جبور الدويهي .. يروي ما يريد أن يرى

08:51 صباحًا الأحد 20 يونيو 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

يروي جبور الدويهي ما يريد أن يرى و ليس ما يراه. يكتب ويروي ويقص، يحاول أن يدخل الى بيت الكلام،بخطوة هادئة، ثم خطوات متتالية سريعة، غير متسرعة. وبذلك يخوض شروط الكتابة الوافية. وقد أخذته الكتابة الروائية الى (حي الأميركان)، وهناك جلس وبدأ بناء عمارته الأدبية الروائية، فماذا يقول عن تجربته وعن تعبه أثناء وقبل وبعد هذا البناء الأدبي؟

رسالة بيروت – إسماعيل فقيه


ــ جبور الدويهي الراوي الذي يروي ما رأى ،أو يروي ما يريد أن يرى؟
ـــــــ بالطبع نروي ما نريد ان نراه وليس ما نراه وهذا الخيار وطبيعته بين تفاصيل الأشياء والأحداث هو ما يحدد حساسيتنا وما يطلق عليه ادبياً اسم اسلوبنا. فأنا كغيري أروي ما يستفزني، ما يدخل في خارطة أحاسيسي والمحصلة هي هذا التلاقي المحتمل مع القارئ وذائقته ومشاعره. فعالم رواياتي هو عالم رغباتي وخيالاتي وبهذا المعنى حتى الرواية الواقعية نتاج ذاتي وهذا ما اختزله غوستاف فلوبير من زمن طويل يوم قال عن بطلة روايته: “ايمّا بوفاري هي أنا”.
ــ تروي سيرة من تاريخ، وتدخل بمناخها الزماني والمكاني كأنك تحفر وتنحت، لماذا هذا التركيز أو هذا التخصيص في سياق روايتك؟
ـــــــــ أريد لرواياتي ان تحكي أحوالاً أعرفها عن كثب وأمكنة اختبرت هواءها وشخصيات تكون أليفة بالنسبة لي واعتقد ان “ترسيخ” الرواية في زمان ومكان محددين يكسبها “مصداقية” في لعبة الواقع والخيال الذي تتحرك ضمنهما. الجأ احياناً الى المراجع التاريخية والوثائق واحياناً أخرى كما في رواية “مطر حزيران” أنهل من ذاكرة راكمتها على مرّ السنين حول أحداث عشتها صغيراً وبقيت حاضرة في مرويات الأهل والأتراب بما فيها من تفاصيل ونظرة للآخر وتأويل وإغفال.


ــ “حي الأميركان” عمل روائي أتقنت بلورته،واستخرجت من أمكنته خصوصية لم يكن بمقدور أحد التعرف عليها، ما سر هذه العلاقة مع ذاك (الحي) ، كيف تعرفت عليه؟
ـــــــــــ أدركت مع تصاعد الظاهرة الجهادية انني أعرف عن قرب حيّاً في مدينة طرابلس اللبنانية يلتقي فيه البؤس والبطالة بانتشار بعض النزعات التعبوية الإسلامية، وقد بات هذا التزاوج مشهداً مثيراً لاهتمام الجميع في العالم من إعلام ومسؤولين سياسيين. والواقع اني تلقيت دروسي الابتدائية والثانوية في مدرسة الفرير المجاورة لهذا الحيّ وكنت أتابع أخبار طرابلس التي درّست فيها وأقصدها يومياً. ومع شروعي في كتابة “حيّ الأميركان” اقتربت أكثر من المكان الذي لا يمكن الوصول اليه الا عبر الادراج وتحادثت مع شبان يدورون في فلك الحركات الإسلامية وراقبت يوميات الحياة والنماذج الاجتماعية وقرأت بحثين على الأقل باللغة الفرنسية لميشال سورا ولروجيرز حول الموضوع.


ــ الرواية ربما كانت الأبلغ في تجربتك مقارنة بالقصة التي كتبتها في بداياتك؟
ـــــــــــ تحرشّت بالكتابة السردية في بداية تجربتي من خلال القصص القصيرة (“الموت بين الأهل نعاس”) لكني شعرت ان الرواية تسمح ببناء عالم واسع متكامل فانتقلت بسهولة اليها وأطلقت العنان للعبة بناء الشخصيات وتوزيع الأمكنة ومتابعة مسارات الأحداث في الزمن ولم أرجع الى القصة القصيرة. في الحكايات القصيرة تحدث عملية فراق مع نهاية كل نصّ، سواء في الكتابة أم في القراءة، والكاتب وربما القارئ يميل الى العشرة الطويلة مع الأماكن والشخصيات وعليه يكون الفراق أصعب كما يروى عن ماركيز كيف رأته زوجته يوماً دامع العين ففهمت ان “مئة عان من العزلة” انتهت وتوفيّ الكولونيل أوريليانو بونديا.
ــ لماذا تكتب، هل تؤرشف (روائيا) ، تكتب التاريخ الغائب أو الضائع، لماذا اخترت هذا السبيل في الكتابة؟
ــــــــــــــ ربما بسبب تأثري بالأدب الفرنسي الذي درّسته في الجامعة وتطغى عليه ما سمّي بالرواية الواقعية (فلوبير، ستندال وغيرهم كثر أمثال أميل زولا الذي أقام في جوار مناجم الفحم عندما كان يكتب “جرمينال” التي تتحدث عن حياة العمال ونضالاتهم) فوجدت نفسي أنهل من تاريخ قريب او من وقائع معاصرة تكون لدي القدرة على الإحساس بها عن كثب لأني عايشتها او سمعت أخبارها. وفي جميع رواياتي اعتمد الأمانة التاريخية فأراجع وأبحث وأطلق في الوقت نفسه العنان لمخيلتي في تطوير الشخصيات والأحداث.
ــ نعرفك كاتبا يميل كثيرا الى الكتابة الفرنكوفونية، كيف تزاوج بين اللغتين ، ومتى تشعر أنك ملزم على الكتابة بهذه اللغة أو تلك؟
ــــــــــــــ انا في الواقع مزدوج اللغة فكانت دروسي وتدريسي بالفرنسية واحمل معي لغتي الأم حيث وفقت بأساتذة في مدرسة فرنكوفونية (معهد الاخوة المسيحيين في مدينة طرابلس وهي أقدم مدرسة أجنبية في المدينة) نجحوا بتقريبي من اللغة العربية الأدبية وسحرها وكان أحدهم غالباً ما يوقف دروس القواعد الجافة ليلقي علينا قصيدة لبدر شاكر السياب او للأخطل الصغير. حاولت بداية الكتابة بلغة موليير لكني شعرت بالغربة خصوصاً ان لأمكنتي الروائية وشخصياتي لغتها العربية وهي قريبة أحياناً من العامية كما أشعر بالقدرة على التنويع والابتكار تحديداً بسبب امتلاكي لغة أخرى. يبقى أني ما زلت أكتب بالفرنسية عندما يتعلق الأمر بكتابة “عقلانية” أو نقدية كما أفعل في ملحق “لوريان ليتيرير” الأدبي شهرياً.
ــ ماذا تريد أن تقول من خلال نصك الروائي، أتطلق موقفاً فكريا فلسفيا، أو تطرح الأفكار كمحاولة اعتراضية على تاريخ لم يأخذ حقه في أقلام الكبار من الكتاب؟
ــــــــــــ لا آتي الى الكتابة من فكرة أو تصور ذهني بل عن طريق صورة أو مشهد أو شخص ابني حوله وأكون مأخوذاً بداية بمتعة الكتابة وصناعة الحبكة وتسلسل السرد ورشاقته وتواصل الشخصيات أي كل ما هو صنعة الكتابة الروائية وأسعى لتفادي الرسائل المباشرة التعليمية او التقييمية، فكرية كانت أو سياسية أو فلسفية. بالطبع ان الإطار الذي اختاره لرواياتي ينضح غالباً، كما في كل رواية، بالمعاني والرموز وهي تحكي بحدّ ذاتها واترك للقارئ الخروج، مع متعته، بما يحدس به من معاني أو دروس إن وجدها. أحاول كتابة نص مفتوح قدر الإمكان وأصغي لاحقاً للمراجعات التي تتناول الرواية بأبعادها المختلفة.


ــ الدم والموت الدمار والخراب … عنوان كبير لتاريخ حاضر نعيشه اليوم،بكل أسف، هل لهذا الجحيم دور في تأسيس سياق ثقافي روائي كتابي، وما دور المثقف في التعجيل ببناء مشهد الخلاص، ولو بالكتابة فقط؟
ـــــــــــــ سيكون لما نعيشه من خراب وانقلاب وحروب وثورات ترددات ستدوم لسنوات طويلة في المناخات الروائية العربية ولا يمكن للكاتب المنتمي الى بلدان الشرق الأوسط اليوم أن يخرج من معادلة النزاعات المتعددة الأوجه التي بعاني منها أو على الأقل يشهد عليها. ومن حيث انا اراقب مثلاً الكتابات السورية والعراقية الراهنة فأراها مشبعة بهذا الزلزال وانعكاساته على مصائر الأفراد والجماعات، على الحياة العامة والعلاقات الحميمة. فالنزاع الأهلي و”الهويات القاتلة” طبعت وما تزال غالبية النتاج الروائي اللبناني.
ــ أخبرنا عن الحب في سؤالنا الأخير، علنا نخفف من المأساة التي نقرأ بها كل يوم. أين أنت من الحب، وأين الحب في حياتك وايامك ومدينتك ومحيطك؟
ــــــــــــ لا يمكنني بناء رواية من دون ان تخترقها قصة حبّ، شغف لا أنجح في تفسير او تفكيك دوافعه، يسكن الشخصيات ويغيّر مسارها. من “عين ورده” الى “شريد المنازل” وصولاً الى “طُبع في بيروت” الحبّ في كتبي فعل جوهري والمرأة العاشقة المعشوقة حاضرة بقوة. ففي أول قصة قصيرة كتبتها أي اول نصّ سردي من توقيعي وهو بعنوان “الرجل الذي ذهب يبحث عن الروح” تقع الفتاة بغرام شاب لا يلبث لاسباب غامضة ان يهجرها ويتيه في العالم فتصاب الفتاة بمسّ من الجنون. فالحبّ ليس سهلاً وهو كما جاء في إحدى التشبيهات “صيد على علوّ شاهق”.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات