شربل روحانا… عازف العود، عازف ايقاع الصمت

09:24 صباحًا الإثنين 15 فبراير 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
رسالة بيروت – إسماعيل فقيه

فنان موسيقي عازف محترف على آلة العود ، خاض غمار الصمت المسموع  والمدوي أحياناً ، من خلال عزفه على آلة العود . عزف على الأوتار ، استجمع الهدوء الهامس ليتسلل صوت الحنايا الى أعمق ويخرج متوهجاً . بدأ للمرّة الأولى في مجال الغناء والأغنية الخاصة  بعد سنوات من العمل في حقل الموسيقى (الآلاتية) الذي لم تأخذ الكلمة فيه سوى إشارات محددة  . ثم عاد إلى الموسيقى الصامتة ، أو الموسيقى التي تقول ما يقوله الصمت ،  من خلال قالب مختلف انتهجه بجدارة ورهافة . وحقق الكثير من المشهدية السمعية  ــــــــــ التي تخاطب المشهدية البصرية ، كتناغم متواصل ، يستمر طويلاً .
الفنان المبدع الموسيقي اللبناني شربل روحانا ، ولد في بلدة عمشيت ، شمال لبنان عام 1965، درس الموسيقى والعزف على آلة العود . حاصل على دبلوم في آلة العود من جامعة الروح القدس ، وماجستير في العلوم الموسيقية من نفس الجامعة . يعمل أستاذ آلة العود في المعهد الوطني للموسيقى (الكونسرفتوار) وفي معهد العلوم الموسيقية بجامعة الروح القدس . وهو معد منهج آلة العود في الكونسرفتوار وجامعة الروح القدس . وكذلك وضع منهجاً جديداً لتعليم هذه الآلة.

 عزف روحانا إلى جانب مؤلفين بارزين، فشارك عوده عود الفنان  مرسيل خليفة في عمل من تأليف الأخير بعنوان “جدل” (لرباعي ضمَّ آلتَيّْ عود، باص كهربائي وإيقاعات) ، وشارك عازفاً مع الفنان المؤلف الموسيقي والمسرحي زياد الرحباني في ، “إلى عاصي” ، و”لولا فسحة الأمل” و”بما إنو…”. كما لحّن  للفنانة تانيا صالح ، وعاون الفنانة الأوبرالية غادة شبير من خلال التدوين الموسيقي وقيادة الفرقة والعزف ، في ألبومها  الأخير “موشحات”. و استضاف الفنانة ريما خشيش في محطة غنائية  في أحد ألبوماته . وأحيا أمسيات موسيقية عدّة ، في لبنان والخارج ، وكانت بمثابة حضوره الكبير واطلالته على العالم ، خاصة أن أعماله حملت طابعاً إنسانياً بملازمة همه الاجتماعي وأخلاقه وعاطفته والتزامه الفني الموسيقي المميز. كما غنى روحانا تحيّة إلى محمد الدرّة، الطفل الفلسطيني الذي أرداه رصاص الصهاينة ، وعزف وغنى لقضايا الإنسان التي تعكس جوهر الحياة .

ألبومه الأول كان بعنوان “مدى”، وقد جمعه بالمؤلف الموسيقي هاني سبليني. تلاه “سلامات” ، ثم “مزاج علني” ، و”العكس صحيح” ، و”صِلة وَصْل” . كل هذه الأعمال وسواها من أعماله انتمت إلى قالب فني خاص ومميز، يرتكز على مقطوعات موسيقية عكست تركيبة الفرقة الموسيقية المعتمدة ، في نمطها الشرقي ــــــ الغربي الحديث . واستطاع الحركة وفق هامش ارتجال موسيقي، وجمل لحنية متوالية الجمال ، وتوزيع موسيقي لا تعقيدات كبيرة فيه . كما استعاد ألحاناً من التراث الشرقي، وتحديداً من الفولكلور الشعبي. مقطوعة روحانا ليست قصيرة  جداً، وتالياً ، تسمح بهامش من الارتجال أو بالتقاسيم التي تتطلّب وقتاً، حسب ما يوضح ويقول الفنان روحانا . ويقول أيضاً : ” لا بد من التحضير الذي يحتاج الى الصبر والوعي والمعرفة وطبعاً ، العلم والموهبة هما أساس هذا الإرتجال في النغم والتنغيم  والموسيقى . لا بدّ من التحضير لكل شاردة وفاصلة لحنية ، والشروع بها، وتطويرها ، قبل إنهائها وتسليم مرتجل آخر، أو العودة إلى الأسس الموسيقية المحورية المكتوبة.”
 حريص شربل روحانا على مصير الموسيقى العربية ، وحسّه الحداثوي المتمثل في مجاراته لآلات موسيقية ، قد تعتبر في من خارج بيئته العربية . الا أن ذلك ساهم في تكريس وعيه الموسيقي وقاده الى مساحة حرة وابتكارات موسيقية أطربت السمع  وحتى أنها أطربت البصر. ويرى روحانا في هذا التحوّل : ” صورة موسيقية مسموعة ومرئية بالعين الصاغية والأذن الصاغية..اذا عرف الموسيقي كيف يقرأ في مزاج الإنسان الذي يعايشه ، فلا بد أنه قادر على مخاطبته وفق قواعد لحنية جديدة ونغمية جديدة . وما أقوم به من أعمال تلتزم العزف الكامل المتكامل ،  ليست سوى مسألة مستجدّة فرضت نفسها على كل نواحي الجسد الموسيقي الذي أتحرك  في عالمه “.

يحافظ الفنان روحانا على الأصالة الفنية الموسقية ، ويقول : ” الموسيقى الشرقية هي الأصل وهي الأساس مهما كان الأمر ومهما كانت المهمة أو الواجب الموسيقي . والتجديد أو التطوير الذي نحاول تحقيقه بالعزف المتنوع ، المستند الى تنوعات موسيقية واسعة ، يبقى في مدار الموسيقى الشرقية ولا يخرج منها ، بل يدخل فيها ، عميقاً ، ويأخذ منها ما يساهم في بلورة النغمة الجديدة أو المستجدة والمبتكرة “. “الدعوة إلى التحديث الموسيقي ، هو عمل نقوم به ويصب في صميم الأصالة الموسيقية العربية ” ، يقول روحانا ويضيف قائلاً : ” المحافظة على الأصالة هو من أساس علم الموسيقى . لا يمكن القفز فوق الأصالة بأنغام سريعة أو متسرعة ، واذا كان لا بد من تطوير وتحديث هذه الأصالة ، فلا بد للموسيقي أن يعي ويحفظ تاريخه وتراثه ، وعليه استخدام ما في داخل هذا الإرث الموسيقي بما يبشر بولادة جديدة للموسيقى نفسها”.
يقوم الفنان شربل روحانا بتوظيف صحيح وعادل لموهبته وإمكانات الفرقة المرافقة له . إذ يرتكز شغله وعمله الموسيقي على التقسيم الذي توجِّهه جمل لحنية صافية، ومتماسكة، ومنسوجة بعناية. أضف الى ذلك أن الفنان له تجارب مميزة وناجحة في التأليف الموسيقي ، وكل هذا هو قائم في خدمة المشروع الموسيقي الذي يسير على صراطه الفنان . ويمكننا القول إنّ هناك فارقاً جوهرياً ، تصاعدياً ، في تجربة روحانا الموسيقية ، خصوصاً اذا  ما قارنا بين تجربته الأولى وتجاربه الللاحقة والآنية .

  لا جدال في القول إن الموسيقي شربل روحانا يمثل ظاهرة نغمية عزفية مميزة . فآلة العود باتت عنوان ثقافته وهي أساس موهبته . وليس الكلام الغائب عن موسيقاه ( صوت الوتر وما تدندنه أصابعه فقط) هو غياب الراغب بالغياب والإختفاء ، بل العكس هو الصحيح ، العزف (الروحاني) هو كلام صامت يختزل مساحة الكلام والطنين والتعبير ، ومن يستمع جيداً ، بإصغاء عميق الى عزف روحانا ، سيسمع الكثير من كلام الصمت ، المدوي ، وسيسمع كلمات تتراءى في مساحة السمع ، كأنها كلمات واضحة ، منطوقة بلفظ منغّم ملحن ، كلام صاخب يؤنس الروح ، يأخذها الى أبعد حدود الخيال والجمال .

One Response to شربل روحانا… عازف العود، عازف ايقاع الصمت

  1. محمد درويش رد

    15 فبراير, 2021 at 1:42 م

    روعة الرةائغ ما خطه يراع الشاعر اسماعيل فقيه عن شربل روحانا عازف العود الرائع اتمنى لفقيه كل التوفيق قي متابعة الكتابة عن الكبار في الفن والثقافة والحياة …

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات