الفولْكلور اللُّبناني في أعمال الأخوين رحباني |الحلقة الثّالثة

02:37 مساءً الخميس 17 فبراير 2022
مصطفى مصطفى جحا

مصطفى مصطفى جحا

ليسانس العلوم الاجتماعية، جامعة دالارنا السويدية. بالدراسات العليا لإدارة المؤسسات التربوية والتعليمية في جامعة اوبسالا السويدية، يدير مدارس ومعاهد رسمية لتعليم الكبار في السويد.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

(طقوس الأعياد: بيوتْنا اللِّي مشرَّعَةْ للعيدْ)

كاتب المقال

(أ)عيد الميلاد

لا يمكن لـ(فولكلور) أن يجسّد بعيدًا عن تكريس الأعياد في المجتمع. ومن عادات وتقاليد الأعياد، تُعرف الجماعات، وتعرف أحوالها وطرائق تفاعلها بعضها مع بعض.

ولعل من أهم ما أظهره (الأخوان رحباني) وكرّساه: أجواء (عيد الميلاد)، والمشاركة بين أفراد الأسرة الواحدة في اجتماع سنوي تقدّم فيه الهديا للأطفال المنتظرين، من ثياب وألعاب وحلوى، وللكبار أيضًا، وتُطهى الأطعمة الخاصة بالعيد وتُقدّم (حلوى حطب عيد الميلاد: Buche de Noel)، وهي تقليد فرنسي، تشبه حلواهُ جذع شجرة حقيقي أُعِدّ ليكون نارًا “تغفى بحضنْ المَوقَدي”.

[فايق يا هوى: كلمات (الأخوين رحباني)، ولحن (فيلمون وهبي)، وغناء (فيروز)، من مسرحية (الشّخص: 1968)]

وتصنعُ من عجينة اللَّوز أو العجينة الاسفنجية، وتخبَز بالعرض، لا بالطُّول. ويقال إنها منذ عام 1870 أصبحت تقليدًا معروفًا يرافق عيد الميلاد، أضيف إليه الجديد من الحلويات الفرنسية، كالنوغا والسّابليه وغيرها، أو من ثمرة الكستناء المطحونة المخلوطة بالسّكر والزبدة الذائبة والشّوكولا، ويخطَّط سطحُها بالشَّوكة لتبدو كقطعة حطب حقيقيّة صالحة لأن  “تغفى بحضنْ المَوقَدي”!

ومن (ألحانهما) في هذه المناسبة، لا تُنسى كلمات (جوزف حرب) بصوت (فيروز)، التي يصور فيها عائلة فيها أطفال، وعيد الأطفال للأطفال، بما يحمله من انتظار ولادة المسيح.

أما الأجواء التي تثير الفرح، ولو لمرة في السّنة، فهي أن يأتي العيد إلى بيوت الفقراء، لا الأغنياء؛ فأطفال الفقراء أكثر من غيرهم ينتظرون الفرح ويشعرون به.

لماذا؟

لأن هناك ما يحتاج إلى تغيير، ولو لمرة في السَّنة: الثّياب السَّوداء، العتمة، البرد الشّديد، وهناك ما يُنتظَر: ثياب جديدة، قمر معلّقٌ يزيح العتمة، ونار في الموقدة الباردة:

روحْ زوُرهُنْ ببيتهُنْ\ بيتُنْ فقيرْ ما عندُنْ شِي

رُوحْ زوُرهُنْ ببيتهُنْ\ قِلُّنْ خِلِقْ يسوعْ

رُوحْ زوُرهُنْ ببيتهُنْ\ بيتُنْ فقيرْ ما عندُنْ شِي

رُوحْ زوُرهُنْ ببيتهُنْ\ قِلُّنْ خِلِقْ يسوعْ

لَوِّنْ سوادْ تيابهُنْ\ دَهِّبْ لِهُنْ شي نهارْ

علِّقْ قمَرْ عا بوابهُنْ\ في بردْ خدْلُنْ نارْ

رُوحْ زوُرهُنْ ببيتهُنْ\ بيتُنْ فقيرْ ما عندُنْ شِي

رُوحْ زوُرهُنْ ببيتهُنْ\ قِلُّنْ خِلِقْ يسوعْ

عتقِتْ سنينْ عيادْهُنْ\ ما يَوْم لبسُوا جديدْ

وبعدُنْ صغارْ ولادهُنْ\ يا عيدْ زورُنْ يا عيدْ

رُوحْ زوُرهُنْ ببيتهُنْ\ بيتُنْ فقيرْ ما عندُنْ شِي

رُوحْ زوُرهُنْ ببيتهُنْ\ قِلُّنْ خِلِقْ يسوعْ

اللَّيْلِةْ خِلِقْ يسوعْ

وفي أجواء (الميلاد) نفسها، وفي أجواء المقارنة بين الفقر والغِنى، ومشاركة الأغنياء الفقراء تفاصيل العيد، (كتبا ولحّنا)، وغنت (فيروز)، أغنية خطاب مباشر للـ(زغار) القادرين على إحياء العيد، عن (زغارْ) “قرشُهم بعيدْ”. وهنا تُطرَح قضيةُ “الفقر” الذي يؤلم الصِّغار خاصة في هذا العيد، وتدعو “الزّغار” الأغنياء إلى مشاركة أصدقائِهم في العالم من غير القادرين على تزيين شجرة العيد في الوقت الذي يعتقد “الزّغار الأغنياء” أن العيد يحمل للجميع، من دون استثناء: “غنيَّاتْ، لِعَب وزِينَاتْ“. لكن الأجواء الموجعة تُحَل في الأغنية بالرّكوع والصّلاة فالاستجابة الإلهية التي “بكِّتْ الدّني”، فيُزرَع الفرح، وتتزين الشّجرة المعمّرة بجانب بيتهم الفقير بـ”رف عصافير ملوّن” أحلى من أحلى زينة اصطناعية، ولكن هذا لا يعني أن تغفلوا أيها الصّغار الذين تسمعون “خبرية العيد” وتستمتعون بتفاصيل العيد عن مشاركة “زغار الفقراء” أفراحَ العيد، فالعيد مشاركة، والمشاركة عطاء، والعطاء فرحة، والأغنية بعنوان: (بَدِّي خَبِّركُن):
بَدِّي خَبِّركُن قِصَّة زغيرِهْ\زغيرِهْ القِصَّة وإنتو زغارْ

منحكي وبتصيرْ اللَّيلِهْ قصيرِهْ\بكرا إن شاء الله تصيروا كبارْ

 ليلة عيدْ، فرحْ جديدْ\والأطفالْ انوَعَدُوا بالطِّفل السَّعيدْ

غنيَّاتْ، لِعَب وزِينَاتْ\وتتزَيَّن الشَّجْرَة للمِيلادْ السَّعيدْ

وكان في ولادْ نِسْيِت الأعيادْ\نِسْيِت تزُورُن بلَيْلِةِ المِيلادْ

بَيْتُن بعيد والقِرْشْ بعيدْ\وما عِندُن تَـ يزيّنُوا شَجْرِة المِيلادْ

 صاروا يصَلُّوا يركَعُوا يصَلُّوا\يمكن صَلاتُن بَكِّت الدِّني

وكان في برَّا عِندُن شَجْرَة\شَجْرَة عُمرَا شي ميِّة سنِهْ

وفي رَفِّ عصافيرْ ملَوَّنْ حلو كتيرْ\وبَدُّوا يبِيتْ وما بَقَى بَكِّيرْ

غَطِّ بهالشجْرَةْ صارِتْ صَفرا وحَمرا\وطَلُّوا الولادْ وتزيَّنِت الشَّجْرَةْ

وفِرحوا كتير بالزَّينِهْ الـ بتطيرْ\وصاروا يغَنُّوا ويغَنُّوا العصافيرْ

ونِزِل العيدْ عَيَّدْ مَعُهن العيدْ\ومِن عَ بُكرَا سَلَّمُوا وطَارُوا العصافير

 خِبَّرنَاكنْ قِصَّة زغيرِهْ\زغيرِهْ القِصَّهْ وإنتو زغارْ

حكينا وصارِتْ اللّيلهْ قصيرِهْ\وبُكرا إن شاء الله تصيروا كبارْ

وتغني (فيروز) (العيدَ) من كلمات (سعيد عقل) وألحان (الأخوين رحباني): (غنيتُ مكةَ):

غنَّيْتُ مكةَ أهلَها الصِّيدا والعيدُ يملأُ أضلُعي عيدا

فَرِحوا، فلأَلَأ تحتَ كلِّ سما بيتٌ على بيتِ الهُدى زيدا

وتغني (الحجيجَ):

ضجَّ الحجيجُ هناكَ، فاشتبكي بِفَمي هُنا يا وُرْقُ تغريدا

وأعزَّ ربي النَّاسَ كلَّهُمُ بِيضًا، فلا فرَّقْتَ، أو سودا

كما تغني (فيروز) من كلمات وألحان (الأخوين رحباني) (العيد)، (كلَّ عيد)، (أي عيد)، في أغنية: (أيام العيد)، وتبدأ الأغنية بموَّال:

بهالعيدْ بدي قَدِّمْ هديِّهْ\لا دَهَبْ لا ورودْ جورِيِّهْ

طالعْ عَ بالي ضِمّْ زهرا وقلبْ\وقدُّمُنْ للعيْدْ عيديِّهْ

يا عيدْ يا طالِلْ مع الألحانْ\بالخيرْ بزهورْ الهَنا حِليانْ

عَ النَّاسْ كلِّ النّاسْ وَيْن ما كانْ\تشرقْ سعادِهْ وشمسْ مضويِّهْ

وبيوتْنا اللِّي مشرَّعَةْ للعيدْ\فيها الإلفِهْ كل يومْ تزيدْ

تنعادْ ومواسمْ الخيرْ تعيدْ\ع بلادنا بألف غِنيِّهْ.

ثم تبدأ الأغنية:

يا ربي تزيدْ خَيْرَكْ وتعيدْ\عَ الدِّنيي كلّلا أيام العيدْ

هلِّتْ بشايِرْ ماجِتْ حرايِرْ\والطّيرْ الطَّايرْ غنى للعيدْ

وضويي وزيني بسِحرا تغويني\بدو يلاقيني بيوم العيدْ

يا زنبق عالي بخصرو يلالي\ويموج قبالي ويرقص للعيدْ

والجدير ذكره أنه لا تكاد تمر أغنية أو مسرحية أو فيلم من أعمال (الأخوين رحباني) من دون ذِكر للعيد، ففي (الموشَّح الزّجلي) أو ما يُسمّى  بـ (القِرّادي الموشّح)، لأنه بُنْيَته كـ(القِرّادي)، إذ ينظم على تقاطيع وقواف لا يتقيّد النّاظم فيها بقافية، بل بقافيتين في المطلع والأدوار. أما قافية الدّور الأخير، فتعود الى قافية المطلع، وقد غنت (فيروز) العيد في:

يدورْ الدُّوري ويحاكي\يحاكي المنتورْ

المنتورْ اللي ع شباكي\وشبّاكي يدورْ

بعدو الأسمرْ ناطرنا\ناطرنا بعيدْ

بعيدْ وتضوِي قناطِرنا\قناطِرْنا (عيدْ)

تلوَّعْنا وتحسَّرْنا\والشّوق يزيدْ

وبَعَتنا وما قَصَّرْنا\مْحَبّي وزهورْ

وغُنِّي العيد في (دبكة لبنان)، من كلمات وألحان (الأخوين رحباني)، وبصوت (فيروز) سنة 1966، فكانت كما أرادا، فنًّا لبنانيًّا أصيلًا لم يُقلِّد وظلَّ عصيًّا أن يُقلَّد:

وَيْن العيدْ، وينْ عيونْ الدِّباحَهْ

تشيلْ العيدْ وتْرشُّو مَلْوَ السّاحَهْ

ومن بعيدْ طَلُّوا خيولْ الرَّماحَهْ

تزيد تزيد عُمْر صحابْ الحَمِيِّهْ

و(العيد) للصّغارِ، مستيقظين أو نائمين، بل رُبِط بالنّوم والأحلام الجميلة، مستبعَدًا عن السّاهرات والسّاهرين من الكبار، وذلك في أغنية: (سهارْ بعْدْ سهارْ) التي كتبها (عاصي الرّحباني) ولحّنها (محمد عبد الوهاب)، وغنتها (فيروز):

والنَّومْ، مينْ بينامْ غير الولادْ\بيِغْفوا وبيروحوا يلملموا أعيادْ.

ما دام إنَّكْ هَوْنْ\يا حلمْ مَلْوَ الكَوْنْ

شو همّْ ليْل وطارْ\وينقصْ العُمر نهارْ

بسْ اسهارْ.

ولكن مَن يلملم (العْياد)، لا تطول مدةُ أعياده.        

صحيح أن (العيد) والأطفال صنوان، فهم (العيد)، و(العيد) هم، لكنّ تتالي الأعياد تبعدهم، يكبرون، ثم يرحلون إلى حياتهم: “أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة”، قال (جبران خليل جبران)، فغنَّت (فيروز) كلمات (الأخوين رحباني) و(ألحانهما) أغنية: (عمْ يلعبوا الولادْ)، بنبرة حزن، فـ(العيد) فرح، لكنّ الفرح يبتعد سنةً بعد سنة:   

ويا ولادنا اللِّي بتركضوا بالعيدْ

وكلّْ عيدْ بتبعدوا لبعيدْ

ياما بلياليكُنْ، نسهرْ نغطّيكنْ، نفزعْ نوعّيكُنْ

ولما بتوعوا من إيدينا بتهربوا

تَ تلعبوا

(ب)عيد العِزّابي

وثمة أعياد غريبة في أعمال (الأخوين رحباني)، هي ابنة الخيال المبدع الصّاعد إلى الغيوم، ولكن المبقي قدميه على أرض الواقع والعادات والتّقاليد، كـ(عيد العزّابي) في أغنية (إِمِّي نامتْ ع بكيرْ) من كلمات وألحان (الأخوين رحباني)، في مسرحية (بياع الخواتم: 1999)،  إذ تهرب الصّبية (فيروز) لتشهد (العيد) حيث يلتقي الصَّبايا والشَّبَاب النّاوون على الزّواج، ولا شيء غير الزّواج، وإلا، فإن (نواطير التَّلج)، القائمون على فحص نوايا من يريد أن يتسلى من الشّباب، يخبئون عقابًا لمن يحلو له أن يطيل فترة “العزوبية” واللّعب على حبال عواطف الصّبايا:

إمــــــِّي نامِتْ عَ بكيرْ\وسكَّرْ بيي البوَّابــِهْ

وأنا هربْتْ من الشَّبَّاكْ\وجيتْ (لعيدْ) العزَّابِهْ

شبَّاكـــِي بعدو مفتوحْ\والبِردايـــِهْ عمْ بِتْلوحْ

انْ عرفوا بغيابي أهلي\يا دِلِّي وينْ بَدّي روحْ

وينْ بَدي روحْ يا دِلِّي\اِنْ عرفو أهلي بغيابي

(ت)(عيد الوجه الثّاني)

ومن الأعياد الخيالية الفنية التي تحدث عنها (الأخوان رحباني)، (عيد الوجه الثّاني) كما في مسرحية (هالة والملك 1967(، وتكون (فيروز) هي بطلة المسرحية (هالة) التي قُدمت كأول عرض على مسرح البيكاديللي، ثم في مهرجان الأرز، ودمشق عام 1967، إذ تحتفل (مدينة سيلينا) بـ(عيد الوجه الثَّاني) السّنوي الذي يلبس فيه النّاس أقنعتهم،  ويمثلون أدوارًا في سهرة العيد؛ يطلب الملك (نصري شمس الدين) أن يلغى الاحتفال لنبوءة وصلته تقول إن أميرة ترتدي قناعًا ستحضر العيد وستكون عروسًا للملك، فيطلب من الجميع نزع أقنعتهم. وإذ يعتقد الجميع أن (هالة)، بائعة الأقنعة الآتية مع أبيها (هبّ الرِّيح: إيلي شويري) القادمَيْن من ضيعة (درج اللّوز) هي الأميرة المقصودة، فأخذها المقربون من الملك إلى القصر وحاولوا وأباها، تنفيذًا لمصالحهم، أن يقنعوها بزواج الملك الذي تنكَّر بثياب شحاد، فعرف حقيقة رفضها الزّواج منه، وحقيقة أنه محاط بالمخادعين الذين طلبت ألا يحاكمهم، وغادرت المدينة إلى قريتها: عزباء، فقيرة، وغير مخادعة.

(ث)نَطْرَة تكسر فرح العيد

على أن (العيد) لا يكون جميلًا إلا إن كان الأحبة حولَنا، نحتفي به معهم، فالعيد والمحبوب بعيد، ليس عيدًا، بل يثير الأشجان، تمامًا كما غنت (فيروز) من كلمات وألحان (الأخوين رحباني) ” نَطَرْتَك”، وطبعًا: “لم تأتِ”:

ونَطَرْتَكْ على بابي بليلة (العيدْ)

مَرْقوا كل صحابي ووحدَكْ اللِّي بعيدْ

شو نسـيتْ المواعيدْ، وهديِّةْ (العيدْ)

اسألني شو بِني بأول هالسِّنِهْ

والانتظار، أو “النّطرة”، تصبح “احترافًا” في أغنية (أحترف الحزن والانتظار) من كلماتهما وألحانهما،  بصوت (فيروز)، والانتظار، حتى لو صار احترافًا، يُبْعِد كلَّ عيد.

ويرتبط العيد بالحب ارتباطًا وثيقًا، تغني (فيروز) من كلمات (الأخوين رحباني)، وألحان (إلياس رحباني)، فإذا “راحت بنتْ الجيران بليلة عيدْ”، عمّ الحزن، و:

انهدَّتْ الدِّكانْ واتْعَمَّرْ بيْتْ جديدْ\وبعدو حنا السّكرانْ على حيطانْ النِّسيانْ\عم بيصَوِّرْ بنت الجيرانْ”.

ولئلا يُفقَد المحبوب في (العيد)، غنّت (فيروز): (لا تجي اليَوْمْ)، إذ غنَّتْ حزن (العيد)، وقلق (العيد)، وخوف (العيد) من كلمات (الأخوين رحباني)، وألحان (إلياس رحباني)، طالبة من محبوبها أن يأتي إن ناداه الحنين، بعيدًا عن بروتوكولات (العيد) وعجقة (العيد) واحتمال الضّياع في (العيد):

لا تجي اليوم ولا تجي بكرا\خَوْفي لا تضيِّعْني\بالعيدْ وما تقْشَعْني\تعا لمّا بْيِنْدَهْ الحنينْ\موسم النّاسْ المِنْسيّينْ\إنتَ المدى، قبلَكْ ما حدا\وبعدَكْ ما حدا\يا حبيبي ما حدا.

على أن لا أثر لعيد اللِّقاء، فإن مُوطِل باللّقاء حلّت محله الـ”النَّطْرَة”، وانقلب فرح اللّقاء إلى حزن، وحيرة، وغيرة، وتعب.

وقد غنت (فيروز) (ضحِكْ اللَّوْز)، من كلمات وألحان (الأخوين رحباني):

وحدي أنا والحيرِةْ، والتَّعبْ والغنِّيِّةْ\لفحتني نار الغيرِةْ،  والريح الجبليِّةْ.

وصار المنتظِر محترِفَ انتظار، كما في أغنية (فيروز): (أحترفُ الحزنَ والانتظارْ) التي كتبها ولحنها الأخوان رحباني)، و”الاحتراف” اعتياد على “استيطان الفراغ”، وعلى “سُكنى الغياب”، وهو اعتياد أبعد ما يكون عن شعور الفرح:

وها أنا أستوطن الفراغ\شرّدْت عن أهلي مرتين\سكنْتُ في الغياب مرتين\أرضي ببالي وأنا\أحترفُ الحزنَ والانتظار.

(ج)ونَطرَة منها: يحلى عيدْ، يضوّي عيدْ

على أن ثمة “نَطرة” تبعد الحزن، هي “نطرة المحبوب” الذي تتمنى أن ينطرَها، فينال من هدايا ورودها ما ينال، وذلك في أغنية (شتّي يا دنيي)، من كلمات وألحان (الأخوين رحباني)، وغناء (فيروز): والطّلب:
وانطرْني لا تبقى تفلّْ، وتتركني وحدي عمْ طلّْ

جمَّعتلَّكْ حِرْجْ زهورْ، ياسمين ومنتورْ وفِلّْ

زهرة بإيدْ، قلب بإيدْ، يا خوفي لاقيك بعيدْ

وانطرني بحقولْ الرِّيحْ، الدّنيي عناقيدا تلاويحْ

وخبيني بفيِّةْ عينيكْ، جرَّحْني حبَّكْ تجريحْ

قولْ وزيدْ، غني وعيدْ، نزرعْ هالأرضْ مواعيدْ

وكل هذا كي:

“يِحْلى عيدْ، يضوّي عيدْ، نزرعْ ونلمّْ عناقيدْ”.

وحين يأتي المنتظَر، تختفي “النّطرة”، ويشتعل (العيد)، ففي أغنية (من عز النّوم)، من كلمات (الأخوين رحباني) وألحان (فيلمون وهبي)، تغني (فيروز):  

رقصْ وضحكْ وسهريةْ (عيدْ)، وكلّْ صحابي حواليّي

وعم فتّشْ أنا على حبّْ جديدْ، والنَّاس عيونا عليّي

بتطلّْ، بيوقعْ منّي الكاسْ

وحدي اللِّي بشوفَكْ من هالنَّاسْ

من بين الكلّْ بتسرِقْني،

وبتلجْ الماضي بتحرقْني

وحين يأتي “المنتَظَر”، يولَد (عيد)، يصبح العمر عيدًا، كما غنت (فيروز) من كلمات وألحان (زكي ناصيف) أغنية: (ع دروب الهوى):

عَ سنيني أخدني، سنيني صاروا (عيدْ)

أخَدْني ووعدْني بحَلا وعُمْر جديدْ

بِهالعمرْ الهَنِي\سنِهْ ورا سنِهْ

عمّرْ إلي دِني

حليانِهْ

عمّرلي عمايرْ، عَ حفافْ القمرْ

عَلَالي وقناطرْ، عَ مدّْ النَّظَرْ

ولمّا طلّْ القمرْ

سألني شو الخبرْ

قلتلّو يا قمرْ

عشقانِهْ

و“بيخلَقْ عيدْ” عندما يغني النّاس ويفرحون، ففي (مصالحة): كلمات وألحان (الأخوين رحباني)، غناء: (فيروز: حَنِّهْ)، (وديع الصّافي: أبو صالح)، و(نصري شمس الدّين: الشيخ نصري)، ترحّب المجموعة بـ (فيروز: حَنِّهْ)، وتطلب منها أن تغني:

أهلا بحَنِّهْ، وبالمواعيدْ\اقعدي تَ نغني، الفجر بعيدْ\حنِّهْ يا حنِّهْ، اطلبي وتمنّي\بتزهرْ جنِّهْ، وبيخلَقْ عيدْ.

ولـ(لعيد) مكانته الأعلى، فلا (عيد) بلا (قنديل) كما تغني (فيروز) في أغنية: (تدورْ الأرجيلِهْ)، كلمات وألحان (الأخوين رحباني)، غناء: (جوزف ناصيف)، و(فيروز) 1970، تمامًا كما لا (حَقلِهْ) بلا (ناطور):

أنا قنديلْ وإِنت (العِيدْ)

أنا حَقْلِهْ وإِنتَ النَّاطورْ

وارتباطهما وثيق، ففي أوبريت (اللَّيْل والقنديل: 1963) الذي يحكي قصة (فيروز: مَنْتُورَةْ)، وهي الصّبية القروية التي مهمتها حراسة خيمة تباع فيها قناديل يصنعها أهالي الضَّيْعة، ويبيعونها إلى الضِّيَع المجاورة، وهذا هو مصدر رزقهم الوحيد، فتعلّق في زاوية الخيمة ما تبيع في كيس الغلّة حتى نهاية الموسم حين يُقسَم المال بين أهالي الضَّيْعة ضمن احتفال غناء ورقص، يكسر (جوزف عازار: هولو) “المشِرّاني” الذي تصادق وابنَ الضّيْعة (وليم حسواني: خاطر) الموصوف بـ”المشِرّاني، المشكَلْجي، النَّاطِر حدا يدلّو ع المخاطرْ”  قنديل الضّيعة الكبير المعلّق على مفارق الطّرق لتظلّ في عتمتها التي هي أساس عملهما. غير أن القضية تُحلّ بالحب، وذلك عندما يعلّق (هولو) القنديل الكبير ويعود (كيس الغلة)، ويرحل على حسب قول (خاطر):

-علَّقْ قنديل الكبيرْ، ع العالي، ع ضَهْرْ الشّيرْ، قال لي: يا خاطرْ ارجعْ عَ الضَّيْعَهْ وسلملي كتيرْ.

ويكمل (خاطر):

-قالْ لي تَ قول لمَنْتُورَةْ: يا مَنْتُورَةْ غني، هَوْن وضلّي غنّي، بِجوزْ بشي ليلِهْ يمرقْ خيالْ من بعيدْ، يسمعلو غنِّيِّهْ، ويكمِّل دربو لبعيدْ، عَ الأرض المنسيِّهْ، عَ حفافْ الأرض المنسيِّهْ.

وانتظار عودة (بلد العيد): (لبنان) إلى ما كان عليه قبل الحرب، انتظار موجِع وجعَ ابتعاد الصّغار مع كل عيد، ففي أغنية (بحبك يا لبنان) من كلمات وألحان (الأخوين رحباني) ألم استطاع (الأخوان رحباني) التّخفيف عنه إذ قرّباه من وجع الولادة الذي ينتهي بفرح كبير ينسي الأمّ وهي تحتضن وليدها كلّ الألم:

سألوني شو صايرْ ببلدْ (العيدْ)

مزروعَهْ عالدَّايرْ نارْ وبواريدْ

قلتلُّن بلدْنا عمْ يخلقْ جديدْ

لبنانْ الكرامي والشَّعبْ العنيدْ

فرح الولادة إذن: أمل، شمس، معاول، ويعلو صوت الأعياد، فيفرح المظلومون بعودة العيد المحبوس طويلًا في غياهب سجون الحروب، ولكنه يرعِب الظّالمين، سارقي العيد، ومطفئي القناديل، فنتذكر (هولو)، و(خاطر)، ورسائل “الغنِّيَّات” التي لم يكفّ (الأخوان رحباني) عن إرسالها إشادة بالفرح، وإبعادًا عن “اليأس والهموم والحزن وبكاء الأطفال” كما ورد في أغنية (بدنا نكمِّل) التي كتب كلماتها ولحنها (الأخوان رحباني)، وغنتها (فيروز):

لما ودّعتوا اليأسْ ولَفَحِتكُن ريح الشَّمسْ

ورجعِتْ إيدَيكُن تبني وتعمّرْ

صَوتْ (عيادكُن) خزَّقْ سَمعهُن

فرَح معاولْكُن بالأرض بشَّرهُن بِهَدم براجُن

نعم، قدّم (الأخوان رحباني) الأعياد الحقيقية والخيالية (فولكورًا) لا يُنسى، وكيف يُنسى وهو مشغول بالكلمة واللّحن، ومُهدًى “للنّاس، كلّ النّاسْ، وَيْن ما كانْ، وللعيد عيديِّهْ”.

مصطفى مصطفى جحا

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات