حريم النار: مسرح لوركا في مصر

11:57 صباحًا الأحد 18 أبريل 2021
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
لوركا

على مسرح الرواد؛ قدم مؤخرا  المخرج والممثل أشرف عزالدين مؤسس ومدير فرقة “الجيل الجديد” المسرحية عرضا من إخراجه بعنوان “حريم النار” عن رائعة الشاعر الإسباني فيدريكو جارثيا لوركا “بيت برنارد ألبا”؛ تلك الميلودراما الريفية التي كتبها “لوركا” عام 1936 قبل بضعة شهور من إعدامه، وهي الجزء الثالث والأخير من ثلاثية درامية عن الأرض الأندلسية.

وقد قدم كل من المؤلف “شاذلي فرح” و”عز الدين” لهذا النص رؤية تتجاوز المحايدة إلى التعريب والتمصير؛ فلم تدر أحداث العرض في الريف الإسباني بل دارت في صعيد مصر؛ حيث تتشابه ظروف الطغيان والاستبداد السياسي والديني والعائلي ضد النساء. ومن هنا يتضح تماس نص لوركا؛ ونص مسرحية “حريم النار” بمفاهيم معقدة ومركبة كانت ولم تزل تشغل وتحير الوعي الإنساني كالسلطة الدينية والاستبداد والحرية وحقوق المرأة؛ مما يشجع على الاقتراب من دواخل هذا النص الممصر؛ ودواخل أهم من عملوا على انجازه.

أشرف عز الدين

بين دراسة “الأدب الإنجليزي”، و”الإعلام” بجامعة القاهرة أعد وأخرج أشرف عز الدين حوالي خمسة عشر عملا مسرحيا؛ حصل من خلالها على عدة جوائز في الإخراج والتمثيل، وساعد في إخراج عدة أعمال كان من أشهرها رائعة الكاتب السوري الكبير سعد الله ونوس “الملك هو الملك”، و”مسافر ليل” و”مأساة الحلاج” لرائد الشعر الحر صلاح عبد الصبور. ومسرحية “الدخان” لمؤلفها ميخائيل رومان على مسرح التليفزيون… وغيرها.

وربما متأثرا بهؤلاء المبدعين أصدر “أشرف عز الدين” ديوانا وحيدا عام 2015 بعنوان “ما تبقى من مشاعر” تنتمي قصائده إلى نمط  “الشعر الحر”. ومنذ عام 2011 أخذ على عاتقه تكوين فرقة مسرحية مؤهلة لتقديم كل أنماط المسرح الحديث من النمط التقليدي أو الغنائي إلى مسرح “العبث”، وقد استطاع أعضاء هذه الفرقة (بل عضواتها؛ إذ كان العرض الأخير لهذه الفرقة نسائيا، مع شخصية ذكورية واحدة) أن ينلن إعجاب الجمهور والنقاد؛ الذين أشادوا بقوة الآداء التمثيلي والصورة والإضاءة والديكور.

وقبل هذا العرض- وتحت مظلة فرقة “الجيل الجديد”- قدم أشرف عز الدين في عام 2019 نصا مسرحيا عربيا ينتمي صراحة إلى مسرح العبث؛ وهو ملودراما “الجريمة” للمؤلف عبد الفتاح البلتاحي؛ لكن “عز الدين” هذه المرة كان ممثلا فقط؛ أما الرؤية والإخراج فكانتا لمجدي عبيد. وعلى هامش النجاح الذي حققته مسرحية “حريم النار”؛ وبالاقتراب من السيرة الإبداعية المتنوعة لأشرف عز الدين- كمخرج وممثل ومعد- قد نجد شيئا يعبر عن التنوع الجيلي لحركة المسرح المصري المعاصر؛ بداية من مسرح الجامعة، إلى مسارح الدولة؛ ولذا كان “لآىسيا إن” معه هذا الحوار؛ الذي طرحنا عليه فيه تساؤلاتنا المختلفة عن مفهومي المسرح الحديث المعاصر بشكل عام؛ وعن تجاربه الإبداعية السالفة والآنفة بشكل خاص

في البداية، وبسؤاله عن أثر المسرح الجامعي في تكوينه كمثقف ومبدع أجاب: “اشتركت في اللجنة الفنية منذ اليوم الأول لي في الجامعة، واتجهت من دون تردد نحو المسرح، وأسست من الطلاب فرقا مسرحية بعدد السنين التي قضيتها كطالب في كلية الآداب- جامعة القاهرة. كان ذلك في أواسط الثمانينيات وأواخرها؛ وكنت وزملائي نتخذ “التجريب المطلق” عقيدة؛ مدفوعون بمحبة الحكمة والإيمان بالقيم النبيلة، كنا- وبعضنا لم يزل- نؤمن بأن لنا دور في البحث عن الكليات الكبري إلى جانب اليومي والحياتي أو المسرح الذي يعبر عن وجدان المجتمع. نلت جوائز في إطار الجامعة، ومثلت وفرقتي مع الفنانة “عبلة كامل” وغيرها، وأخرج لنا “أحمد عبد العزيز” المخرج والممثل المعروف العديد من المسرحيات، وتعرفت إلى المبدع “مراد منير”؛ الذي كان له أثر كبير على تكويني الفكري فترة ما بعد الجامعة؛ تلك الفترة التي بدأتها والمخرج داخلي قد انتصر تقريبا على الممثل.”

وبسؤاله عن النقاط المضيئة في تجاربه بعد المسرح الجامعي وخصوصا مسرحيات مثل “الملك هو الملك” و”مسافر ليل” و”الحلاج”: فأجاب “تلقيت اتصالا من المخرج “مراد منير” يطلب مني قراءة متأنية لمسرحية “الملك هو الملك” ثم الاتصال به للأهمية؛ قرأت واتصلت؛ فأخبرني أنه قد اختارني مخرجا منفذا ومراجعا لغويا لهذا النص ومصمما لإضاءة العرض. لأكثر من أربعة عشر عاما تعرض هذه المسرحية وأنا سعيد منتش مبهور ممتن؛ تعلمت من الجميع، وأصقلت خبرتي السابقة في العمل منفردا وكفريق. ولازلت فخورا بنجاح هذه المسرحية وتصنيفها أكاديميا وجماهيريا من الدرجة الأولى. أما “الحلاج” ففي نسختها الأولى مثلت دور “ابن سليمان” أحد محاكمي أبي منصور الحلاج؛ إلى جانب كوني مخرجا منفذ ومراجعا لغويا. أما في نسختها الثانية فقد مثلت دور “ابن سليمان” أيضا إلى جانب الإخراج التنفيذي والمراجعة اللغوية؛ لكن ذلك بعد اعتذار الفنان “أحمد صيام” عن تكملة العرض؛ فقدمت الدور بدلا منه ولخمسة أيام فقط. مدين أنا للفنان أحمد عبد العزيز؛ فهو الذي رشحني لأكون ضمن فريق “الحلاج”؛ وأعده شقيقا فنيا، وأستاذا كبيرا.

ينتمي “أشرف” إلى جيل من أبناء المسرح الذين تربوا على مقولاته الكبري، أهمها أن المسرح عنوان شعبه، مرآة الشعب العاكسة لحقيقته المجردة؛ مسرح ضد الطبقية بل أنه مذيب لها؛ فلاحظ كغيره من المبدعين الشباب أن هذه المرآة لم تعد صادقة بقدر كاف؛ولاحظوا الانقسام الطبقي الشديد في المسرح المصري بين مسارح الدولة، ومسارح لا تقدم سوى الارتجال وبعض الاسكتشات؛ مما يفسر اعتذاره عن الاستمرار كمخرج منفذ في أعمال نجحت جماهريا كمسرحية “جوز ولوز” عام 1993، وتفرغه للقراءة ودراسة الإعلام؛ ويفسر أيضا ظهوره بعد سبعة عشر عام من مسرحية “الحلاج” بمنودراما”الجريمة”؛ التي سألناه عن خصوصية الجهد المبذول في هذه التجربة بالنسة له؛ فأجاب: “قُدِّر أن تكون هذه المنودراما باكورة ما قدمته فرقة “الجيل الجديد” التي أسستها، وأشرف بإدارتها، وهو تأسيس أردت به المساهمة في إحياء المسرح بفرقة مستقلة؛ ببساطة وعمق في آن ما، واعتقد أنني قد وفقت في سعيي هذا خصوصا بعد العرض الأخير “حريم النار” الذي سأحدثكم عنه بعد ذكر شيء من خصوصية منودراما”الجريمة” بالنسبة لي. لقد تنوع انتاجي تمثيلا واخراجا ولم يقتصر على تقديم الصورة التقليدية للمسرحية الحديثة ذات البداية والمنتصف والنهاية؛ بل كان لي تجارب اعتز بها تنتمي إلى اتجاه مسرح العبث كمسرحية “الساعة الناطقة” لتوم ستوبارد، و”ملهاة بلا كلمات” لصموئيل بيكت.

وتطلعت بمنودراما”الجريمة” أن أقدم شيئا ينتمي إلى مسرح العبث وما بعد العبث أيضا. وبالفعل تنطبق كل مواصفات “مسرح العبث” على نص “الجريمة”؛ ذلك المسرح الذي يشدد على إعادة التفكير في الثوابت؛ وإعادة النظر في العلاقات الإنسانية وتفسيرها؛ بل وإعادة النظر في أساليب الكتابة والتعبير عن الأفكار. فها هو المؤلف الشاب “عبد الفتاح البلتاجي” يكتب نصا يذكرنا بالوجوديين، وبغريب “ألبير كامو” ذلك البطل الذي تمرد ميتافيزيقيا على الموت كمصير إنساني محتوم؛ وارتكب جريمة قتل عمد؛ ليستجلب حكم إعدام لنفسه؛ ومن ثم يمكنه أن يعيش موته؛ وهذا يقترب كثيرا مما فعله “محمود وصفي” الشخصية الوحيدة على الخشبة ومحور العرض كله؛ فهو أديب وباحث في الفلسفة؛ ومتهم بجريمة قتل يعترف بها مستمتعا؛ فقد قتل “الزمان” قبل أن يقتله؛ أوقف الزمان بإبطاءه حد التوقف؛ وذلك باعتزال العالم رغم غوايته؛ واعتبار بيته زنزانة أبدية؛ ونجح في أن يجعل ساعته البيولوجية تضطرب تماما.

رأيت في هذا البطل كل المثقفين الذين مروا في حياتي وتعلمت منهم؛ أولئك الذين رفضوا مادية العالم وتشيؤه؛ الباحثون عن الجوهر، المغتربون المعذبون لأنهم يعوا اغترابهم؛ الشاهدون على تفسخ القيم وانحلال الأخلاق. وقد استمتعت بتمثيل هذه المسرحية حد التعب؛ بل والإعياء الشديد.

وبسؤاله عن الرؤية التي قدمها لمسرحية “حريم النار”؛ ذلك العرض الذي قام بإخراجه لفرقة “الجيل الجديد”؛ وتم تقديمه على مسرح “الرواد” في التاسع من إبريل الحالي. فأجاب بأن “هذا النص قد حقق نجاحا جماهيريا سابقا في “مسرح الطليعة”. ونساء العمل اخترن ووجهن نظري إلى إعادة تقديم “حريم النار”. في البداية شعرت بكآبتها؛ فالمسرحية المكتوبة مستهلة بساعتين من النواح المتواصل؛ فكان عليا أن أحولها إلى مسرحية رومانتيكية الرؤية إلى حد ما؛ طالما هي من الأساس نصا ميلودراميا اجتماعيا تعبيريا منذ أن كانت للوركا؛ فحاولت التركيز على معاني مجردة “كالحب” و”الغيرة” و”الرغبة” إلى جانب فكرته العامة عن الاستبداد والطغيان والاستلاب. وقد رأيت كل الشخصيات محورية بلا استثناء؛ واعتقد بهذا النص أنني وفرقتي اقتربنا كثيرا، وربما نجحنا في تطبيق منهج جروتوفسكي “نحو مسرح فقير”.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات