الممثل اللبناني الفنان انطوان كرباج … الملك دائماً

12:23 مساءً الخميس 11 فبراير 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بيروت ـــ إسماعيل فقيه :

رسالة بيروت – إسماعيل فقيه

الفنان الممثل الكبير والمبدع أنطوان كرباج ، أو القامة الفنية الرفيعة الزاخرة التي لا يمكن لها الا أن تكون سيدة الخشبة والشاشة. فنان صاحب شخصية بعلامة فارقة في المسرح والتلفزيون. حضر باكراً الى الميدان الإبداعي، وكانت إطلالته صورة متجلية من اللحظة الأولى. يرى في المسرح صورة المجتمع، أو مرآة المجتمع، لذلك جهد ليكون الصوت الذي يرسم طريق المعنى والصورة والفكرة.
ولد الفنان أنطوان كرباج في بلدة “زبوغة” ( جبل صنين ). والده شكري كرباج،والدته إيراساما كرم، وهو الولد البكر لعائلته ( خمسة شباب وفتاة ).

موهبته في التمثيل تجلت في سن مبكرة ، كان في التاسعة من العمر حين بدأ مسيرته الفنية الإبداعية. كان يكتب “الإسكتشات” ويؤديها مع أبناء جيرانه وأقاربه في منزله.و تلقى علومه في المدرسة الرسمية. وفي دار المعلمين درس مادتي التاريخ والجغرافيا وتخرج من الجامعة اليسوعية. زوجته الفنانة الرسامة و الزميلة الصحافية لور غريب.

مسيرة فنية غنية وحافلة

ــ الحديث عن مسيرة الفنانة وكيف انطلقت ، يمكن أن يمتد الى مساحات طويلة من الكلام، فقد بدأ مسيرته الفنية في أواخر الخمسينيات،ومن اللحظة الأولى لمشواره الفني سطعت الموهبة وتجلّت، ويخبرنا أنه :

“عندما كنت أدرس اختصاص التاريخ، في جامعة القديس يوسف بالكلية الشرقية، وهناك كانت المرحلة الهامة، حيث اكتشفت في هذا الصرح التعليمي وجود مسرح مغلق”.ويقول الفنان أنه في تلك المرحلة التي كان يمر بها ،”فكرت مع بعض الطلاب بافتتاح هذا المسرح بعمل كلاسيكي، ولا سيما أننا كنا ندرس لشكسبير والمرحلة الإغريقية، فإذ بأحد زملائي يقول لي: إن المسرح له أصوله وقواعده، والوقوف على الخشبة ليس بالأمر السهل أبداً، ولكن لم أقتنع بكلامه، واكملت طموحي ومحاولتي في تأسيس ما يشبه المناخ الحاضن للمسرح.”..

ويعترف كرباج بأن إصراره على العمل والجهد والدراسة ساهم في تحقيق الكثير من الرغبة الجامحة داخل طموحه. ” كان لدى إصراري الكبير، فتعرفت على المبدع الكبيرمنير أبو دبس الذي كان يتولى إدارة معهد المسرح الحديث التابع للجنة مهرجانات بعلبك الدولية، ولدى دخولي لأول مرة على المعهد، مكثت لمدة 10 دقائق ، وشاهدت خلالها أشخاصاً صامتين، جامدين على المسرح، وبدافع الفضول تابعت حضوري وترددت دائماً على المعهد، وبعد عدة جلسات أيقنت أن المسرح ليس “مزحة” وهو يتطلب من الممثل الكثير من الجهد والتعب والفكر والشرح والعلم والأهم هو الاشتغال على الصوت ، (صوت الفنان كرباج ميزة تكاد تكون فريدة) واكتشفت أن الذي يتحكم بتنفسه يصنع الأعاجيب بصوته.”


يتذكر الفنان ويذكر الكثير من تاريخه الإبداعي الحافل،

” دائماً كنت أقدم التمرينات على خشبة المسرح، وكان زملائي يضحكون علي، الأمر الذي جعلني أنجز تدريباتي في المنزل… عند حلول امتحانات آخر السنة قدمت مشهداً مسرحياً وهو عبارة عن مونولوغ مستل من مسرحية “عطيل” لشكسبير بعد أن قمت بترجمته إلى العربية”.
وقف كثيراً على المسرح، كان ملكاً حتى في أدواره (الشريرة )،” أثناء وقفتي على المسرح كان يخالجني الشعور بالعدائية والنيل من أي طالب ينوي الاستهزاء والضحك على أدائي”.


أول ظهور مسرحي للفنان لم يكن في لبنان إنما في المغرب في “أطلال وليل” ، حيث شارك في مهرجان البحر المتوسط المسرحي،”و حيث عرضنا مسرحية “الملك أوديب”، وجسدت فيها دور الراعي، وبالرغم من مساحة دوري الصغير إلا أنني لفت فيه إعجاب الحضور.” وفي مهرجان جبيل الأول عام 1962، يقول كرباج:” كان منير أبو دبس يحضر مسرحية “ماكبث” لشكسبير وأسند إلي الشخصية الرئيسية “ماكبث”، وبعد أدائي لهذا العمل كتبت عني الصحف، مشيدة بموهبتي “.
المحطة الهامة في حياة الفنان أنطوان كرباج كانت في مسرحية “الملك يموت” ولعب فيها دور “الملك” الذي يبلغ من العمر 100 سنة ويرفض الموت، وكان آنذاك في عمر الرابعة والعشرين، فكانت هذه المسرحية بمثابة تحد كبير لقدراته التمثيلية، “ومن حينها بدأت أخطط وأدرس ملامح هذه الشخصية وكيفية تأديتها، وتوالت الأعمال المسرحية الناجحة”.
يسرد الفنان الكثير من التفاصيل والوقائع في حياته الإبداعية الفنية الحافلة بكثير من الإنتباه ، يقول ويتذكّر الكثير من هذا التاريخ الذي ما زال يحضر في ذاكرته ، وكأنه حدث غداً:
“في 5 يونيو عام 1967 أثناء النكسة التي أصابت العالم العربي قلت لمنير الدبس إن المسرح هو مرآة المجتمع، وإنه يجب أن يلقي الضوء على المشاكل والقضايا الاجتماعية التي يعانيها المجتمع، واقترحت عليه أن نتبنى اللغة العامية عوضاً عن الفصحى التي اتسمت بها مسرحياتنا السابقة، فرأى استحالة ذلك معللاً أنها لغة هزيلة لا تتسم بالرقي وتفتقر إلى تواجد كتاب يجيدون هذه الكتابة، فانفصلت عنه مع زميلي ميشال نبعا، وقمنا بمسرحية “الديكتاتور” الناطقة باللغة العامية وكانت من كتابة الشاعر والمسرحي اللبناني الراحل عصام محفوظ، فألقى هذا العمل الضوء على مشكلة الديكتاتورية في العالم، ثم تابعنا مسيرتنا في مسرحية “المهرج” للشاعر السوري محمد الماغوط وإخراج يعقوب الشدراوي حيث جسدت دور “المهرج”. ومن بعدها قدمنا “المارسيلياز” العربي، وكذلك تعاونت مع الفنانة الكبيرة نضال الأشقر في مسرحية “أبو علي السمراني” من كتابة خلدون تامر تركي وإخراج بارج فازيليان”.


ارتبط اسم كرباج مع الأخوين رحباني منذ عام 1968بعد أن تم التعارف بينه وبين عاصي ومنصور : ” شاهد الراحل الكبير عاصي الرحباني مسرحية “الملك يموت” فطلب من منير أبو دبس لقائي، في منزله بأنطلياس، فذهبنا أنا ومنير وميشال بصبوص، وخلال الجلسة أراد عاصي أن يتعرف علي عن كثب، إذ كان يعتقد أنني من جذور فرنسية نسبة لاسم عائلتي كرباج، فما كان منه أن ألقى بيتاً من الزجل يشتمني به, عندئذٍ أصابتني الحيرة والتردد هل أرد عليه أم أتجاهل قوله، فأجبته ببيت زجلي يتضمن كلاماً قاسياً، عندئذٍ انتفض قائلاً: أنطوان من أين أنت؟ فقلت له: أنا من بلدة “زبوغة” في سفح جبل صنين، فتابع حديثه:

إذن أنت ابن الأرض ونحن نبحث عنك، وكان أول لقاء لي مع الأخوين رحباني في مسرحية “الشخص” حيث جسدت هذا الدور في بيروت، ومن ثم شاركت في مسرحية “يعيش يعيش”و “صح النوم”و “ناس من ورق”و “جبال الصوان”. ولعل من أبرز الأعمال التي تركت أثراً بالغاً في نفسي هي مسرحية “ناطورة المفاتيح”، عام 1972 عندما لعبت دور الملك “غيبون”، و”صح النوم” عام 1971 أثناء تجسيدي لدور “الوالي”، فهذان الدوران يشبهان تقريباً شخصية “الملك يموت”، وبعد تقديمي لمسرحية “ناطورة المفاتيح” التي كانت تحية لعاصي بعد مرور سنة على رحيله، انقطعت فترة عن الرحابنة ومن ثم عدت بمسرحية “حكم الرعيان” التي لعبت فيها دور الملك رعد الثالث من إخراج مروان الرحباني وتأليف الراحل منصور الرحباني،ثم “زنوبيا” و”عودة الفينيق” عام 2008 في شخصية ملك “جبيل”، وكان آخر عمل “صيف 840″…


حضور قوي ومميز وفاعل على الشاشة، هكذا هو دائماً الفنان أنطوان كرباج. أعمال كثيرة للشاشة قدمها وكانت غاية في الأهمية، وصوت الفنان الجهوري والكاريزما في شخصيته وحركاته اللافتة،بضجيجها وصمتها وعنفوانها، كلّها لعبت دوراً مكملاً لهذا الحضور الصاخب لفنان من هذا الطراز المميز. ورغم تأخره، الى حد ما ، في ولوج الشاشة، الا أنه سطع نجمه، “تأخرت في الولوج إلى عالم التلفزيون، لأن النصوص لم تتلاءم وتنسجم مع طموحاتي وتظهر قدراتي، ولعل أول عمل قدمته حمل توقيع الأخوين رحباني وإخراج الأنطوان ريمي كان بعنوان “من يوم ليوم” الذي جسدت فيه دور “سليم الديك” السارق أثناء الحرب اللبنانية عام 1975. فهذه الشخصية عملت ضجة في الأوساط الشعبية، وأصبح كل الشباب يكتبون على الجدران “سليم الديك” مر من هنا، وفي الوقت نفسه أقدم شخص يحمل الاسم نفسه في طرابلس على رفع دعوى لتشويه سمعته، وبعد تسلم بول طنوس إدارة تلفزيون لبنان بعث ورائي لنتعاون سوياً، فأرسل إلي بعض النصوص فاعتذرت عنها، عندئذٍ قال لي: لماذا تعذبنا، يبدو أنك لا تريد التعاون معنا من خلال رفضك المستمر. واقترح علي الإتيان بموضوع، فعرضت عليه قصة “البؤساء” لفيكتور هيغو، فوافق وأبصر هذا العمل النور، وكانت من كتابة الكاتب السوري محي الدين القابسي، ولعبت فيه شخصية “جان فلجان”، وأشرف على إخراج هذا المسلسل الاجتماعي باسم نصر، وأعتبر هذا الدور نقلة هامة في مشواري. ومن بعده أتى “بربر آغا” الذي رسخ هويتي واسمي عند الجمهور وتولى إخراجه باسم نصر، وكرت السبحة فتتالت الأعمال البارزة منها “أبو بليق” من كتابة أنطوان غندور وإخراج الياس أبو رزق في عام ،1990 مسلسل “ديالا” مع الراحلة هند أبي اللمع والمخرج أنطوان ريمي، “أقبية الموت”، “صور ضائعة”، “عشتار”، “رماد الحب” مع الكاتب الشاعر الراحل جوزف حرب وإخراج هيثم حقي “أوراق الزمن المر” عام ،1996 من كتابة جوزف حرب وإخراج نجدت أنزور، وجسدت فيه شخصية الطبيب المحتال مع الممثلة القديرة منى واصف…أعمال كثيرة قدمتها تمثل لي اللحظة الأهم التي انطلقت منها الى فضاء الفنالواسع”.
السينما وكرباج

ربما تعتبر أعماله السينمائية قليلة ،ولكن للفنان رأيه في الأمر ،ويقول :” السينما اللبنانية تفتقر إلى الصناعة، والتمويل، والتقنيات الحديثة، ولكثير من حاجات السينما الضرورية، ولكن رغم ذلك انخرطت بها، و لعبت بطولة “نساء في خطر” من إخراج سمير الغصيني و”الصفقة” مع رولا حمادة والمخرج سمير الغصيني، “امرأة في بيت عملاق” قام بإخراجه زيناردي حبيس. فيلم “سيلينا” وجسدت فيه “شيخ العرافين” وهو مقتبس عن مسرحية “هالة والملك” للأخوين رحباني وندمت على المشاركة فيه، وأعتبره دعسة ناقصة في مشواري ،لأن هذا العمل كان متدنياً للغاية بالنسبة لمستوى المسرحية الأساسية”.


أنطوان كرباج فنان قدير، ليس لأنه القدير في تجسيد الأدوار الصعبة فحسب، بل لأنه أيضاً صورة متجلية في ذاتها،وتعكس وعي الحياة بامتياز. ولا نغالي اذا قلنا، أنطوان كرباج قامة فنية فريدة لا تتكرر في التاريخ الفني الحديث والمعاصر.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات