كريم حكيموف، سيرة حياة

04:52 مساءً الثلاثاء 12 ديسمبر 2023
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

صدر مؤخرا في سلسلة إبداعات طريق الحرير كتاب (كريم حكيموف، سيرة حياة)،  عن مصير الإسلام و الشيوعية في روسيا السوفيتية من تأليف الديبلوماسي الروسي الكبير أوليج أوزيروف، وترجمة: د.محمد نصر الدين الجبالي ود. عادل محمد صديق.

في تقديمه للكتاب الصادر عن دار الناشر للنشر والتوزيع (536 صفحة) كتب البروفيسور فيتالي نعومكين عضو أكاديمية العلوم الروسية وحاصل على جائزة الدولة الروسية:

أوليج أوزيروف

 “هذا كتاب غير عادي. فهو قبل أي شيء يتميز بالشبه الذي يجمع بين مؤلفه وبطله فالأول كان وما زال دبلوماسيًا روسيًا وسوفيتيًا رفيعًا خدم في منصب سفير بلادنا في الملكة العربية السعودية في الفترة بين عامي 2010-2017. أما الثاني فهو أول رئيس لبعثة دبلوماسية سوفيتية في هذا البلد (مملكة الحجاز أولا) في الفترة بين عامي 1924-1928 ثم في الفترة بين عامي 1936-1937 والذي ترك أثرًا كبيرًا ومهمًا في تاريخ الدبلوماسية السوفيتية وفي الفترة الصعبة التي عاشها تاريخ العلاقات بين البلدين. وقد خدم الاثنان نفس الفترة الزمنية تقريبا في المملكة.

وفضلًا عن ذلك فإن شخصية بطل هذا الكتاب وسيرة حياته بالكامل استثنائية أيضًا.  حيث شهدت تقلبات حادة. ترعرع في سنوات المراهقة في عائلة ريفية فقيرة وكان عليه أن يعمل عند رجل ثري ليتكسب رزقه. ثم كانت مرحلة الدراسة في المدرسة ثم المرحلة الثانوية ثم شارك في الثورة ثم عمل كرجل دولة مهم ثم رجل حزبي وضابط عسكري وشغل العديد من المناصب الأخرى بما في ذلك في أقاليم أورينبورغ وآسيا المركزية. كما عمل كدبلوماسي ففي الفترة بين عامي 1921-1924 عين قنصلًا عامًا للاتحاد السوفيتي بمدينة مشهد في إيران ثم قنصلا عامًا وممثلًا مفوضًا للاتحاد السوفييت بمدينة جدة ثم في المملكة اليمينية في الفترة بين عامي 1929-1931، ثم ابتعث مرة أخرى إلى جدة ومن بعدها وقع ضحية لقمع ستالين. وبعد سنوات طويلة من النسيان استعاد التقدير الذي يستحق من الدولة ولكن، للأسف، كان ذلك بعد وفاته. كما يعد كريم عبد الرؤوفوفيتش موضع فخر من شعب باشكيرستان الذي ينتمي إليه من حيث القومية وكذلك شعب تتارستان الذي يعتبره أيضا أحد أبنائه.

ويقدم لنا أوليج أوزيروف من خلال هذا الكتاب الشيق خبرته الطويلة كدبلوماسي وعليم بشؤون الشرق الأوسط ليس ذلك فحسب بل تجربته الرائعة كباحث ومفكر في تاريخ روسيا وكاتب وأديب موهوب يمتلك المقدرة على جذب اهتمام القارئ. إن هذا الكتاب يملأ فراغًا كبيرًا لم تستطع الدراسات الكثيرة السابقة التي تناولت حياة كريم حكيموف أن تسده. ويكفي أن نعود إلى الفصول التي يتحدث فيها عن الفترات المجهولة من حياه البطل. ففي حين تناولت الدراسات السابقة للباحثين الروس فترة عمله الدبلوماسي الناجح في الجزيرة العربية بقيت سنوات حياته في تركستان وبلاد الفرس مجهولة ولم تحظ بالاهتمام الكافي أو الدراسة العميقة.

وللمرة الأولى أيضا يورد أوليج أوزيروف العديد من الحقائق الهامة التي تزين هذا الكتاب. وعلى الرغم من تناوله موضوعا تناوله الكثيرون قبله فقد استطاع أن يكتب تاريخ نشأة وتكوين وتطور هذه الشخصية الفريدة والتي لن تتكرر، ألا وهي شخصية البطل كريم حكيموف.  وقام بذلك بفضل الدراسة العميقة والشاملة لمواد أرشيفية ومن خلال استيعابه الكبير لكل ما كتبه السابقون وإسهاماتهم التي كانت محل تقدير منه. غير أنه كثيرًا ما يتعرض بالنقد لبعض الفرضيات التي وردت في أعمال السابقين ويقترح في المقابل تصوره الشخصي لهذا الحدث أو ذاك من حياة البطل داعمًا ذلك بالحجج والبراهين. لم يسع الكاتب إلى تصوير البطل على نحو مثالي بل تحدث عنه بوصفه إنسانًا يمتلك العديد من المواهب والقدرات ولكنه في الوقت نفسه به نفس نقاط الضعف الإنسانية وقضى بذلك على بعض التصورات النمطية التي حاول الباحثون السابقون تقديمها عن البطل.

نجح المؤلف في رسم لوحة كاملة لحياة ونشاط البطل لكن الكتاب لا يتحدث فقط عن حياة شخص واحد بل عن مصير الإسلام والشيوعية في روسيا السوفيتية كما ورد في عنوان الكتاب. وهو موضوع صعب كان موضع دراسة وبحث على مدى عقود سواء من العلماء الروس أو الأجانب وكان موضوع نقاشات وجدل وصدامات دامت حتى اليوم. ومن خلال تناول سيرة حياة البطل الثرية يقدم أوليج أوزيروف مقتطفات من التاريخ الدراماتيكي لبلدنا في فترة التقلبات الثورية وقيام الاتحاد السوفيتي.

وبعد قراءة عنوان الكتاب واسم المؤلف يتوقع القارئ على ما يبدو منه كدبلوماسي رفيع المستوى أن يركز اهتمامه على قضايا السياسة الخارجية الروسية وأن يتحدث عن هذا الجانب تحديدًا من حياة حكيموف. غير أن الصفحات الأولى من الكتاب تشير إلى أن فكرة الكاتب أوسع بكثير من ذلك وأكثر عمقًا. لا يكتفى المؤلف بالحديث عن حياة وإنجازات انسان مهما كانت أهميته (ودور حكيموف عظيم في تاريخ الدبلوماسية السوفيتية) بل يرغب في مشاركتنا رؤاه حول ماضي بلدنا. لقد نجح في إلقاء الضوء على قضية صياغة النهج الدبلوماسي الخارجي لبلدنا وكذا سياستنا الوطنية والصراع بين مختلف التيارات في الأقاليم الإسلامية وتطور النظام الاتحادي.

ولا يسعى الكاتب لتفادي الحديث عن موضوعات حرجة في تاريخ بلدنا قام بتحليلها كرجل وطني محب لبلده. سيكتشف القارئ في هذا الكتاب بعض الفقرات التي تتحدث عن الصراع والتنافس بين قيادات وزارة الخارجية السوفيتية وتناقضات وصراعات بين بعض الوزارات أو مجموعات مصالح وسيقوم بتقييم العديد من الشخصيات التي لعبت دورًا مهمًا في مصير البطل ومن هؤلاء على سبيل المثال شخصية أحمد ذكي وليدي.

ومن خلال سيرة حياة البطل يمكن أن نرى بوضوح خريطة النهج السياسي لبلدنا ما قبل الحرب ونتعرف على انتصاراتها وإنجازاتها وكذا اخفاقاتها المأساوية. إن التنوع والثراء الذي نلاحظه في هذا الكتاب يجعله يندرج تحت أجناس كثيرة – الكتاب العلمي والأدبي والأدب الاجتماعي.  وهو الأمر الذي يجعل منه عملًا شيقًا ومهمًا لقطاع عريض من القراء. هذا الكتاب تقرأه دفعة واحدة ولا يمكن أن تتركه من بين يديك.

ربما تبدو بعض تقديرات وأحكام المؤلف محل جدل وهذا ما يجعل الكتاب قيمًا وثريًا حيث إنه يدعو إلى التفكير. وإني لعلى ثقة أن صدور هذا الكتاب قد أثار اهتمامًا كبيرًا وخاصًا في باشكيرستان وتتارستان. ولكوني أعلم عن يقين اهتمام العرب أيضا بشخصية كريم حكيموف يمكنني القول بثقة أن هذا الكتاب سيترجم إلى العربية.

مؤلف الكتاب السفير أوليج أوزيروف مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حفيد الملك عبد العزيز مؤسس المملكة العربية السعودية

لدي رغبة في قول المزيد عن هذا الكتاب لكني سأترك للقارئ الحكم بنفسه.

الكتاب ملحق به ثبت مصور بالألوان لوثائق وصور للمؤلف وصاحب السيرة، وصمم غلافه أشرف أبو اليزيد، وسيتاح في معرض القاهرة الدولي للكتاي (يناير – فبراير 2024)، بجناح جمعية الشعوب الأوراسية ووكالة الكتاب الأوراسية، بالتعاون مع البيت الروسي في القاهرة.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات