صالون جنان أركَانة الثقافي يحتفي بالشعر والموسيقى وأدب الرحلة

10:13 صباحًا الثلاثاء 20 أبريل 2021
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
دليلة حياوي

في حياتنا الثقافية أيقونات مضيئة، لا تكتفي بمنجزها الإبداعي وحسب، لكنها تتخذ لمسيرتها مسارا يجعل منها آية للتواصل الثقافي، عابرة بجسور من مودة ومعرفة حدود الجغرافيا والتاريخ. الشاعرة دليلة حياوي هي إحدى هذه الأيقونات التي تمثل استمرارا لدور المرأة المغربية القوي والمؤثر في محيطها.

ولا يأتي الزائرُ تاريخَ المغرب أو يتصفح مدُنَه إلا وتصادفه رائحة عطرة لنسائه اللائي صنعْن تاريخًا استثنائيا، ليس فقط بعلومهن وفنونهن، بل بقدرتهن على إدارة شئون بلادهن. ولعلنا، نحن المسافرين بين مدينتي المملكة المغربية الشماليتين؛ “شفشاون وتطوان” نتعرف أكثر إلى امرأة ولدت في المدينة الأولى وحكمت المدينة الثانية، وتكاد سيرتها تتحول إلى أسطورة أكثر من كونها شخصية حقيقية مؤرخ لها، في المغرب العربي، وفي أوروبا، على حد سواء.
يكفي أن تتصفح كتابا عنوانه “المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي” للعلامة المغربي الدكتور عبد الهادي التازي لتدرك كم فاتنا نحن في الشرق العربي الكثير عن هؤلاء النسوة، اللائي كن حكيمات، وحاكمات، وعشن طبيبات للجسد، ومطربات للروح، وعُرفن كعالمات وموسيقيات، وعملن كسفيرات وكاتبات، ومنهن بالطبع شاعرات وفنانات؛ ويقال إن “أبوي” وتعني الست الحرة، فقد اهتديا إلى هذا الاسم تيمنا بملكة غرناطة الذائعة الصيت.

وهذا ما تقدمه لنا الشاعرة المغربية المرموقة في صالونها الثقافي جنان أركَانة، مواصلة سيرة المغربيات الأيقونات، انطلاقا من روما إلى العالم، تستضيف في اللغات وأساطينها، والثقافات ورموزها، والحضارات وأبناءها، وكان من حسن طالعي أن تخصص لكتابي (قافلة حكايات مغربية) أمسية مشتركة، بين ثلاثة فرسان : المصورة الفوتوغرافية الإيطالية الأستاذة مارسيا مارينو (فاطمة)  والشاعر والموسيقي والمخرج الإيطالي سلفاتوري نابا وصاحب هذه السطور، في بث استمر ثلاث ساعات، في عصرونية بتوقيت مصر وإيطاليا، في بث حي ومباشر عبر تطبيق زووم وعلى صفحة الصالون في فيسبوك، هادفا إلى نسج المزيد من البُسط الثقافية بين شمال وشرق وجنوب المتوسط.

 واستهللت مشاركتي التي استغرقت الساعة الأولى من العصرونية بقراءة اهداء الكتاب إلى : حَفَدَةِ ابن بطوطة، بقولي: “أشعرتني خطواتي في المملكة المغربية أنني برفقة خيط من الحرير يغزل صورا في بساط ريح تحلق أطرافه على شواطيء البحر وعند أقدام المحيط وفي قلب الصحراء وأعلى قمم الجبال،  وكأنني في درب عجائبي يسمح للأسطورة والتاريخ أن يتآلفا ويستأنسا الحياة معا.

الرحلات التي يتضمنها هذا الكتاب ثمرة سفرات دامت أسابيع على مدار سنوات، تبدأ بالاستعداد للسفر، وتُستهل بأشهر مدنها كازابلانكا؛ الدار البيضاء، وتحيا بالتنقل برا بين شمالها وجنوبها، في وثبات يخفق القلب معها حين يسطر القلم ما يراه، حيا يستذكر التاريخ، وحاضرا يستشرف المستقبل.

رحلاتي في بلد أبي الرحالة العرب جميعا؛ ابن بطوطة، أقدمها مع باقة محبة إلى ذكرى الجد الأكبر لهذا الأدب العربي الفريد؛ أدب الرحلة، مثلما أهديها إلى حفدته، الذين وجدت عندهم صدرا رحبا أورثهم إياه الرجل الذي اتسع صدره للعالم، وأخص بالذكر محقق رحلاته العلامة الأكبر الدكتور عبد الهادي التازي.

كما أنها باقة ورد أضعها عند عتبة بلد جميل، تدعم جسر المحبة بين المشارقة والمغاربة، وهو الجسر الذي نعتمد عليه ليكون رسالة تواصل بين التواريخ والأجيال والمستقبل المشترك.”

وفي سؤال عن اختيار أدب الرحلة قلت إن هذا الأدب يمنح الكاتب كل فنون الأدب والفن، ففيه العمارة والرسم والسرد والشعر، على حد سواء، وأننا في السفر لا نكتشف الأماكن وحسب وإنما نعيد اكتشاف ذواتنا، والرحلة سفر إلى الخارج، لكنها بالمثل سفر إلى الداخل أيضا، داخل الإنسان نفسه.

وسرني أن الموسيقي والشاعر والرحالة الإيطالي سلفاتوري نابا – الذي خصصت له الالمساحة الزمنية التالية – يشاطرني الرأي حول الرحلة وما تكتشف للرحالة، وهو الذي قال إن رحلاته الكثيرة إلى أوربا لم تقدم له اختلافا ؛ فهي امتداد لثقافته الإيطالية الأوربية، وإنما جاء الاختلاف والجديد في رحلته إلى جنوب المتوسط، وخاصة في المملكة المغربية، التي عرض لنا موجزا موسيقيا بديعا لها، بمقطوعة ألفها خصيصا من وحي رحلتين مطولتين إلى مدن مغربية.

وكان من البديع أن نختتم العصرونية (التي تحولت إلى أمسية تخللها الإفطار في القاهرة) بألبومات مصورة للفنانة الفوتوغرافية الإيطالية مارسيا عاشقة المغرب، والتي أطلقت على نفسها الاسم النسوي الأشهر بالمملكة (فاطمة)، واهتمت بشكل خاص بالعمارة وهو ما وجد عندي اهتماما كبيرا، فقد زرنا المكان نفسه، كتبته بعدستها، وصورته بكلماتي. مثل زيارتها إلى القصبات في ورزازات وخارجها .

أكتب عن الكلاوي وقصبته؛ فالنوافذ ثلاث ـ في غرفة الحرملك لأن النساء بها كن ثلاثا ـ والأبواب منخفضة للحفاظ على حرارة الغرف معتدلة، سواء في قيظ الصيف أو برد الشتاء، والنوافذ تقترب من الأرض في غرفة الطعام، لأن الرجال اعتادوا الجلوس على الأرض لتناول الوجبات والمشاهدة الحية، ودرجات السلالم عالية، لأن الكلاوي ورجاله كانوا طوال القامة، وقواعد النوافذ الحجرية مثقوبة حتى أدنى البناء لتأتي بالهواء حين تغلق النوافذ الخشبية عندما تهب الرياح الرملية على “ورزازات”، وما كان أكثرها، فهي مكيفات هواء ابتكرتها عمارة القصبات، وشرفة الكلاوي في مقدمة القصبة ليراقب القوافل وهي تمر، فلا يغيب عن إدراكه شيء، حين يأمر بجبي الرسوم وتأمين القوافل. والنقوش الجصية تمثل آيات قرآنية وأدعية لأن الإسلام حرم الرسوم، “وهي في قصبة تاوريرت موقعة باسم الخطاط محمد بن الجيلاني المراكشي”، وبئر الضوء يقع في وسط المبنى، لأنه يعد وسيطا مثاليا لنقل الرسائل، إنه هاتف “ورزازات” الذي تنتقل عبره الرسائل الصوتية على ارتفاع البناء كله، وتتوزع الكوات في أركان الغرف لتضيء حين تسرج القناديل فضاء المكان كله … سيضاء فنرى نتأمل كيف يترك بعض السياح أسماءهم على الجدران!

شكر لكل الحضور الكرام

وقد اعتدنا ألا يكون عرض اللوحة مصمتا، إذ كانت السيدة دليلة تقدم تعقيبات وشروحات تاريخية لها دلالتها، تنقلنا مع الصور إلى المغرب الشارح والمشروح، أما مارسيا مارينو، فقد أمسكت الضوء في كل صورة توزعه كمايسترو يبين قوة العمارة وعمق الصورة وثراء المحتوى.

وكان من الطريف أن أسأل عن سر البداية بورزازات، فأجبت بما ورد في الكتاب: يشي أول اسم تقرأه عند عبورك بوابة   “وَرْزَازَات ” بما سيلي من مشاهد وحكايات: مدرسة ابن خلدون! كأنك ستعبر الزمن الذي جاءت بك منه الطائرة، بعد أن تتركه على مشارف المدينة، لتلج زمنا آخر، وثقافة مغايرة مع اسم عالم الاجتماع الخالد، الحي في شرايين المدن العربية وساكنيها وحضارتها.

هنالك ستفسر العمران وما قبله، وأنت تطوي الأرض في قافلة حكايات مغربية تحملك إليها “ورزازات”، إنها الواحة، والمدينة، والقرية، والكتاب المفتوح الذي خص صفحة منه للحكايات، وأخرى للأساطير. وما بين الحكاية والأسطورة دروب جغرافية وتاريخية طويلة افترشتها القصبات والأمنيات في قلب الصحراء.

جبالٌ ووديان، سيلٌ يحمل الطمي والخصب، وشمس تجاهد السحبَ الداكناتِ، هكذا تبدأ رحلتنا بُعيدَ “ورزازات” بعبور سد المنصور الذهبي. الصور نفسها تتناسخ مرة بعد أخرى .. جبال ووديان، سيلٌ وشمس. نمر بمجموعات من البدو، فيقول دليل الرحلة شارحًا: بعد أن ينتهي الشتاء يبدأ الرُّحَّل في الاحتفاءِ بالربيع، والخروج من مكامن البرد، تتحرك قبلهم وبعدهم قطعان الغنم وقوافل الإبل.

كانت وجهتنا إلى قلب الصحراء، ونحن فيها. العَقدُ المكتوب الذي وَقعناه ـ أنا وزميلي ـ مع الجَلالي مصطفى ـ الدليل الذي يفتخر لانتمائه إلى أولاد جَلال “بتشديد اللام الأولى” ـ يرسم خط الرحلة كالتالي: سنغادر “ورزازات” إلى أولاد إدريس، عبر وادي درعة، ومنطقة الواحة، مرورًا بزاكورة وخَزَانة تمْكروت “تمجروت نطقا”، والعرق اليهودي ـ وهو بحر الرمال الخادع، والاسم على مسمى!

نخرج من الطرق المستوية، فيبدأ الصعود إلى الجبال المحيطة والخوف من السقوط المحيق. لحظات وتبدأ الانحدارات، والمنحنيات التي لا نبصر فيها نهاية الطريق الصاعدة. تذكرت أنني اخترت هذه الطريق عوضا عن طريق “ورزازات ـ مراكش” الخطرة التي حذرني منها أصدقاءٌ في الدار البيضاء. هذا التحذير جعلني أختار ما اعتقدت أنه أيسر، ولو علمت الغيب لاخترت الواقع.”

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات