د. إيمان بقاعي |ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه
[إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019]
(أ)
سامي: تيتا مُهيبة، جدّو عزيز… في الصَّفِّ الابتدائيِّ الأوّلِ، والابتدائيِّ الثَّاني والابتدائي الثّالث وربما الرّابع لم نحظَ أنا وزملائي في المدرسةِ بالكثيرِ من الأخبارِ…
الجدّ: وفي الصَّف الخامسِ؟
سامي (بقلق): في الصَّفِّ الخامس- يا جدي- الأخبارُ كثيرةٌ كثيرةٌ.
الجدّة (تتدخل بقلق واهتمام): لم أفهمْ يا سمسومةَ قلبِ جدَّتِكَ!
الجدّ: أنا أيضًا لم أفهمْ!
الجدّة: أوضِحْ يا حبيبي!
الجدّ: اشرحْ يا حبيبي!
سامي: أخبارٌ كثيرةٌ يقولُها زملائي، لا أعرفُ الصَّادقَ منها من الكاذبِ، ولا أعرفُ المفيدَ من غيرِ المفيدِ.
الجدّة: يعني؟
سامي: أخبارُ خليلٍ صديقي مثَلًا.
الجدّ: ماذا عنها؟
سامي: تدورُ حولَ نزولِ الصُّحونِ الطّائرةِ فوقَ سطحِ بيتِهِ، أو رغبتِهِ في أن يتوظفَ حارسَ حمايةٍ للأرضِ من التَّلوثِ القادمِ من الفضاءِ، ويحميها كذلكَ من جراثيمِ المركباتِ الفضائيَّةِ التي يطلقُها كوكبُ الأرضِ.
الجدّ (ضاحكًا): خليل هو الذي يريد أن يتوظفَ حارسَ حمايةٍ؟
سامي: نعم، لأنه يتابعُ كلَّ أخبارِ الأرضِ، وسوفَ يأخذُ راتبًا كبيرًا!
الجدّة: يستحقُّ راتبًا كبيرًا، فمهمتُهُ ليستْ سهلةً.
الجدّ: وأخبارٌ أخرى؟
سامي: أخبارُ اللُّصوصِ الذين يجهّزونَ هجومًا تلوَ الهجومِ على بيتِ سميرٍ.
الجدّة: وينجحونَ؟
سامي: لا! فوالدُهُ بطلٌ لا تغمضُ عيناهُ طوالَ اللّيلِ، يراقبُهم ويزجُّهم في السّجنِ، ولكنْ- بالطَّبعِ يا تيتا مُهيبة- إنْ نعسَ يومًا ونامَ، فقد ينجحونَ في دخولِ البيتِ.
الجدّ (باهتمام): وماذا أيضًا؟
سامي: وأخبارُ تحويلِ والدِ ناديا كلَّ المعادنِ الرّخيصةِ إلى ذهبٍ. ولديه كنزٌ كبييييرٌ تحت جذعِ شجرةِ الزّيتونِ.
الجدّة: أخبارٌ كثيرةٌ…
الجدّ: وهناكَ مزيدٌ منها.
سامي: نعم!
الجدّة: وأنتَ قلِقٌ بشأنِها؟
سامي: طبعًا!
الجدّ: والمطلوبُ؟
سامي: المطلوبُ هو: كيفَ أميِّزُ بين الخبرِ والخبرِ؟
الجدّ: سأخبرُكَ حكايةً.
الجدّة: أخبرْني أنا أيضًا!
(ب)
الجدّ: سارعَ أحدُ معارفِ الفيلسوفِ المشهور اليوناني
(سُقراط) إليه، وسألَه بحماس:
– هل تعرفُ، أيُّها
الفيلسوفُ الكبير، ما سمعْتُ عن صديقِكَ الفيلسوف فلان؟
قال سُقراط، ثم أردفَ:
سامي: المصافي؟
الجدة: المصافي؟
الجد: نعم، وستعرفان المعنى الذي قصده الفيلسوفُ حين أكملُ الحكايةَ.
سامي: نسمعُ.
الجدة: طبعًا نسمعُ.
الجد (يكمل): وتابع سُقراط:
قال الرّجلُ:
سامي: وارتبكَ الرّجلُ.
الجدة: وانتظرَ.
الجد: وارتبكَ وانتظرَ، فانتقلَ سُقراط إلى سؤاله الثَّاني من خلال قوله: والآن، دعنا ننتقلْ إلى المصفاة الثّانية: (مِصْفاة الطّيبة). فهل الخبرُ عن “صديقي” خبرٌ جيِّدٌ؟
الجدة (مستنكرًا): يا إلهي، لقد جاء بنميمةٍ إذن!
سامي (يحاول أن يحلل): آه، شككْتُ بالأمرِ مذ قال له في بداية النّميمة “صديقك”!
الجد: أحسنتَ.
الجدة: يا حبيبَ قلبِ جدتِكَ، يا أذكى مخلوقٍ على وجهِ
الأرضِ، يا فاهمَ حكاياتِ الفلاسفةِ!
الجد (يتجاهلُ مديح
زوجته ويتابع): وتابع
سقراط:
الجدة (بحماس): وشعر الرَّجل بارتباكٍ أكبرَ.
الجد: فكان صمتُهُ إجابةً.
سامي: كان صمتُه اعترافًا.
الجدة: يا حبيب جدتِكَ، مورّثاتِ جدّتكَ كلها أُعطيَتْ لك!
الجد (يتجاهلُ من جديد مديح زوجته لحفيدها): فتابع سقراط مخاطبًا صاحبَ النّميمةِ:
-ومع ذلك، ما زلْتَ تستطيعَ اجتيازَ الاختبارَ.
الجدة: كيف؟
سامي: بالمصفاةِ الثّالثَةِ.
الجد: أحسنتَ يا وارثَ مورّثاتِ جدتِكَ!
الجدة (بخجل): شكرًا يا عزيز أفندي، أخجلتَني.
سامي: والمصفاة الثّالثة؟
الجد: المصفاةُ الثَّالثةُ هي (مِصْفاة الفائِدة)؛ وقد شرحها (سُقراط)ُ- كعادته- من خلالِ طرح الأسئلةِ، فسألَ النّمّامَ: هل تعتقدُ أنَّ ما كنتَ ستخبرني به عن “صديقي” سيفيدني بشيء؟
أجابَ الرّجل وقد زادَ ارتباكُه:
-لا، ليس تمامًا!
سامي: أحسنتَ يا سُقْراط!
الجدة: فيلسوفٌ حقيقيٌّ!
الجد: وما كانَ من سُقراطَ إلا أن لقَّنَهُ الدّرسَ وقتَ قالَ:
-حسنًا، إنَّ ما أردْت أن تقولَه لي، إذن، ليسَ صحيحًا، ولا طيّبًا، وليس بذي فائدةٍ، فلماذا تخبرُني به أو تخبرُ به أيَّ شخصٍ آخرَ؟
سامي: وأتوقعُ أنه لم يُجبْ.
الجدة: بل أتوقعُ أنه أطرقَ خجِلًا.
الجد: لم يجبْ، بل أطرقَ خجَلًا، ثم… سابقَتْ قدماهُ الرّيحَ.
الجدة: ولو كنتُ مكانَهُ، لصمَتُّ – منذ تلك الحادثةِ- إلا عن قولِ خبَرٍ مرَّ بتلكَ المصافي الثَّلاث.
سامي: ولو كنتُ مكانَه، لما سمعَ مني أحدٌ إلا الأخبارَ “المصفّاةَ”.
الجد: وهذا ما حدثَ مع الرّجل بعد هذا اللّقاءِ النّاعمِ- العاصِفِ؛ صار مثلَ اللَّبَنِ المصفَّى.
سامي وجدته (يضحكان): صار لَبَنَةً!
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.