دِبْس الرُّمَّان | قصة بقلم: دانيال القهوجي

01:40 مساءً الأحد 28 مايو 2023
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

قصة بقلم: دانيال القهوجي | 28\5\2023

في يومٍ من أيام الرَّبيع الدَّافئة، كان (نمْرُ الجَبَلِ)، وهو لقَبٌ أطلَقَه على نفسه ذلكَ الصَّياد الضَّخم الباحثُ دائمًا عن عصافير في غابةٍ صغيرة تطل عليها قريتُهُ لاصطيادها وأكلها في اليوم المقبِل.

فجأة، سمع (نمْرُ الجَبَلِ) صوت خشخشة بين الشّجيراتِ، فأخرج بندقيتَه الصَّدِئة بسرعة، ولم ينسَ أن يلقي نظرةً إلى شرفةِ مطبخِ الجيرانِ، حيث تقفُ (أم مروان)، والدةُ محبوبتِهِ (تفاحة) تراقبه وتراقبُ كل تحركاتِ أهل القرية لتبادُلِ المعلوماتِ في الصّبحياتِ والسّهراتِ، فنفخَ صدره وأطلق الرّصاص من بندقيته مستعرضًا أمامها قوَّتَه، ثم صرخ بصوت عالٍ:

  • أظن أنني اصطدتُ نسرًا ضخمًا يقاربُ حجمُه حجْمي تقريبًا!

وأكملَ:

  • أنا الذي علَّمْتُ (بو ديبْ) جَدُّ (هَيْفا) في مسرحية (يعيش يعيش) الصَّيْدَ، حتى  أصبح يصطاد التَّماسيح والضِّباع!

والتفتَ إلى شرفةِ (أم مروان)، فلم يلمحْها، فرفعَ صوتَهُ لتسمعَهُ حتى لو كانَت في المطبخِ:

  • كم أنت شجاع وشهمٌ يا (نمْرَ الجَبَلِ)، اسْمٌ على مُسمَّى يا حبيبي، اسْمٌ على مُسمَّى!

 وانطلقَ (نمْرُ الجَبَلِ) لإحضارِ ما اصطادَهُ، وإذ بالنَّسرِ عصفورٌ صغيرٌ جريحٌ يستغيثُ بأي كائن لإنقاذه من حالته السّيئة. فحمل (نمْرُ الجَبَلِ) العصفور بين راحَتَيْهِ العملاقتين، ونظر إليه نظرة المفترس عندما ينقضّ على فريسته. وإذا بالعصفور يحاول الهرب منه. ثم أحس بإحساس لم يشعر به من قبلُ، فأشفق على العصفور الصَّغير الذي وقع ضحية رصاصة استعراض للفت انتباهِ (حَمَاة المستقبَل)، وأخذهُ إلى بيته، وضمد جرحه، واعتنى به حتى بدأ العصفور بالتَّحسن تدريجيًّا.

وبعد أسبوع، حمل (نمْرُ الجَبَلِ) العصفورَ، ولكن هذه المرة لم يكن هدفُه افتراسه، بل إطلاقه الى الحرية!

نعم، الحرية!

ولم يفكّر طويلًا في علاقة الحرية بالصّيْدِ، فالحبُّ يخلطُ كل الأفكارِ المتناقضة ويقرّبها من بعضِها.

وانطلق (نمْرُ الجَبَلِ) إلى الغابة، حيث أفلت العصفور، ودموعُهُ  تهطل كالأمطار، ثم لاحقَه بنظراته محلّقًا في السَّماء، وقال له بصوتِ عالٍ:

  • انطلِقْ يا صديقي نحو الحرية، واستمتع بالحياة!

وعندما وصل (نمْرُ الجَبَلِ) إلى بيته، وجد رسالة معلَّقة على بابه تحمل دعوة إلى عشاء عند (أم مروان) بعد أسبوع، فقفزَ، ورقصَ، وسارع إلى تلميعِ بندقية الصَّيد استعدادًا للعشاء الموعودِ.

وقبل العشاء بيومٍ، اصطاد (نمْرُ الجَبَلِ) ما يقارب مئةَ عصفور أرسلَها كلَّها للسّت (أم مروان)، لأنه لا يريد الدُّخول إلى بيتِ حماتِهِ من دونِ أن يساهِمَ في العشاءِ، ففي الضَّيعة يقولونَ: “الإيدْ الفاضية مجْوِيِّة”!

 وعندما حان وقت العشاء، وقُدِّمَتِ العصافيرُ مشويةً، وجد العصفور الذي أنقذَهُ سابقًا مشويًا بينَها، فحملَه، ونظر إليه نظرةَ ندَمٍ قصيرةً، ثم ما لبثَ أن وضع عليه “دبس الرّمان”، والتهمه بلقمة واحدة مثل الغُول متمتمًا:

  • حسنًا، لقد عاشَ أسبوعًا رائعًا من الحريةِ!

2 Responses to دِبْس الرُّمَّان | قصة بقلم: دانيال القهوجي

  1. ريما لوستان رد

    28 مايو, 2023 at 11:13 م

    قصة جميلة وسرد رائع أديبنا العزيز دانيال..دام لك سحر القلم ودمت بتألق 👍🌺

  2. ريما لوستان رد

    28 مايو, 2023 at 11:15 م

    قصة جميلة وسرد رائع أديبنا العزيز دانيال..دام لك سحر القلم
    ودمت بتألق 👍🌺

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات