الشاعر سامي نيال … المدرك لماهية المخفي

10:13 صباحًا الخميس 25 مارس 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

يصوغ الشاعر اللبناني سامي نيال قصائده بكثيرٍمن دهشة االمعنى، وكأنّه يعيد تشكيل هرم مفرداته بمصوغ آخر…إعادة تركيب الأشياء المبعثرة في مفردة نيال لها مدلول الإنبثاق من دهشة اللغة،وهو المدرك لأسرار معانيها….الدهشة،والدهشة مفاتيح لغة نيال،وهو العالم للمخفي من هذا العالم الكرتوني الذي لم يُعد يدهش المتلقي…..
قراءة الشاعر تستدعي كثيراً مفاتيح خاصّة للولوج إلى مفردة الشاعر،وهذه المفردة تحمل أسرارها الفريدة،والخاصّة معاً التي لا تتوقّف عن إدهاش القارىء….إنّها لغة خاصّة جداً يعمل الشاعر على توظيفها في نطاق خارج حدودها المعتادة….

ولا عجبَ من إدهاش المتلّقي المتواصل عند قراءة الشاعر نيال…. للشعر مفاتيح مدهشة للإقتراب من كواكب مضيئة ،او مظلمة معاً،وهذا التحليق يستدعي دراية تامّة إن أجادَ الشاعر الإنسياب في فضائها الأوحد تحلَق القصيدة معه،وهنا تكمن لعبة نيال الشعرية العميقة التي يفرد الشاعر لها قاموساً خاصّا في لغته المدهشة….
هذا العشق المتناهي في لغة نيال له ممارسة فريدة في مفردات الشاعر التي يحسن توظيفها ضمن أسطر شعرية ضوئية،وكأنّ بالشاعر يطلق العنان لمعنى أكثر ألقاً في قصائده المتميزة التي لم تزل تدهش القارىء منذ قرابة أربعين عاماً….يأبى الشاعر أن يشيخ بعيداً عن مفرداته،وهو يقول دوماً إنها عشيقتي الأولى أمارس معها ما أشاء من طقوسي المُشبعة في رغبات خاصّة وحدها تعنيني….هذا السحر المتبلور بأضوائه يعيد للأشياء رونقها في عالم الشاعر الخّاص،والمدهش في ملكوته… اللغة ثم اللغة صديقة الشاعر التي يحسن تشذيبها في رونق قصيدته،وكأن بنيال بستاني من عالم آخر يُحسن تشذيب اللغة ليعيدَ نموها مجدداً في فصل آخر مع مفرداته….إنّه الشعر هذا الساحر المُتفرّد الذي لم يزل يُدهش المُتلقي في أقصى حضوره تميّزاً…وهو القائل في ديوانه الأخير(ظلال المنفى) الصادر عن مركز الآن في إلمانيا:
الضّوءُ ملاكٌ مهاجر…

سيلفي الشاعرين اسماعيل فقيه وسامي نيال في بيروت


حدثَ أن ارتطمَ بشظايا ظلاله.
الظلال مجدداً تستكين في لغة الشاعر الذي يحسن التعامل مع حضورها المستمر في مفرداته،وكأن بالشاعر طفلا يُفكّك الأشياءَ ليعيدَ تركيبها بأشكال أخرى متعمّدة في محاولة منه لخلق عالمأ أكثرَ شغفاً في حضور الشعر المُصّفى من شوائب أخرى…
المسافاتُ الضيّقة،والظلال الهاربة من حضورها،وهذا التعب المستمر في قصيدة الشاعر له مدلول الأدوات المتميزة،والخاصه التي تضيء جعبة الشاعر بلغة خاصّة جداً في قاموس وحدته الفريد…
إنّها قصائد(ظلال المنفى) لغة ساحرة،وقصائد خاصّة جداً تضرب بقوة في ذاكرة المتلّقي،ولكن بشاعرية مُحبّبة تُشبه هذا الفردوس الغريب،ولا يُدركه سوى الحالمين بعالم أكثر إشراقاً من عالمنا الآني الفاني….
وهو القائل في قصيدته(ملاحظة)
يُقال يعرفُ لحظة التقاط الصّور…
رُبّما هو فلاشٌ منسي،
نسيَ أحدُهم إغلاقه…

هذه اللحظات المنسية لها مدلول خاص،ولا يدرك غيابها سوى المُحلّقين بالشعر صوبَ عوالمَ خاصّة جداً….يأتي دور الشاعر هنا ليعيدَ هذا الهروب المستمر من لحظات شاردة على سكونها في بساط سحرها المُحلّق مع بساط السندباد،ولما لا إنّه السحر الطفولي الذي نحتاجه في عالمنا الحديدي الصدىء…وحدهم الشعراء الخاصون جداً يدركون هذا السحر الخاص الذي يسكن رغباتهم،وهنا تكمن لعبة الشاعر الطفولية لدى نيال….
قصائد المنفى،أو قصائد الدهشة المستمرة عند نيال لا بد من الغوص في سحرها الخاص،ولا بد من قراءتها مرّات عدّة لما في متنها من سحر مميز جداً…
اللغة المنضبطة في بساطتها لدى نيال تنفرد في أقصى تحليقها النّصي ذات المدلول البلاغي اليومي المرتبط تماما في ذاكرة الشاعر،وهو العابث في هذا المنظّم الذي إعتاد الآخرون الإنضباط ضمن سياقه الشاذ…وحده الشاعر الفطن المدرك لماهية المخفي من سحره يستطيع الإنبعاث مجدداً في متن نصّه الفريد…إنّها فرادة السحر،وأدواته المميزة لدى الشاعر نيال،وهو القائل في قصيدته:
ببغاء

البَبغاءُ ثرثارٌ حرّيف…
يتناقلُ قِصصَ المثهاجرين الجُدد…
يقتاتُها ذُرَةً مشويةً،
تعذيباً لحضورهم القَسري…

قصائدُ الشاعر سامي نيال تحمل الكثيرَ من الدهشة التي تدهش متلّقيها أيضاً،وكلّ ما يعوز القارىء لقصائدَ نيال براءة تامة للدنو رويداً من فردوس صياغتها.فالشعر كان،ولم يزل حالة خاصّة جداً في حضور متلّقٍ فطن يُدرك ما يقرأ من معين الشعر الخالص المُنزّه من شوائبَ لا حاجة لها مطلقاً…
قصائد (ظلال المنفى) الصادر عن مركز الآن في إلمانيا قصائد ذات صلة من وحدة قاتلة في هجرة قسرية مرتبطة تماماً بشفافية تشفّ حتّى في مفرداتها،ومعانيها،ودلالاتها…
قصائد فعلاً تستحق الكثير من التوقّف عندها من حيث صياغتها،ورونقها الخاص…إنّها قصائد الغياب لشاعر يحضر بقوة في خارطة الشعر…

One Response to الشاعر سامي نيال … المدرك لماهية المخفي

  1. محمد درويش الاعلامي الشاعر رد

    25 مارس, 2021 at 11:49 ص

    سامي نيال شاعر باللغة العربية او النص المترجم ابن غربة هو لكنه مضيء في المهجر او المنفى او الغربة
    مصور فنان يخترع ما في البيت الشعري من فلسفة مكان وزمان حاضر في الماضي ليمضي في حضوره الى مستقبل مقيم
    لا شك انه يجيد الحداثة وقصيدة النثر ويبنيها من عرقه ودمعه وتعبه
    ..ما يقال عنه هو انه مجدد باحث يرتكز الى قاعدة تقترب كثيرا” من عالم المتغيرات الفكرية والادبية والفلسفية…
    في قلب الحدث سامي نيال مهتم بكثر من الشغف بالفن واللغة والتاريخ الشخصي له فيه من الحزن ما يكفي لأيام قادمة
    ما كتبه الشاعر الباهر المفتش في اللغة ونهر الكلام الجارف الاديب الكاتب اسماعيل فقيه انما هو مرآة لاحلام سامي نيال بل قاموس لتفسير معجم احزانه وخارطة طريقه الحافله بالفراغ والانتظار وأحيانا قليلة الضياع في جغرافيا التجربة الشعرية والشعورية
    اجمل ما فيه هذ السامي نيال انه ابن الشرق السجين في غربة القصيدة …
    انه نتاج نفسه كلمة وصورة وذكريات ..
    خليط جميل من التعب…
    ثم انه في الأول من حياته وشبابه وفي الختام ذاته : شاعر وشاعر وشاعر ..

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات