الفنانة ريم كيلاني تستحضر وتوثق وتنشد ذاكرة فلسطين الموسيقية: لا أريد أن أموت من أجل فلسطين، بل أريد أحيا من أجل فلسطين

07:02 صباحًا الثلاثاء 1 يونيو 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

أبلغتني بأنها ستحضر الى لبنان ، وأن موعد قدومها من لندن الى بيروت سيكون في نهاية شهر نيسان. وفي التاريخ المحدد، ذهبت الى المطار لأستقبلها، ولكنها لم تحضر. ورجعت خائباً الى بيتي. الّا أن خبراً عاجلني ، اتصلت بي واعتذرت، شارحةً السبب القاهر .

رسالة بيروت – إسماعيل فقيه


ـــ الفنانة الفلسطينية ريم كيلاني
فنانة من جيل الأمل والحياة ، تعرف كيف تحمل الصوت في حنجرتها ويدها، نجحت في تحقيق غاية الذاكرة الفلسطينية. انها المبدعة الفنانة الفلسطينية ريم كيلاني. التي قالت بالموسيقى السلام والجمال.
ريم الكيلاني، مغنية وموسيقية ومذيعة، ولدت في بريطانيا ـــ مانشستر، لأبوين فلسطينيين .الأم من مدينة الناصرة والأب من مدينة جنين. بدايتها ونشأتها كانت في الكويت ،وتقيم حالياً في لندن.
الظهور الأول لريم الكيلاني كمغنية أمام الجمهور كان في الرابعة من عمرها ، وكانت متأثرةً بصوت السيدة فيروز وبموسيقى الجاز التي تحضر في حنايا صوتها.
في بداياتها ، تعلمت العزف على البيانو على يد معلمة هولندية، ومن ثم تلت القرآن ، و كذلك غنت أهم الأعمال لكبار في الموسيقى والفن، وهي في عمر سبع سنوات ،وأدهشت كل من سمعها .


تفجر شعورها واستيقظ باكراً ،تلمست جيداً ،بعمر(13) سنة أنها تنتمي إلى شعب فلسطين المهجر المطرود من أرضه وحقه ووطنه. تلمست كيلاني هويتها الفلسطينية وهي في الثالثة عشرة خلال زيارتها السنوية للعائلة في الناصرة ، وأكثر ما لفت حنينها ، حين شهدت عرساً فلسطينياً تقليدياً هناك. وشعرت بالفخر حين رأت النساء يرقصن وكيف تتحرك تقاليد شعبها ومجتمعها . وكانت تلك اللحظة بمثابة اشارة الإنطلاقة نحو الموسيقى والثقافة : “وفكرت جلياً بهذه الموسيقى، وهذه الطقوس. هذه هي ثقافتنا. نحن هنا، نحن موجودون على الخارطة، الحياة لنا ومعنا ولا بد أن نعيشها”. ومنذ تلك اللحظة تبلورت لديها اللحظة والفكرة وبأنها ستكون موسيقية ،وستدرس كل هذه التقاليد والطقوس والفن. وكان لها الزمن والموهبة.


تهتم ريم بالغناء بالعربية أكثر ، وترى أن الحس بالموسيقى أو الغناء العربي ، يشكل تماسكا في الذائقة الفنية أكثر مما في الموسيقى الأوروبية. “فالغناء العربي لا يستخدم إلا القليل من الرنين، حيث يغني المرء من جسده مباشرة، كما لو أنه يقول ويقلب باطنه إلى الخارج، وهذا ما يؤجج كل محاولة لإظهار المعاناة وتسليط الضوء على الفرح، بشكل لافت ومنجز”.
دراسة ريم كانت في الكويت ،(بيولوجيا السواحل البحرية ) ، وذلك نزولاً عند رغبة الأبوين. وترى أن دراستها كانت مفيدة جدا ، ذلك أنها تمكنت من البحث في الموسيقى العالمية والأغاني التقليدية الفلسطينية ،وتجري مقابلات مع الأمهات في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
والأهم أن ريم لم تتخذ قرارها النهائي لصالح الموسيقى إلا بعد حرب الخليج عام 1990/1991 وهي تحضر للدكتوراه في إنكلترا ، فبقيت خمسة أشهر لا تعرف شيئاً عن عائلتها المقيمة في الكويت، وأصبح واضحاً لديها أن الحياة أقصر من أن نضيّعها في متاهات الزمن.فعادت إلى دراسة الغناء وظهرت في حفلات عامة كثيرة، وكذلك كانت تدرس في الحلقات الدراسية الموسيقى العربية للأطفال والراشدين في المتحف البريطاني. وفي هذه الأثناء لمست المعنى الأهم بالكشف عن هويتها الفلسطينية.


كتبت لإذاعة البي بي سي موضوعات ساخرة من منظور المهاجرات. سافرت عام 1996 إلى لبنان لدراسة الموسيقى الفلسطينية التقليدية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين( التي لازالت تغنّى من قبل النساء).وجمعت مادة غزيرة من الأغاني القديمة، ضمت قسماً منها في حلقاتها الدراسية عن الموسيقى وبدأت مشروعها الموسيقي.
قامت بتأليف موسيقى لأفلام عديدة ، منها فيلم وثائقي صورته المخرجة الأفريقية الجنوبية جيني مورغان عن القتال حول معسكر جنين الفلسطيني في النصف الأول من عام 2002. وفي عام 2005 أطلقت ألبومها الأول (الغزلان النافرة ـــ أغان فلسطينية من الوطن والشتات).
ـــ لا يمكن للفن الموسيقي الا أن يأخذ مجراه في واقعه ــ
تتحدثت ريم الكيلاني عن الفن والموسيقى والغناء بلغة الواثقة المحترفة ، وتقول :” لا يمكن للفن الموسيقي الا أن يأخذ مجراه في الواقع الذي يعيشه. الموسيقى هي الوعي الأكبر الذي يمكن من خلاله تحقيق الرؤيا.”
وعن الفن الموسيقي، و الفرق بين الموسيقى الغربية والعربية، كونها تعيش في الغرب وتبحث في الموسيقى التراثية الشرقية ، قالت:
” ربما لا فروقات بين الموسيقى الغربية والشرقية ، ربما غير موجودة ما دامت الموسيقى تستطيع التعبير عن اللغة والروح. فإذا راقبنا جيداً سنرى أن أغلب النوتات الموجودة في الموسيقى العربية يمكن أن تظهر بالصوت البشري، وهناك آلات غربية تصدر نوتات شرقية، كالكمان والكونترباص عندما يعزف عليه بالأصابع مثلاً، وإن وجدت فروق كما يعتقد البعض فهي حتماً أصغر مما تبدو عليه… في المهجر وجدت أن الآلات الغربية مفروضة عليّ، ففكرت لماذا لا أستفيد منها وأصنع تجربة موسيقية ناتجة عن الغربة، مستفيدةً من ميلي تجاه الجاز، وبهذا حاولت أن تكون الموسيقى التي أعمل من دون فروقات. وهي بالأصل موسيقى تندمج فيها أنواع وقدرات موسيقية غنية“.
تعترف ريم أن “الغربة علمتني وكانت سنوات التكوين بالنسبة لي وقد خدمتني بالفعل، إذ أن لي في كل بلد صحبة، علينا التعامل مع الغربة والمهجر كنقاط قوة، وأنا شخصياً عالجت الغربة بالغربة، والدليل على ذلك حفلاتي في دمشق فقد جاء العديد من أصدقائي السوريين الذين نشأت معهم سواء في الكويت أو في انكلترا، والعديد من أناس أمتد معهم إلى نفس العائلة من جهة الأم والأب، هذه الوحدة مازالت موجودة وعلينا دائماً الشعور بها والتمسك بها وتفعيلها أكثر،وهذا أمر ممكن جدا،غير مستحيل“.


كيف تتعامل ريم مع عروبتها في الغرب ، مع انتمائها الأصل ؟ سؤال له جواب في ثقافة ريم وتقول فيه
هذه نقطة حساسة جداً ، ويمكن تقديم صورة عن الواقع الذي أعيشه . وأذكر أن الفرقة التي أتت معي الى سوريا من بريطانيا فوجئت بجو الفرقة السورية وبهذا الاندماج بين الإسلام والمسيحية، حتى أن الجمهور كان من المحجبات والسافرات معاً، واكتشفوا أن نظرة الغرب للعرب نظرة أحادية، بينما في سوريا يوجد التنوع، وفي الموسيقى أيضاً إذ أنهم فوجئوا بمعرفة الشباب السوري للجاز وأنواعه، واكتشفوا فعلاً أننا نحن العرب نعرف عن العالم الغربي أكثر مما يعرفونه عنا “.
تبقى الهوية الفلسطينية هي الأساس والأصل الموجودة والحاضرة بثقة مع ريم الكيلاني ، لذلك تحاور وتغني وتطرح رسالتها الفنية بكل ثقة، وتقول : “كوني أعيش وأعمل في الغرب أرى أن المشكلة في الغرب في كيفية تقبلي كفنانة من بيئة وثقافة مختلفة، ولكن هذا لا يهم . بل السؤال هنا ،أين أنت أو من أنت ؟بل المشكلة من أين أنت !”.

متميزة في وعيها الفني والثقافي ، ترفض ريم أن تكون ضحية :” أرفض أن أكون ضحية، وأن أعبر عن نفسي كفلسطينية ضحية ما جرى ويجري أرفض أن أموت من أجل فلسطين بل أريد أن أحيا من أجل فلسطين. وبهذا تتعمق قناعتي أكثر بأن العدو قد ظلمني وأذاني وأخطأ في حقي وحق شعبي وأرضي… النبات، الحيوان، الموسيقى، الألوان هي الهوية الفلسطينية بالنسبة لي وليس العلم والحجارة والأم الثكلى والمفجوعة .ولذلك أحرص دوماً في التعبير عن هذه الأشياء الهامة والمبدئية . وقد عبّرت عنها بأعمال كثيرة “.
وعن الفن وأعمالها وترتيب أولوياتها الفنية الموسيقية الغنائية ، تقول ريم :”ترتيب الأغاني في الألبوم مثل حبات وحصوص “المسبحة”، انها متسلسلة ومنتظمة. وكذلك يمكن أن تظهر للسمع والبصر كقصة تروي وتقول كل البواطن … أعمالي تظهر بالتجميع ويمكن سماع الأغاني منفصلة، وقد أخذ مني هذا الفعل أكثر من عشرين سنة عمل وكان تحدياً لأن العمل على الذاكرة الجماعية، أصعب من التلحين، النوتات محدودة وتشكل نمطاً غنائياً. وتحويل العمل التراثي إلى أغنية بحاجة للعمل على إعداد الكلمات وتوزيع الآلات وتجميع كلمات لتشكل أغنية، ومن نفس الأغنية التراثية هناك أكثر من أغنية، فتركيز العمل كان على كسر البنية من خلال التراث والتنويع“.
عملت ريم خلال العقدين الأخيرين على أعمال موسيقية وغنائية محددة ، أوصلتها الى معادلة جديدة في مسيرتها الفنية. ثم انتقلت للعمل على مشروع آخر، وهو مشروع السيد درويش ،”المشروع القادم عن سيد درويش لأنه صاحب عقلية متفتحة منذ القرن الماضي… والآن عملي في هذه المرحلة هو توثيقي وبحثي من خلال تجميع وثائق وكتب من أجل بداية مرحلة العمل الميداني، ومن ثم الجانب الموسيقي والفني وصولاً إلى إعداد الأغاني“.
تسأل وتجيب ريم :” نقطة مهمة جداً يسألني الجميع عنها. ما معنى إعداد موسيقي؟ وأجيب إنني أقوم بانتقاء كلمات من مصادر عديدة وأمزج بين الحديث والقديم وكذلك في الموسيقى وهذا ما أسميه بالإعداد. ما أسميه إعادة هيلكة الفكرة ودمجها في توزيع متجدد“.
تراهن ريم على الصوت البشري كثيراً، وتعتبر “إن الصوت البشري والدبكة والتصفيق هي آلات نغمية هامة جداً وضرورية أيضاً في بناء اللحن والموسيقى. فالموهبة تشكل عشرة بالمئة من النجاح والباقي هو الاجتهاد، وان كل دقيقة أخرج فيها إلى الجمهور بحاجة إلى يوم عمل كامل ومع ذلك لا ينتهي العمل هنا بل الحضور على المسرح ومواجهة الناس وتواصل الفنان معهم ومع أصدقائه على الخشبة في كل لحظة هو ما يؤسس فعلاً لعملية فنية متكاملة. الوحدة والتماسك والتواصل والتنسيق بين كل أركان العمل الفني هو أساس نجاح أي عمل“.
لا تغني ريم كيلاني فقط، لا تغني الموسيقى واللحن فقط، بل تذهب الى أبعد حين تغني، تعيش الغناء والموسيقى روحاً وجسداً، تسخر كل قوتها العاطفية ودلالات هذه العاطفة على نحو فعّال وقدير. فهي متماسكة مهما تبدلت أحاسيسها أثناء الغناء، من الهدوء الى الصخب، ومن الحزن الى الفرح، ومن الصمت الى الحركة، تتماسك الفانة وتقدم ما يشد الناظر والمستمع اليها أكثر وأكثر. وهنا تكمن أهمية الفنانة التي تعرف كيف تتماهى مع الحالة والوجدان الممتد من أعماق شعورها وأحاسيسها الى كل الأحاسيس التي تراقبها وتنتظرها بشغف.
غير أنها فنانة حالمة وهادئة جداً، وفي هدوئها وحلمها يكمن الأمل الصاخب، والطنين الذي يدوزن كل خطوة يخطوها صوتها وقلبها وروحها… فنانة لا تكف عن الأمل.

One Response to الفنانة ريم كيلاني تستحضر وتوثق وتنشد ذاكرة فلسطين الموسيقية: لا أريد أن أموت من أجل فلسطين، بل أريد أحيا من أجل فلسطين

  1. الاعلامي الشاعر محمد درويش رد

    5 يونيو, 2021 at 12:34 م

    الفنانة الفلسطينية ريم كيلاني صاحبة الصوت الوطني الانساني لها مكانتها الفنية والوطنية والانسانية معروفة على المستوى الدولي تتمسك بحبها لفلسطين قضية عادلة واساسية اولى في العالم
    ان ما كتبه الشاعر البارز اسماعيل فقيه عنها يدل بكل قوة عن شخصية قوية لها حضورها واثرها الفني في العالم العربي
    انها صوت العدالة في وجه الظلم والتعنت والاضطهاد والعنصرية انهامع الشعب المقهور المظلوم تسهم بصوتها في رفع معدل تأييده من كل حر في العالم .
    .ان فلسطين تفخر بالفنانة الكبيرة ريم كيلاني ابنة البيت الفلسطيني العريق والتاريخ الوطني العميق الجذور يمتد الى ايام ما قبل النكبة الفلسطينية في العام 1948 حتى اليوم
    كل التحايا لهذه القامة الفنية الكبيرة اينما وجدت
    ونأمل ان نراها تغني لكل العالم في لبنان وغيره بصوت مرتفع
    تحيا فلسطين …

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات