سرّ الحلازين وعلب الألوان

02:12 مساءً الخميس 16 فبراير 2023
مدونات

مدونات

مساهمات وكتابات المدونين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

 كلّما تتاح  لي الفرصة ، أجلس  إلى طاولة في حديقة منزلنا   أضع عليها علب الألوان وأوراق التّصوير،لأنّني شغوف( ة) بالرّسم..وصادف ذات مرّة   أنّني نسيت  أدوات  علب الألوان فوق  الطّاولة ولم أجمعها  ، وحين وقع عليها بصري تفاجأت  لقد صارت معتَصَرة و قد أُخرج منها سائل  الصِّبغ (الصِّبْغ مادة مُلَوِّنَة )، وصارت فارغة .وهذا  المشهد أثار حيْرتي وتساءلت وقلت :”من يا ترى  عبث بتلك العلب  ؟ لا أحد غيري  في المنزل  ولا أظنّ أن تكون أمّي أو أبي من صنع ذلك؟ العلب جديدة وتركتها وهي مملوءة بالأصباغ . ولكي يهدأ بالي  سألت أمّي وأبي  ولكن ،مثلما توقّعت ، لا علم لهما بالأمر  كما أنّهما  تفاجآ هما أيضا لما حدث  . فاشتدّت حيرتي ،و تساءلت :”.متى حدث هذا؟ وكيف ؟ و لماذا ؟”

   في ذات اليوم (يومها) تعمّدت  أن لا أجمع علب الألوان  الفارغة  بل  وضعت بجانبها علبا أخرى  جديدة وإناء به ماء وتخبّأت بين شجرات الحديقة أرقب المكان من بعيد لعلّي أعرف من  عبث بألواني . 

ولم يطل بي الانتظار، ويا للمفاجأة ، ماذا أرى  ، أفرك عينيّ كي أصدّق ما أراه  إنّي لا أكاد أصدّق   : إنّه قطيع من الحلازين  تتسلّق سيقان الطّاولة  وعندما  تستقرّ فوق الطّاولة  تغطس في ذلك  الإناء المملوء ماء   وتخرج منه زاحفة  ثمّ تراها تتمرّغ  فوق الأصباغ وبعدها  تغادر فترى القواقع ملوّنة  .إنّه مشهد  غريب وعجيب  وتسمّرت في مكاني  وقيّدتني الدّهشة وأنا أتابع ما يحدث فأنا لا أكاد أصدّق  ما أراه.      

  دفعني فضولي فتقدّمت من تلك الحلازين أسألها لما تفعل  ذلك بألواني ؟ فبادر بالإجابة أكبر الحلازين  حجما ، وهو يحمل قوقعة تلوّنت بأكثر من لون حتّى صارت تشبه قوس قزح وقال لي  :” لقد طال  الجفاف  ومرّت الأشهر وكلّ الفصول تشابهت  فنحن اشتقنا كثيرا إلى ألوان الأرض اشتقنا  إلى العشب الأخضر الطريّ وإلى النّوّار والأزهار وألوانها  ،اشتقنا إلى النباتات النديّة اللّزجة  الّتي نقتات من أوراقها ونحتمي بها من الطّيور الّتي  أكلت الكثير منّا حتّى أصبحنا مهدّدين بالانقراض   ،كما أنّنا اشتقنا إلى تسلّق نبتة الصبّار الرّطبة  وأوراق التّين الشّوكي  ،واشتقنا إلى ضفاف النّهـر حيث الماء المنسكب عبر الأودية  اشتقنا الى فصل الشّتاء و إلى مياه الأمطار،وإلى الغابات . وأضاف موضّحا وقال :” وعندما وجدنا علب الأصباغ  فوق الطّاولة  فرحنا بها كثيرا وغمرتنا السّعادة  فتلونّا بها ونحن  نستبشر بتلك الألوان ونتفاءل  حتّى ينزل المطر و يتغيّر وجه الأرض الأصفر الشّاحب وتلبس حلل زينتها الأخضر والأحمر والبرتقالي وكلّ الألوان الزاهية ويزورها الرّبيع ملك الفصول  فيراها في أجمل زينتها.”

   أذهلتني أقوالُ كبير الحلازين، فهو قد أشرف على سنّ الخامسة من العمر و بذلك تكون له خبرات بالطبيعة وتغيّراتها، فلعلّ الحلازين هي أيضا تفطّنت إلى ظاهرة الاحتباس الحراري وشعرت بخطر يهدّد وجودها  ولعلّها صارت تعيش كابوسا مرعبا فالجفاف الطّويل المستمرّ يكون سببا في انقراض هذه الحيوانات الأليفة “.  أسرعت إلى الحنفيّة و  فتحتها وسال الماء على الأرض يسقي الأشجار والنباتات  وابتعدت قليلا عن المكان  الذي تجمّعت فيه تلك الحلازين وأنا  أرقبها وأسترجع الأحداث الغريبة التّى دارت في حديقة منزلنا ومع علب الألوان  …. وما هي الاّ لحظات حتّى  رأيت تلك الحلازين  تزحف وتعبر تلك السّواقي ثمّ تراها تتسلّق  تلك النبتات الخضراء الطّريّة  وتستقرّ بها .  أغلقت الحنفيّة  وأنا مطمئنّ البال على مصير تلك الحلازين  الّتي ارتوت  بالماء  وسكنت  النبتات  النديّة . مرّت  الأيّام وأنا أرقب تلك الحلازين  الّتي ألفت العيش في حديقتي  و أنا آنست بوجودها  فأنا قد أحببتها كثيرا بالرّغم  من أنّها أكلت  الخضر التّي نمت في حديقتي .  لا يهمّني ذلك فالخضر معروضة في الأسواق المهمّ أنني فرح بإنجازي   فقد ساهمت في حماية هذه الحيوانات الأليفة من الانقراض ، فغالبا ما تكون بعض الأعمال البسيطة على غاية من الأهميّة ……وإنّه لعمل إنسانيّ أن ننقذ  تلك الحيوانات الأليفة والضّعيفة  وننجّيها من المخاطر والجوع  والعطش.

(إشراف وإصلاح معلّمة القسم السيدة فاطمة حامدي في 27 أكتوبر 2021)

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات