حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ24 | تعالَ نحللْ حكايةً

08:43 صباحًا السبت 15 أبريل 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية لبنانية، أستاذة جامعية متخصصة في الأدب العربي وأدب الأطفال والناشئة، وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

د. إيمان بقاعي   (ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه)

 [إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019]

                                 (أ)

سامي (ينادي): جدي! يا جدي!

الجدّ (يناديه): يا حبيبَ جدِّكَ!

سامي (يناديه): أنتَ في البيتِ؟

الجدّ: لا! بل أقودُ الدَّراجةَ  في الشَّارعِ (يؤكد): طبعًا في البيتِ.

سامي (من على الدَّرج يضحك)

الجدّة (تهرع لتفتح بابَ الدَّارِ): وأنا في البيتِ أيضًا يا سمسومةَ قلبي.

سامي: أنا أنهيتُ دروسي وتناولْتُ غدائي وقادمٌ إليكما.

الجدّ: بانتظارِكَ.

الجدّة: على أَحرِّ من الجمرِ.

الجدّة تخاطب زوجَها (هامسةً): جهزْتَ حكايةً أو أجهِّزُ واحدةً؟

الجدّ (باستغراب): نعم؟

الجدّة: جهزْتَ حكايةً أو أجهِّزُ واحدةً؟

الجدّ: ومتى جهزْنا حكاياتِنا قبلَ مجيءِ حفيدِنا؟

الجدّة: صحيحٌ، ولكنْ… أحيانًا، أفكّرُ كثيرًا بما سأخبرُهُ، وأسجلُ عنوانَ حكاياتٍ أعرفُها على الدّفترِ قربَ سريري، ولكن… (تضحك): أحيانًا أرى أنها غيرُ مناسبةٍ لموضوعِنا، فأُؤجلُها وأؤجلُها…

الجدّ: أنا لا أسجلُ أيةَ عناوينَ لئلا أقعَ بما وقعْتِ فيه. وبما أنني- أنا وأنتِ- لدينا كثيرٌ  من الحكاياتِ، فلا بد وأنَّ أحدَنا قادرٌ على قصِّ حكايةٍ منها بما يتناسبُ والأجواءَ، وهذا- حتى الآن- ناجحٌ رغمَ عدمِ التَّخطيطِ له.

الجدّة (تهمسُ): حفيدُنا ذكيٌّ، ما شاءَ اللهُ، ووجودُهُ محفِّزٌ على تذكّرِ الحكاياتِ.

الجدّ: ما شاءَ اللهُ!

(سامي يطرق البابَ الخارجيَّ ثلاثَ طرقاتٍ خفيفة، والجدّة تخاطبُه):

الجدّة: ادخلْ يا حبيبي، وأغلقِ البابَ وراءَكَ.

سامي (بحيوية): مرحبًا!

الجدّ والجدّة معًا: مرحبًا.

الجدّة: تعالَ اجلسْ بجانبي. 

سامي: فكرتُ البارحةَ طويلًا، وخطرَ ببالي سؤالٌ وجيهٌ.

الجدّة (تخاطب زوجها): أتَرى مَنِ الذي يقودُ جلسةَ الحكاياتِ؟

الجدّ: أرى، أرى!

سامي: ما القصةُ اليومَ؟ جدي يقودُ دراجتَهُ في الشَّارعِ، وثمةَ مَن يقودُ جلسةَ الحكاياتِ.

الجدّ (ضاحكًا): المهمُّ! قُدْنا بسؤالِكَ الوجيهِ.

سامي: سؤالي هو:  إذا لم يكنْ مطلوبًا من الحكيمِ أنْ ينقذَ الآخرينَ، فمَن ينقِذُ؟

الجدّ (مستفسرًا): يعني إذا كانَ الآخرونَ ليسوا بحاجةٍ إلى مساعدتِهِ، ولنقلْ إنهم حكماءُ بما فيه الكفايةِ؟

سامي: نعم!

الجدّة (تجيب بسرعة): ينقذُ نفسَهُ.

سامي (يسألها): كيف؟

الجدّ (يسألها): كيف؟

الجدّة: أَتَذْكرُ- يا سامي- حكايةَ الأرنبِ والسُّلَحْفاةِ التي كنتُ أخبرُكَ إياها عندما كنتَ في الصفِّ الأولِ الابتدائيِّ؟

سامي (ضجرًا): آهِ يا جدتي! أنتِ أخبرتِني إياها، والمعلمةُ، وجدي، وعمتي، وخالتي…فلا تقولي لي إنكِ ستقصِّينَها عليَّ الآنَ، فهي حكايةٌ للصِّغارِ: كان يا ما كان في قديمِ الزَّمانِ، سُلَحْفاةٌ سابقَتْ أرنبًا، وفازَتْ.

الجدّ: سامي، يا حبيبَ قلبِ جدَّيكَ، الحكاياتُ- حتى تلكَ التي تُقَصُّ للصِّغارِ جدًّا- كقصةِ السّلحفاةِ والأرنبِ، يمكنُ أن نستفيدَ منها في كلِّ الصُّفوفِ، بل وحتى في كلِّ الأعمارِ، حتى يمكنُ أنْ أستفيدَ منها أنا العجوزُ الحكيمُ.

سامي (بملل): ولكنني سمعتُها، وحفظتها عن ظهرِ قلبٍ، ولم أستفِدْ منها إلا ما قالتْهُ لنا المعلمةُ وقَتها رافعةً سبّابتَها بحزمٍ: يجبُ أن تثابروا مثلَ السُّلَحْفاةِ لتصلوا إلى أهدافِكم!

الجدّة: ولستَ مقتنعًا بما قالَتْه؟

سامي: لم أفكرْ إلا بأنْ أحفظَ العبارةَ وقتَها، وأسمّعَها وأكتبَها في درسِ الإملاءِ الذَّاتيِّ.

الجدّة (تقترح): حسنًا، ما رأيكَ إذن، أن نحللَ القصةَ لا أن نسمعَها ونسمعَ خلاصتَها جاهزةً؟

سامي (معترضًا): نحلِّلُها؟ يعني كتحليلِ النَّصِّ الذي يأتينا في الامتحانِ؟

الجدّ: تقريبًـا ولكن… بشكلٍ أحلى!

سامي (متذمرًا): تحليلٌ أحلى؟ كيف؟

الجدّة: لنجربْ!

سامي (متذمرًا): لنجربْ!

(ب)

الجدّة: تتذكرانِ أنَّ السُّلَحْفاةَ البطيئةَ فازَتْ على الأرنبِ السّريعِ؟

سامي (متذمرًا): نتذكرُ!

الجدّة: ولكنْ لماذا؟

الجدّ (مفكرًا): لماذا؟ لماذا؟ أعتقدُ لأنها كانَتْ تنهضُ كلَّ يومٍ فتجهزُ نفسَها للسّيرِ نحوَ الهدفِ.

سامي: وتمشي وتمشي وتمشي- ولو متثاقلةً- نحوَ هذا الهدفِ.

الجدّة: بينما الأرنبُ…

الجدّ: رغمَ سرعتِهِ…

سامي: صارَ يلهو.

الجدّ: بأمورٍ كثيرةٍ…

الجدّة: حتى إنهِ كادَ ينسى الهدفَ.

الجدّ:  أي: موضوع السِّباقِ.

سامي: طبعًا موضوع السّباقِ.

الجدّة: لماذا- باعتقادِكُما- كانَ يلهو، بل كادَ ينسى موضوعَ السّباقِ من أصلِهِ؟

سامي (يضحك): فعلًا أحسُّ أنني في حصةِ تحليلِ نصٍّ، ولكنني سأجيبُ عن هذا السُّؤالِ، لأنني- بصراحةٍ- أحببتُهُ.

الجدّ: أجِبْ!

سامي:  ربما لأنه كانَ واثقًا من سرعتِهِ.

الجدّ: ومِن بطءِ السُّلَحْفاةِ.

سامي (يوافقُ على سبب جده): نعم! لم يخطرْ لي هذا الجوابُ.

الجدّة (تسأل): ولكن… هل البطءُ دليلُ غباءٍ والسّرعةُ دليلُ ذكاءٍ؟

الجدّ (يفكر): لا، ليسَ بالضَّرورةِ! فالبعضُ بطبيعتِه بطيءٌ، ولكنه مجتهدٌ، كالسُّلَحْفاةِ.

سامي: والبعضُ بطبيعته سريعٌ، ولكنه مُهْمِلٌ، كالأرنبِ.

الجدّ: وقد يدلُّ البطءُ معَ السّيرِ نحوَ الهدفِ على التَّماسكِ.

الجدّة: والتّوازنِ.

سامي: والهدوءِ.

الجدّ: والمرونةِ.

الجدّة: والسّلامِ.

سامي: والحكمةِ.

الجدّة: والعكسُ صحيحٌ مع السّرعةِ؟ 

الجدّ: نعم.

سامي: بالطَّبعِ.

الجدّة: ويفوزُ بهدفِهِ المتماسِكُ، المتوازن، الهادئُ، المرِنُ، المسالِمُ، الحكيمُ.

سامي: كالسُّلَحْفاةِ.

الجدّ: كالسُّلحفاةِ اذهبْ إلى المطبخِ وأحضرْ لجدِّكَ ماءً.

سامي (يضحك): حاضر!

(ت)

سامي: إليكَ الماء يا جدو عزيز، ومعَهُ زبدةُ الحكايةِ القديمةِ- الجدّيدةِ: الحكيمُ إذنْ، ينقذُ نفسَهُ كما ينقذُ الآخرينَ.

الجدّة: آه يا مُحَلِّلَ الحكاياتِ أنتَ يا سمسومتي.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات