهود لها للطبعة الدولية للأهرام شاركت فيها مع مجموعة مهنية منتقاة من الزملاء والزميلات فى المؤسسة حيث حولها عبد السميع إلى تجربة لما يطمح أن يكون عليه الأهرام اليومى لحظة أن تقترب منه كما كان يتوقع وجميعنا يتوقع حتى اقترب موعد التغييرات الصحفية الشهيرة فى عام 2005 وكان عمرو عبد السميع على راس المرشحين لتولى رئاسة تحرير الأهرام وقد ابلغه اكثر من مسئول بالقرار بل وقاموا بتهنئته قبل الإعلان ب 48 ساعة كاملة؛ من جانبة بدأ الدكتور عمرو يخرج ملفاته المهنية من أدراج مكتبه ويفكر فى بمنطق مهنى بحت فى من يتولى المسئولية معه للنهوض بالمطبوعة اليومية وطباعاتها الدولية والعربية وكان لديه مشروع مهنى متكامل يحافظ على شخصية الأهرام المحافظة التاريخية ويطورها وينقلها إلى الأمام لمواجهة التحديات التى واجهت الصحافة لاحقا؛ وكان لديه تصور لكل صفحة وكل قسم وقوائم جاهزة فى ذهنه من خلال متابعته اليومية الدقيقة لمستوى الجريدة ورصد لكل المهنيين فى الأهرام اليومى والإصدارات حيث كان يرى أنها “لحظة قوة الأهرام الشاملة” وأنها لحظة تجمع كل المهنيين والكفاءات للنهوض بالجريدة وتطويرها وأن يتصدى للمشروع قاطرة من المهنيين تساهم فى تلك النقلة وإحداث الفارق مع كل الصحف والمؤسسات وقادرة على المنافسة والتفوق.

galal
كنت حينها مديرا لتحرير الأهرام ويكلى ومشرفا ومحررا لصفحة الملف الأسبوعية بالطبعة الدولية للأهرام وأتناوب مع الزملاء على كتابة القصة الخبرية فى الصفحة الأولى للجريدة؛ وفاتحنى الدكتور عمرو فى أن أتولى مسئولية الطبعتين العربية والدولية معا تمهيدا لدمجهما فى طبعة واحدة متطورة وتبويب جديد يناسب ذوق القارىء المصرى فى الخارج وكذلك الذوق المهنى للقارىء العربى فى المهجر مع إمكانية إضافة ملاحق إنجليزية وفرنسية وفقا للتوزيع الجغرافى للدول واللغة السائدة لمخاطبة الأجيال الجديدة من المهاجرين المصريين والعرب وتخاطب الغرب مثلما هو الحال مع الصحف التى تمثل الجاليات الأسبانية والصينية واليابانية والإيطالية والفرنسية إعتمادا على كوادرر اليومى والأهرام ويكلى والأبدو وكوادر صحفية وأكاديمية من الجاليات فى كل بلد؛ ذلك بالتوازى مع مسئوليات تحريرية فى الأهرام اليومى خاصة فى البدايات وتوزيع المهام والمتابعة لمشروع التطوير الذى كان يستند على بنية تقنية عالية تستفيد من كل التطوير الذى لحق بصحافة القرن الحادى والعشرين.
كان مشروع عمرو عبد السميع للأهرام اليومى يرتكز على المحتوى الراقى المهنى والأقلام الرشيقة والمصادر الرفيعة؛ وكان يرى دورا بارزا للثقافة والتنوير والفن والرياضة؛ وقوالب وإيقاعات حديثة للخبر والتقرير والتحقيق والحوار وكان يرى حينذاك أن الصحافة القومية لا تقوم بدورها ليس فقط لابتعادها عن القارىء وإرتباطها بالحكومات ولكن لضعف المهنية وتدهورها الذى جعلها لا تخدم حتى دورها بمساندة الدولة وتوجهاتها ففقدت أهم شروط دعمها وإستمرارها.
كان لدى عمرو قيمة مهنية وإنسانية يعرفها كل من إقترب منه وهى دعمه للمواهب والشباب ويؤمن ويعتقد بأن نجوميته كعمرو تتحقق عندما تحيط به نجوم متلألاة ومواهب وقامات لذلك تجد لدى كل موهوب فى مهنة الصحافة داخل الأهرام وخارجها موقف مهنى وإنسانى مع عمرو فيه دعم ومساندة وإشادة وتوجيه وتقويم وايضا نقد إيجابى بناء وأنا منهم وقد كان عمرى 35 سنة عام 2005 التى أحدثكم عنها.
تركزت الساعات الأخيرة قبل إعلان أسماء القيادات الصحفية عام 2005 على وضع اللمسات الأخيرة من قبل الدكتور عمرو والمقربين منه وكنت منهم على تشكيلات الأقسام والصفحات والديسك وكل من يستطيع أن يحدث الفارق المدروس والسريع ويحقق القفزات المطلوبة للإنطلاق الواثق مع تحديد للأسماء التى من الممكن الإستعانة بها من كل إصدارات الأهرام الصحفية المتنوعة؛ ولكن أتت الرياح بما لا يشتهى السفن؛ دارت فى الكواليس محاولات من داخل الأهرام وخارجه لابعاد عمرو عبد السميع عن مقعد رئاسة التحرير والقضاء على مشروعه المهنى المتكامل وإبقاءه فى أدراج مكتبه وداخل عقله وأن لا يخرج إلى النور حتى تحقق ذلك وتغيرت الأسماء والترشيحات فى الساعات الأخيرة تحت المسمى الشهير “الحفاظ على إستقرار المؤسسات” مع الإتيان بقيادات “حبوبة”.
كانت تلك اللحظة التى كسرت حلم عمرو عبد السميع وحقه وطموحه المشروع الذى عمل من أجله وتسلح جيدا من أجل تحقيقه وأثرت تلك اللحظة على حالته المعنوية والنفسية ومن وجهة نظرى الشخصية أن كل ما كان لاحقا – تختلف أو تتفق معه – يحسب ويفسر نتيجة لتلك اللحظة وكل ما حدث كان توابع لها رغم أنها لم تؤثر على نجومية ولمعان وقيمة عمرو عبد السميع ولكنها فرضت مساحات حركة على الدوائر المحيطة به من أصدقاء وتلاميذ وزملاء بحكم مواقفه وأحكامه وإختلافاته الحادة لكنها لم تؤثر على الحالة الإنسانية وحقوق الأستاذ والتلاميذ فى مدرسته الصحفية والرصيد كان كافيا للمرور بفترات إبتعاد وجفاء وإختلاف وربما تنافر لانه لا يمكنك أن تعيش بعيدا عن شخصية تمتلك كل هذا الثراء؛ لقد كانت الجلسات مع عمرو عبد السميع قمة فى الإمتاع بما يتخللها من مبارازات مهنية ورصد للحال والأحوال ودروس فى المعالجات والتناول والمقارانات وعليك دائما أن تكون فى قمة لياقتك الذهنية للحوار معه ومع ضيوفه الذين يتوافدون على مدار الساعة فتثار كل الملفات والقضايا وتخرج منها بجرعة مكثفة من الوعى والإدراك.
رحل عمرو عبد السميع وقبل أن يرحل رحلت قبله كل قيم التقدير؛ وغابت المعايير حتى فى تشكيل المجالس التى كان منوطا بها النهوض بالمهنة وتطويرها رغم أنه ربما الوحيد الذى يمتلك مشروعا مهنيا حقيقيا له ملامح بارزة يعرفها ويدركها الجميع؛ رحل عمرو ورحل قبله ومعه جيل من المهنيين الذين أبعدوا عن عمد وجهل وقصد تغلفها كل نوايا التدمير؛ رحل عمرو ولم ينجح كل من أرادوا له ولغيره الإنزواء والعزلة لان قيمته ونجوميته ولمعانه فاق وتجاوز قيود الحصار؛ إختلف ما شئت مع عمرو عبد السميع فى السياسة والفكر والآراء والمواقف ولكن لا يمكنك أن تقفز فوق حقيقة أن الأهرام والصحافة المصرية فقدت واحدا من أهم أعمدتها الذين كانوا لديهم القدرة على النهوض بها منذ سنوات طويلة قبل أن نصل لمرحلة الأزمة التى هى فى حاجة لاكثر من عمر عبد السميع لتجاوزها إن خلصت النوايا ولم تتكرر السيناريوهات الكارثية فى كل مراحل التغيير.
……..
جــلال نصــار
4 إبريل 2020م

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات