تخسر الحياة من إنسانيتها

12:08 مساءً الأربعاء 9 ديسمبر 2020
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بقلم : إسماعيل فقيه *

تخسر الحياة  معناها ومبررها حين تفقد قواعدها أو حين تفقد الأسس التي يعتمدها أبناء البشر في أيامهم وأعمارهم . فإذا عاش الإنسان في هذه الحياة بلا قواعد وأسسوأهداف خلّاقة وقيم متوالية، فهو بالتأكيد لا ولن يتميز عن بعض الكائنات الأخرى التي يمكننا تسميتها بكائنات تعيش ولا تعرف لماذا تعيش، أو كائنات تعيش لتأكل فقط ، أو كائنات غير كائنة، أو اللاكائنات . إذا خسر الإنسان تطلعاته الى غد مشرق أو إذا خسرأمله وطموحه ، فهو بالتأكيد يخسر ما يستحيل تعويضه، ما يستحيل تحديد ماهيته وفحواه وتالياً، يخسرعقله وروحه، فهو أيضاً وحتماً سيكون من تلك الكائنات التي تعيش بلا معنى وبلا هدف. هكذا هو إنسان الجسد المسلوب، الجسد الذي يدبّ على الأرض بخفّة ثقيلة ومربكة، على أقل تقدير.

الحياة بحقيقتها ويقينها تجتمع وتتجمع في الكائن البشري، هي السلوك البشري بكل تفاصيله، ولولا وجود الإنسان في هذه الحياة، لما كان ممكناً فهمها، وربما كانت مساحةعيش لا يمكن سلوكها والإقامة فيها.

الإنسان هو الحياة . الإنسان يصنع الحياة ، صانع الحياة، يكتبها ويرسمها ويغنّيها ويعزفها، واذا لم يلحّنها وينشدها بصوت منغّم وفعّال، وبإيقاعات تطرب روحه وعقله، لن يقدر على تجسيد جوهرها. وكم من مشاهد عيش أخرجت الحياة من سياقها الى غير سياق، الى متاهة وفوضى. وكم امتدت المتاهة الى أبعد من الفوضى وكم أخذت هذه المتاهة الحياة الى طور غريب، أخرجتها عن طورها، اخرجتها من معناها الإنساني، من إنسانيتها. وثمة عوامل وحالات وصور وطقوس وعادات مفاجئة، سلكها ويسلكها الإنسان، بغير قصد أو عن سابق إصرار، كانت بمثابة الضربة القاضية لوعي الحياة والإنسان . وقد تكون تلك الحالات والعادات المدروسة وغير المدروسة لا يدركها الإنسان بكامل وعيه، لكنه ينفّذها بإصرار، وأحياناً كثيرة ينفذها بصخب زائد، كأن يقوم بركل قواعد الحياة وأسسها بيديه ورجليه دون أن يسمح للعقل أن يشارك بقرار الوعي، كأن يرفض الأخلاق ويحطمها ويستبدلها بلغة نابعة من جهل ومن منطق عنف ورغبة جامحة تستهدف الخراب والتخريب.

تتجلّى الحياة بكل مشهد يعيشه الإنسان، فما أكثر الحياة وما أوسعها . وما أضيق الحياة حين تخسر إنسانيتها، ولا يستطيع الإنسان ممارسة دوره في الحياة ، كإنسان يصنع الحياة. ومن مظاهر الخسارة الإنسانية الكبيرة، هي تلك المظاهر التي تتجلّى في ممارسات شتى يمارسها الإنسان، وتكون تلك الممارسات نتيجة حتمية لجهل عظيم يقبع في الذات البشرية. فهل من يعوّض الخسارة، خسارة الإنسانية سوى من هو في مرتبة الوعي المطلق؟ لا بد من السؤال، لأنه في حد ذاته يمثل حاجة لوعي الخسارة الإنسانية.

المبدع، الفنان أو الأديب أو الشاعر يمكنه أنسنة الحياة بوعيه وإبداعه. فحين يبدع الكاتب أوالشاعر بوصف الإنسانية وأهدافها في الحياة، يضع أسساً للوعي الضروري الذي يضيء نور المعرفة، ويرسم صورة اللون الضروري لبهجة في حياة تعمّنا وعلينا ممارستها كما يجب، كما هي الحياة، كما تفور في المساحة المفتوحة الواسعة، ولا تتوقف.

يستحضر المبدع الحب والعاطفة والشوق والجمال وجوهر الإنسان المبني من حقيقة عاطفية بحتة، يستحضر الإنسانية بوعيه المتكوّن والمتناسل من حياة وعيش وإقامة مع المكان والزمان، مع الطبيعة، ضمن سياق الوعي الذي تنتجه الحياة، ومهما واجه من ضياع وخسارة في سلوك الإنسانية المفترضة لدى سائر البشر، فإنه على دراية بوعي أكبر ، وقدرة أوفر على إعادة البوصلة الى تراتبيتها داخل الوعي نفسه، داخل الحب والعاطفة والشوق وعليه، يجهد في بناء المشهد الإنساني المتحرك، بناء هرم الحياة الذي لا يتزحزح ولا تهزّه عوامل القلق السطحية. وقد تكون قصيدة الشاعر، شاعر ما، أو مبدع ما في شتى ميادين الإبداع، تكون قدوة في لفت انتباه الروح الى حقيقة الإنسانية في الوجود بما تمثل من حقيقة ساطعة وحتمية وضرورية لإستمرار الحياة نفسها وتنامي تطورها، كأساس يتصاعد ويبقى ويترسخ وفق شروط حضور الإنسانية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إسماعيل فقيه ، شاعر وصحافي لبناني .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات