حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ الرَّابعة | سرُّ فوزِ الضِّفدَعِ

10:31 صباحًا الأحد 26 مارس 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية لبنانية، أستاذة جامعية متخصصة في الأدب العربي وأدب الأطفال والناشئة، وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

د. إيمان بقاعي |حانَ وقتُ الحكايةِ

(ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه)

[إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019]

الجدّ (يهاتف سامي): سامي، ألو سامي، أما أنهيتَ فروضَ المدرسةِ بعدُ؟

سامي (يرد على الهاتِف): أنهيتُها يا جدي، ولكن…

الجدّ (على الهاتِف): ولكن ماذا؟ ألا تزورُنا ككل يومٍ؟

الجدّة (تأخذ من زوجها الهاتِف): أعطني الهاتفَ…(تخاطب حفيدها): حبيبي سامي، يا روحَ جدّتِكَ انزلْ الدَّرجَ لأفتحَ لكَ البابَ، فلمْ نرَكَ اليومَ…

سامي (يخاطب جدته): في الحقيقةِ…

الجدّة (بقلق): صوتُكَ متعَبٌ…ألو…

الجدّ (بلهفة ياخذ منها الهاتِف): هاتي الهاتفَ! ألو سامي، مريضٌ؟

الجدّة (تأخذ منه الهاتِف): أعطني الهاتفَ! (تكلم حفيدها): ألو سامي، لوزتاكَ من جديدٍ؟ أما قلتُ لكَ إنَّكَ يجبُ أن تنتبهَ لما تأكلُ وتشربُ؟ أما قلتُ لكَ إِنكَ يجبُ أن تلبسَ ثيابًا…

الجدّ (يأخذ الهاتِف): مهلًا يا مُهيبة، مهلًا، انزلْ يا سامي لنراكَ، سأفتحُ البابَ!

(ب)

الجدّ والجدّة يرحبان به: يا أهلًا وسهلًا ومرحبًا!

الجدّة (بلهفة): لوزتاكَ!

سامي (يطمئنها): لوزتايَ ليستا السّبَبَ يا جدتي، بل… أولادُ الصَّفِّ.

الجدّة (تشهق): ضربوكَ؟

الجدّ (مستنكرًا قول زوجته): ضربوهُ؟ أيذهبُ إلى غابةٍ أم إلى مدرسةٍ؟

سامي (يخاطب جده): يحاولونَ فعلًا أن يضربوني…

الجدّة (غاضبة تخاطب زوجَها): أرأيتَ؟ يحاولونَ أن يضربوهُ… قلبي دليلي… حدْسي يصيبُ من جديدٍ… اسمعْ يا عزيز، من الصَّباحِ الباكرِ سوف أذهبُ معَ الصّبيِّ وأقابلُ المديرَ و…

الجدّ (بهدوء): على مهلِكِ، على مهلِكِ، دعينا نسمعِ الخبرَ بتفاصيلِهِ.

سامي (يتنهد): لا أعني الضَّربَ  بمعنى الضَّربِ، بل ضربَ موهبتي في الفوزِ في فريقِ كرةِ السّلةِ في المباراةِ التي يشاركُ فيها بطلُ كرةِ سلةِ صفوفِ الخامسِ الابتدائيّ.

الجدّة (تهدأ): ماذا؟ كرةُ السَّلةِ؟

سامي: نعم يا جدتي، وأنتِ تعرفينَ أنني أفوزُ دائمًا ولكن على طلابِ صفي، وليس على طلابِ كلِّ صفوفِ الخامسِ في المدرسةِ.

الجدّ (يحاول أن يفهم):أفهم من قولِك أن أولادَ صفِّكَ لا يثقونَ بفوزكَ؟

سامي: يخافونَ ألا أفوزَ…

الجدّ: ويخيفونَكَ؟

سامي مترددًا: في البدايةِ، لم أكنْ أخافُ، ولكن، عندما اجتمعوا على قولِ إنَّ أبطالَ بقيةِ الصّفوفِ أكثرَ مهارةً مني…

الجدّة (بقلق): خفتَ يا سمسومةَ روحي؟

الجدّ غاضبًا من قول زوجته: خافَ؟ سمسومةُ روحِكَ يجبُ ألا يخافَ، فهذه لعبةٌ رياضيةٌ، ويجبُ أن يتقبلَ المشارِكُ بها الفوزَ والخسارةَ، فإذا كانَ الجميعُ سيفوزونَ؛ فمن يخسرُ؟

سامي لجده: أنا أتمتعُ يا جدي بالرُّوحِ الرّياضيةِ!

الجدّة (بفخر): حفيدي يتمتعُ بالرُّوحِ الرّياضيةِ، ولن يدعَ غيرَهُ يفوز!

الجدّ (يصحح جملتَها): بل ربما يفوزُ غيرُهُ… ولكن هذا الاحتمالَ لا يعني أن يكفَّ عن المشاركةِ.

سامي (مهتمًّا بقول جده): هذا ما أقولُهُ.

الجدّة (تستسلم): لم أعدْ أفهمُ!

الجدّ (يخاطب حفيده): تعالَ يا سامي لأوضحَ لكَ الأمرَ بحكاية.

الجدّة: المهمُّ أن تكونَ حكايةً مفيدةً!

الجدّ (يسألها مستنكرًا): أتشكّينَ؟

الجدّة (بتحدّ): لا أحكمُ قبلَ أن أسمعَ!

سامي: نسمعُكَ يا جدي، تفضل!

الجدّ (يروي):

(ت)

الحكايةُ بعنوانِ: (الضّفدعُ يفوزُ):أعلنَتِ الضَّفادِعُ يومًا عن إقامةِ أضخمِ مسابقةٍ لاختيارِ أشجعِ ضِفدَعٍ في العالمِ، ويكونُ ذلك الذي يتسلقُ أكبرَ برجٍ في المدينةِ من غيرِ أن يعيقَ أي ُّضفدعٍ أو أيُّ إنسانٍ رحلةَ التّسلقِ تلكَ، فجاءَ أكثرُ من ألفيِّ ضفدعٍ للمشاركةِ.

سامي: وركضَتِ الضّفادِعُ بسرعةٍ نحو البرجِ.

الجدّة: وبدأ التَّسلُّقُ…

الجدّ (بحماس): نعم! ولكن، أثناءَ ذلكَ، كان الحضورُ من البشرِ والضَّفادِعِ يرددِّونَ بهلَعٍ: “يا مجنونُ ستقعُ! يا مجنونُ احذَرْ، يامجنونُ إيّاكَ”!
الجدّة (بهلع): يا إلهي! لو كنتُ ضفدعًا لسقطْتُ.
الجدّ: لذلكَ، توالى سقوطُ الضَّفادِعِ: دِجْ دِجْ دِجْ. والمحظوظُ منها سقطَ من مسافةٍ قريبةٍ، فلم يُصَبْ إلا بقليلٍ من الأذى،  أما المغامرُ، فسقطَ من مسافةٍ أعلى فماتَ!

سامي: وانتهتِ القصةُ هنا؟

الجدّة: بهذهِ المأساةِ؟
الجدّ (يخاطبها): لا تستعجلا الحزنَ، فثمةَ ضفدعٌ وحيدٌ لم يهتمَّ بتحذيراتِ الحضورِ، بل واصلَ التَّسلقَ حتى وصلَ إلى القمَّةِ، ونظرَ إلى الجُموعِ الذين كانوا يصفقونَ ويقفزونَ فرحًا، فنزلَ ليُكَرَّمَ وليُحتَفى به.  

الجدّة (بفرح): أحسنتَ يا ضفدعُ! تستحقُّ الوسامَ!

سامي: ولكن، ما سرُّ قوّتِهِ ياجدي؟

الجدّ: سؤالُكَ هذا طرحَهُ كلُّ الحاضرينَ على الضّفدعِ، لكنه…لم يجبْ.

الجدّة (بتذاكٍ): سرٌّ!

الجدّ: في الحقيقةِ، بدا الأمرُ وكأنَّه سرٌّ فعلًا عندما كررَ الحاضرونَ سؤالَهم، وكررَ تجاهلَهُم مرةً ومرّتين وثلاثًا،  ولكنَّهم اكتشفوا أنه كانَ: “أطرشَ”؛ لذا لم ينتبهْ للعباراتِ السَّلبيةِ المخيفةِ، فوصلَ إلى القمةِ.

شهق سامي (مستنتجًا): يا إلهي! أتعتقدُ يا جدي إذن أنَّ عليَّ أنْ…

الجدّة (تتدخل بسرعة): دعني أعطيكَ زُبدةَ الحكايةِ: نعم، بالضَّبطِ، أن تكونَ (أطرشَ) لتفوزَ!

الجدّ: أو لا تفوزَ… ولكن…المهمُّ أن تشاركَ.

سامي: شكرًا لك يا جدي، وشكرًا لزُبدةِ الحكايةِ يا جدتي التي لولاها لما فهمْتُ المقصدَ.

الجدّ (يتنحنح متظاهرًا بالحرَدِ): نعم، الزُّبدةُ أهمُّ من الحكايةِ!

الجدّة (بفخر): أحيانًا، وليسَ دائمًا…

الجدّ (يحرد): طيب! أنا ذاهبٌ لأتمشى.

الجدّة (تهمس لحفيدها): جدُّكَ لا يتمتعُ بالرّوحِ الرّياضيةِ يا سامي!

سامي (يضحك): احكي له حكايةً! 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات