الإشراقُ التنويريُّ بولادة النبّي مُحمَّد (صلى الله عليه وسلَّم)

08:35 صباحًا الأربعاء 27 سبتمبر 2023
د. منى رسلان

د. منى رسلان

أُسْتَاذةُ النَّقْد الأَدَبِيّ المعاصر والمنهجيَّة فِي كليَّة الآدابِ والعُلومِ الإنسانيَّة في الجامعة اللبنانيَّة

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بقلم : الدكتورة منى رسلان ،

أستاذة النقد الأدبي المُعاصر والمنهجيّة في الجامعة اللبنانيّة

.. ” وقالتْ آمنة : “إنَّ ابنِي والله سَقَطَ فَاتَّقَى الأرضَ بيدهِ ، ثمَّ رفعَ رأسهُ إلى السَّماءِ فنظرَ إليها، ثمَّ خرجَ منِّي نورٌ أضاءَ لهُ كُلّ شي‏ءٍ، وسَمِعْتُ في الضوءِ قائِلاً يَقولُ: إنَّكِ قد وَلَدْتِ سَيِّدَ النَّاسِ فَسَمِّيهِ مُحَمَّداً”. وليتجسَّد الإشراق التنويري بمعجزات ولادة نبي الله (صلى الله عليه وسلَّم).
‎وذكرت فاطمة بنت عبد الله أنَّها شهدت ولادة النبي (صلى الله عليه وسلَّم) فقالت: “فما شيء أنظرُ إليه من البيت إلاَّ نور، وإني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول لتقعن عليَّ”.


إذ تحلُّ علينا ذكرى المولد النبويِّ الشريف عزيزة في قلوبنا؛ مولداً للتراحُمِ والعطف، وللمحبَّة والطُهر، وللوحدة والتوحيد، ولجميل الأخلاق المحمودة والتسامح؛ مولداً للمُتعفِّف الشجاع، والدعوة إلى الشمائل الشريفة، وللعدل والحقّ والناصر للمظلوم والدَّاعي إلى الحُريَّةِ؛ وتبشيراً بالذكر الحكيم والدعوة المُباركة.
إنَّها ذكرى مولد المُتعبِّد، الحكيم، السَّامي بمبادئهِ القويمة؛ وهي نور المودَّة والقدوة الحسنة. وبذا تكون ذكرى مولد الرسول الكريم مُحمَّد (صلى الله عليه وسلَّم)، رأفة إلهيَّة ورسالة سماويَّة لخير هذه البشريَّة كي ترتقي في فاعليَّة عيشها الوجودي، وليكون النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلَّم)، مِثالاً وقُدوة، ويكون الإسلام باباً توحيدياً يسلكه الإنسان للدخول إلى رِحاب الإنسانيَّة.
لقد جاء مولد الرسول (صلى الله عليه وسلَّم)، تحقُّقاً لجوهر الرسالة السماويَّة، المُتمثِّلة بكتاب الله (عزَّ وجل) القرآن الكريم، وذلك وفقاً لما ورد في سورة ﴿آل عُمران؛١٦٤﴾: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ ؛ وما ورد في سورة (الأنبياء؛ 107)، ﴿وما أرسلناك إلاَّ رحمة للعالمين﴾ نهجاً للهُدى والرشاد.
يقول الله سبحانه تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ﴾ (سورة البقرة؛ الآية 118 و119)
بناءً عليه، ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قوله في صفات رسول الله (صلعم): “كان عليه الصلاة والسلام أوسع النَّاس صدراً، وأصدق النَّاسِ لهجةً، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة”.
ونظم الشاعر أحمد شوقي قصيدة “ولد الهدى” تمجيدًا لذكرى المولد النبوي، إذ إنَّه يصف مولد نبيّ الله مُحمَّد (صلى الله عليه وسلَّم)، بحيث تعطَّرت الأرضُ وتزيَّنت السماء بـ بُشرى الفرحة الكبيرة، وعمَّ أرجاء الكون ضياء نور بولادة سيد الكونين والثقلين؛ والتَّي يحتفي بها الناس قاطبة في كُلِّ أرجاء المعمورة.
وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ
الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ
*
….
يـا خَـيـرَ مَن جاءَ الوُجودَ تَحِيَّةً مِـن مُرسَلينَ إِلى الهُدى بِكَ جاؤوا
بَـيـتُ الـنَـبِـيّينَ الَّذي لا يَلتَقي إِلّا الـحَـنـائِـفُ فـيهِ وَالحُنَفاءُ
**
تحلُّ الذكرى المباركة ولبنان “الرسالةُ” تتقاطر عليه الأهوال من كلِّ حدبٍ وصوب، والنَّاس فيه غارقة في أتون شؤونها وشجونها الإنسانيَّة والاقتصادية والماليَّة والصحيَّة والتربويَّة والثقافيَّة، وتهديدات خارجيَّة بحروب عبثية وبحرب عالمية ثالثة وبقوَّة نوويَّة ستُبيد الخليقة_ إن هي تحقَّقت_ إذ يتصارع فيها جبابرة المال والنفط وتطالها تهديدات الأمن السيبرانيّ، وتحدِّيات الأمن الإنسانيِّ.
فلتَّتخذ الأوطان والشعوب والأُمم من سيرتك الفاضلة يا نبيَّ الله الأكرم (صلعم)، قدوة صالحة في مُناصرة الحق والعدالة الاجتماعيَّة؛ وليُنر الله على الأُمَّة العربيَّة والإسلاميَّة من وجهك الوضَّاء سبيلاً رؤيوياً لخلاصِ الأوطان؛ ولينعم لبنان والعالم العربي بالأمان والطمأنينة والسلام؛ وأوطاننا تتراحم في ما بينها برأفة ومحبَّة. والله سميع مُجيب.
وإنَّني إذ أتقدَّم منكم جميعاً بالتهنئة بمُناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، راجية من الله أن يعيده على وطننا الغالي لبنان وعلى العالم العربي والإسلامي بالخير واليُمن والبركات. لقد فاض نوركَ الوهَّاج، فكُنتَ أشرف المُرسلين.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات