الشاعر مارون أبو شقرا … أخذته القصيدة

06:55 صباحًا الجمعة 28 مايو 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

سؤال الشعر والحياة لولبي بلوري بارق في قصيدة الشاعر الصديق مارون ابو شقرا .
دعوته للجواب على صياح الشعر،فصاح الشاعر وغرد وأطربني ،وأرداني مصغياً ، فأسهب قائلاً :
لأنّ الشعر متنفّس، أخذتني الحياة إليه. لأنّه الضوء يوم الفضاء ظلمة وظلم وظلام، وهو النسيم والمحيط حرّ ورمل وشوك قيظ، لأنّه الدفء والبيت والانتماء فيما المكان فراغ وغربة، لأنّه حقيقي وما عداه زيف وزور وكذب، هو القادر أن يبسط عدلاً حيث السواد معتِم عينُه مغمَضة وأذنُه في غياب وقلبه يضخّ ولا ينبض، يعمل ولا يخفق، يشتغل ولا يحتضن، كأن الشرايين السود حبال سياسة، والرئات جيوب..

رسالة بيروت – إسماعيل فقيه


أخذني الشعر إليه بقدر ما أخذتني إليه الدروب… يومها في أيام الحرب، كل الدروب كانت مقفلة، والسالك منها وعر ضيّق صعب… كصبّ ينتظر حبيبة سعيتُ إليه، بنهم أقبلت، حسبي من الملذّات كتاب يزرع في بالي ورودًا وموسيقى تورّطني أكثر في عالم الجمال… الشعر احتفاليتي وقدّاسي وانتظاري، هو صلتي وتواصلي ونافذتي في وحدتي، منه أطلّ على كل ما هو جميل وكلّ ذي معنى وذي قيمة… يشبه الشعر فعل التَمَرْيُُم… فالشعر جنين يكبر في رحم البال؛ ومن دواخلنا يولدُ المنتظَرُ الهادي، كسراج يحمل النور الذي بدونه لا ترى السراج مصدر النور…
الشعر هو الأريج الذي يشيل بك، والقصيدة هي الزهرة التي تحتضن الأريج… هو العبير فيما هي اللون والشكل والملمس، والشاعر العظيم هو ذاك المرهف الذي يستطيع ابتكار هذه الزهرة العجائبية غير المصطنعة وغير المهجّنة، ذات العبير الفريد والملمس الجديد. أحاول البحث في أعماقي عن هذه الزهرة، واذا وفّقت مرّة، أكون اهتديت إلى واحدة، لأعود وأبحث عن هداية أخرى…

وككلّ الناس أعثر مرّة وأتعثّر مرّات… من بين اللوحات العظيمة التي أحبّ، لوحة نرسيس لسالفادور دالي، في خلفية المشهد الذي يصوّر فيه نرسيس الأسطورة مقابل نرسيس الواقع، وزهرة النرجس الخارجة من بيضة الحياة، في تلك الخلفية رسم دالي رقعة شطرنج، كأنها الحياة بأبيضها وأسودها وتناقضاتها، بحلوها ومرّها، وقمحها وزؤانها… ورغم أنّي لست ندّابًا، لكنني ألاحظ أن مساحة الشوك في عمرنا فاقت المعقول بكثير… أعرف أنّ الطبيعة أعدّت للتعب مكانًا أوسع ممّا هو للراحة، وأعلم أن النحلة تطير خمسة كلم لتجني حجم نقير أو رأس دبّوس، وأعرف أن أمّي تطهو أربع ساعات لأشبع بعشر دقائق، وأن شوق الحبيبة يمتدّ شهرًا ربّما لترويه لحظات متعة، وأن القصيدة تُقرأ في دقائق وتُكتبُ في أيام…


وحده الحبّ مصدر فرح، العطاء حبّ، الخير حبّ، الجمال حبّ، الطيبة، النخوة، والوطنية، الإيثار، التواضع، كلّها فضائل تنبع من حبّ…
كم يشبهُ الحبُّ الفنَّ، في الفنّ يتوحّد الشكل والمضمون فينتج عنهما هذا “الجمال الذي سيخلص العالم” بحسب دوستويفسكي، في الفنّ روح وجسد متحدّان غير منفصلين، جميل في أقنومين.. في الحبّ يتوحّد كلّك بكلّ الحبيبة، روحك وجسدك واحد أصلاً، وروحها وجسدها واحد، ليتحّد الكلّ مع الكلّ فيصيران كائنًا واحدًا…
عندي أن الجسد غير منفصل عن الروح، وأنّ الروح لا حول لها خارج الجسد (حتى إشعار الآخرة)، تشاركنا روحنا كل أنشطتنا، لكنني أرى أن الحبّ ميدان أو مرج أو حديقة يتمكّن الإنسان أثناء إشراك روحه في حركة حياته من تلمّس هذه المشاركة والتمتّع بعطاياها… شرط السعادة في الحبّ هو الإسعاد وإنشاء الفرح، وإلا تناقصت وتراجعت إلى مستوى اللذّة فقط…


الجمال هو القيمة التي تحتوي الخير والحق، الثالوث المحيي، والذي بدونه لن تستطيع البشرية إنقاذ نفسها، يخلُصُ الإنسان بهذه القيم الثلاث، إن أصبحت هي الحاضنة والموجّهة للأنظمة والدول والأفراد والجماعات. في مجتمع القيم تتغيّر المفاهيم وتنقلب رأسًا على عقب… في مجتمع القيم تفعل الخير حبًّا بالخير والجمال لا بعقلية الصدقة التي سيجازيك الإله يومًا إن أنت تصدّقت بها. في مجتمع القيم السرقة مرفوضة لا بوصفها جريمة تستحق العقاب القانوني أو الإلهي، لكنها ممقوتة بذاتها، كونها فعل مكروه شنيع قبيح، في المجتمع الجميل هذا يتحقّق العدل بمجرّد انتفاء الشراهة والأنانية والجريمة والخبث والمكر والنفاق والبشاعة… عوض أن يكون العقل الذي امتاز به الإنسان عن سائر الكائنات دليلاً للخير والجمال، تحوّل إلى آلة للخراب. ورغم قناعتي المطلقة أن واجب الإنسان العاقل هو مزاملة الخالق باستكمال الخلق، أتساءل باستمرار: تُرى من شوّه الكوكب ودمّر الطبيعة وصحّرها ولوّث البيئة فاستفقنا على “الأرض اليباب”…
نعم بإمكان المستقوي أن يكون أجمل وأنقى وأكثر عدلاً ورحمة… ثقافة الامتلاك والاستحواذ والاستقواء والاستغلال والاستعباد ستقضي على كل شيء…. في الناس من هم أجمل من الجمال ومن هم أطهر من النقاء، من الناس خرج فنانون ومفكّرون ومصلحون وكتاب وشعراء ومعماريون وعلماء وأطباء وشهداء…
في الناس نساء ورجال باستطاعتهم أن يغلبوا البشاعة، فإذا استمرّ الشرّ بقيادة العالم فإنّ الكوكب مهدّد برمّته…

في ديواني رقصه عَ باب الضوّ ، قصيدة بعنوان “كولوسيوم”:
هَيك الدني، كولوسيوم ما بْينمَحى،
حيطان عالي.. دْراج.. حكام وعبيد…
يتقاتلو ، يسنّو عَ دمّاتن حديد..
وتجّار تقبض كلّما نَوْفَر وريد…
اللعبِِه تحت، مطرح مَ هيي مْسَطّحَه،
والفوق عَمْ بيزقّفو للمدبَحَه !!!!
لن يسلم أحدٌ إذا بقيت الأرض كلّها ملعبًا للدم كذاك الكولوسيوم…

شكرًا استاذ اسمعيل
وشكرًا لقرائك الأحبّاء

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات