مسرح الثـــّورات

06:07 مساءً الأربعاء 7 نوفمبر 2012
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

“الدّنيا مسرح كبير” هكذا تحدّث “شكسبير ” (1564 ــ1616 ) لكنّ مقولة الشّاعر البريطاني الكبير و صاحب كلاسيكيّات المسرح العالمي لم تلق رواجا كبيرا في العالم العربي إلاّ بعد أن تحوّلت إلى ٌول مأثور على لسان الممثّل المصري الكبير فنّان الشّعب ” يوسف وهبي ” ( 1900/1902 ـــ 1982 )أو كما يحبّ أن يلقّبه الجمهور ” يوسف بك ” الذّي كان دائما ما يردّد عبارة “وليام شكسبير” بتصرّف قائلا ” هيه …ما الدّنيا إلاّ مسرح كبير “.

صدق هذه المقولة كانت تثبت من خلال تصاعد أحداث التّاريخ التّي تلتها و مقارنتها بما سبقها من أحداث عبر العصور ربّما مع اختلاف التّفاصيل أحيانا و تطابقها حينا آخر حيث “الشّيطان يكمن دائما في التفاصيل “..
و ما حدث في العالم العربي مؤخّرا فيما أطلق عليه الرّبيع العربي كان مسرحا حقيقيّا بدأت أحداث روايته في تونس مرورا بمصر ثمّ ليبيا و اليمن ومازال العالم ينتظر النتّائج الأوليّة في سوريا و البحرين , فالزّلزال الذّي حدث في كلّ تلك البلدان مازالت تتواتر توابعه كأنّه الحركة الأولى في سيمفونية القدر..و لا ريب أنّ مسرح الأحداث العالم له ” مخرج ” و “منتج” غالبا ما يكون القوى العظمى الموجودة على السّاحة عبر التّاريخ بما في ذلك “مسرح الثّورات “, لكنّ الأحداث طالما تتأثّر بقوّة شخصيّة المخرج و المنتج و الممثّلين من لاعبي الأدوار الرّئيسيّة و حينما تطغى قوّة شخصيّة أحد الأطراف على الآخر يكون هو المحور الأساسي في صنع الحدث , مع ملاحظة أنّ المخرج في أغلب الأحيان هو نفسه المنتج حتّى لو لم تكن الأموال التّي يتصرّف أمواله لأنّه دائما من يسيطر عليها .

ثورات الربيع العربي

لا يخفى على أحد أنّه في ظلّ أحاديّة القطبيّة التّي يشهدها العالم منذ بداية التّسعينات حتّى اليوم أنّ ” الولايات المتّحدة الأمريكيّة” هي مخرج الحدث ومنتجه وما عدى المخرج هم حلفاؤها الأقوياء من الغرب و الشّرق , و إذا سلّمنا جدلا أنّها فوجئت ” بمسرح الثّورات العربي ” إلاّ أنّها سارعت بتدارك الأمر من خلال قدرتها الفائقة على التّعامل مع الأزمات حيث لا يغيب عن الأذهان خبرتها في انتهاج سياسة ” حافّة الهاوية ” منذ اتّضحت ملامحها الأساسيّة مع السّياسي الشّهير “جون فوستر دالاس ” ..ومن تصاريف القدر العجيبة أنّ أعايش مخاض ثورتي تونس ومصر بحكم الإقامة بين البلدين بل و المشاركة في الحدث الثّاني الخاص بمصر حيث رابطت في ميدان التّحرير خمسة عشر يوما من ثمانية عشر يوما استغرقها سقوط ” نظام مبارك” أعتقد أنّ الإدارة الأمريكيّة كانت حائرة خلالها في اتّخاذ قرار مؤلم بالتّخلي عن حليف مؤثر جدّا في الشّرق الأوسط و المنطقة العربيّة , و الإنتصار لإرادة شعبيّة في التّغيير .. الأمر الذّي وضعها على محكّ الإختيار بين مصالحها التّي يضمنها وجود ذلك الحليف الذّي خبرته لسنين طوال ..و بين مبادئها التّي تعلي من قيم الحريّة و حقّ الشّعوب في تقرير مصيرها و أمانيها في الوصول إلى نظم ديمقراطيّة .. مع الأخذ في الإعتبار تأثّر سمعة الولايات المتّحدة في بعض الأحيان نتيجة سلوك بعض الإدارات خاصّة في العقدين الأخيرين الأمر الذّي شكّل نوع من الضّغط الشّديد عليها .., و لذلك كان لا بدّ من أن تتوخّى الولايات المتّحدة القدر الأكبر من الحرص و الحيطة أو بالأحرى التّحايل بما يضمن مصالحها و هي تختار التمشّي مع خيارات الشّعوب فكان رهانها على فصيل سياسي بعينه و هو تيّار الإسلام السّياسي على الرّغم من كونه أقرب إلى الجماعات الرّديكاليّة من إسلام معظم الشّعوب العربيّة المسلمة التّي كان منهجها عبر قرون طوال بالغ الإعتدال و التّسامح كمنهج للتّعايش مع الأقليّات غير المسلمة دون مشاكل تذكر ..,و من هنا انطلقت تساؤلات مواطني تلك الشّعوب التّي عرفت ما يسمّى بالرّبيع العربي و هي كثيرة لا تحصى لعلّ من أبرزها و أهمّها على سبيل المثال لا الحصر :
1 – تسمية الرّبيع العربي نفسها التّي جاءت من الغرب تذكّر بحراك ليس بريئا كلّ البراءة قد حدث في حقب سابقة فيما سمّي بالكتلة الشرقيّة آنذاك و منها حركة ” ربيع براغ ” في المجر .., كما أنّ تسمية ” ثورة الياسمين ” التّي أطلقت على الثورة التّونسيّة كانت تسمية أطلقها الإعلام الفرنسي الذّي كان يوما ما داعما في أغلبه لنظام “بن علي ” و ساهم في تكريسه نخبة “فرانكوفونيّة ” ربّما هي أبعد ما تكون عن صنّاع الثّورة الحقيقيّين من أبناء الجنوب الصّحراوي و الوسط الذّي فضّل أن يطلق عليها ” ثورة الصّبار ” لكن التّسمية لم تلق رواج الياسمين ربّما لأنّها لم تحظ بدعم غربي .
2 – هل كان دعم الولايات المتّحدة لتيّار الإسلام السّياسي بريئا من توظيفه في مواجهة المشروع النّووي الإيراني من خلال خلق معسكرين متناحرين من السنّة و الشّيعة , و هل لذلك علاقة بحديث الإدارة الأمريكيّة السّابق عن ” الفوضى الخلاّقة ” و إعادة تقسيم المنطقة من جديد ربّما من أجل توسيع الكيان الصّهيوني و بعث إسرائيل الكبرى .
3 – الممارسات التّي تمارسها جماعات الإسلام السّياسي من دول الرّبيع العربي خاصّة من وصل منهم إلى الحكم في مصر و تونس لا ترضي جميع الأطراف السّياسيّة من أبناء الوطن و مع ذلك حظيت تلك التيّارات و مازالت تحظى بالدّعم الأمريكي في مواجهة خصومها .., الأمر الذّي جعل تساءل الشّعوب ملحّا حول ما إذا كانت الولايات المتّحدة تستخدم هؤلاء الإسلاميّين لفترة ما كي تخلق من خلال ممارستهم الذّرائع لكي تحقّق أهدافا معيّنة ثمّ تتخلّص منهم بعد ذلك ..
ما يحدث في سيناء الشّماليّة بمصر الآن يؤكّد ذلك و قد نشهد تدخّلا إسرائيليّا في سيناء الشّماليّة بحجّة ضرب التّنظيمات المتطرّفة مثل ” القاعدة ” و ” حماس” و غيرهم , بما سيتبع ذلك من إزاحة قطاع غزّة و سكّانه إلى داخل سيناء و ربّما حدث ذلك أسرع ممّا نتصوّر على مسرح الرّبيع الثّوري الذّي نرجو أن يظلّ كذلك و لا يتسبّب في خلق صراعات جديدة بين أشقّاء و جيران فلن يقبل المصريّون التّفريط في سيناء التّي روتها دمائهم عبر التّاريخ حتّى لو كان لأشقّائهم .. مبدأ ” الغاية تبرّر الوسيلة ” عبر حقب التّاريخ على مسرح الحياة .

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات