بدائل زمهرير الكاف الدافئ؟! (3)

09:46 صباحًا الأحد 31 ديسمبر 2023
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

كاريكاتور للفنان الإسباني انريكو فيوري مصورا جمهور المهرجان

يقع المركز الثقافي ” الهادي الزغلامي ” في قلب وسط مدينة الكاف الأمر الذي يمنحه ميزة أن يكون أمام أعين الجميع بحيث يشعر كل مواطن في هذه المدينة بنشاطه الدؤوب فما بالكم إن كان مهرجان فني وثقافي كبير يقدم للجميع تلك الوجبة الدسمة من الثقافة و الفنون دون مقابل، ولا يهدف إلا لخدمة المجتمع و جعل الكاف العالية الشاهقة منارة كونية للفنون والثقافة تنتصر للقيم الإنسانية النبيلة ويصل إشعاعها إلى أربعة أركان الأرض، في أخر أيام المهرجان كانت فعاليته قد بلغت ذروتها و كأنها تتحدى برودة الطقس و الانخفاض الشديد في درجات الحرارة بزيادة النشاط و تفاعل الجميع مع الجميع من المشاركين و الجمهور و رواد المركز الدائمين لتحول زمهرير الكاف إلى زمهرير دافئ إن (جاز التعبير) حيث طغى دفء المحبة و المودة بين الجميع على الطقس القارس، و كانت حركة المشاركين و جمهور المهرجان و حتى المارة تشبه الرقص تحت أمطار الخير الغزيرة التي تهاطلت على الكاف بعد جفاف ليس بالقصير وكأنها تشارك المدينة الفرحة و الاحتفال ..

أفيش ورشة الكاريكاتور الخاصة بالأطفال.. كان للأطفال نصيب في بدائل

بلغت نشاط المهرجان ذروته خاصة بعد أن تجاوزت أنشطته مراحلها الأولى و بلغت مرحلتها النهائية .. بتفاعل الجمهور مع الندوات و الحفلات، و إفساح أبناء مدينة الكاف و المركز المجال للضيوف من المشاركين حيث تنازلوا لهم بأريحية عن التوقيتات المميزة و المبكرة لهم مؤجلين أنشطتهم الفنية و سمرهم إلى الساعات المتأخرة ليلا، فيما إستمرت الورش التي كان في مقدمتها ورشة الكاريكاتور الخاصة بالأطفال ل 12 طفلا مناصفة بين الإناث و الذكور خلال ثاني و ثالث أيام المهرجان و أشرف عليها الأستاذ “بلحسن الوسلاتي” مع الحرص على حضور الأمهات و الأباء مع بناتهم و أبنائهم لمشاركاتهم تلك اللحظات الفنية الهامة لإعداد فنانين تشكيليين المستقبل ..

كاريكاتور للفنان الاسباني انريكو

ومنذ ما قبل بدء المهرجان رسميا كان معنا فنان الكاريكاتور الأسباني الدمث ” انريكو فيوري” الذي حرص على تسجيل كافة لحظات الحدث و شخوصه منذ فترة الإعداد ليخلد الحدث و المشاركين و الجمهور بريشته المبدعة ..

وكان لجمهور المهرجان لقاء هام مع الشاعر الكبير و المخضرم ” عادل المعيزي ” الذي قدم مجموعة من قصائده التي أثارت الشجون و مست المشاعر متنقلا بنا بين فلسطين و بغداد و بقية أرجاء الوطن الكبير المفعم بوجع سرمدي، ثم أخذنا إلى ذكريات الكتاب و المبدعين بعضهم ممن رحل من الأصدقاء القدامى الذين عرفناهم عن قرب، لكنه أبى أن يغادرنا و في قلوبنا غصة فعاد بنا إلى ذكرياته الجميلة عندما رزق بنجله ” مجد ” الذي كان بيننا و أسمعنا و أسمعه معنا صوته عندما كان رضيعا و قد أصبح اليوم صبيا يافعا على أعتاب الشباب، و ربما كان أجمل و أطرف ما في فقرة الشاعر ” عادل المعيزي ” هو التقديم الذي قامت به الشاعرة الصغيرة جدا في العمر كريمته ” مايا ” تلك العصفورة الجميلة المغردة التي ملأت أجواء المهرجان و كواليسه بالبهجة ..

الشاعر عادل المعيزي و تقديم رقيق من كريمته مايا

مهرجان حافل و صاخب مثل مهرجان الفنون الملتزمة “بدائل” يصعب على المرء تغطية فعالياته المستمرة و الإلمام بكافة أحداثه أو حتى الإشارة إليها لتعددها و تتاليها ..

لكن من السمات المميزة للمهرجان ثلاثة من شباب مركز “الهادي الزغلامي” كان لهم دور جاد في إثراء النقاشات هم إلياس الجبالي، و يوسف السالمي، و محمد عباسي ..

و خلال سهرات المهرجان كنا نستمتع بالأداء الكوميدي اللطيف للفنان المسرحي الشاب “حمزة طرابلسي”، و مداخلات و حكايات و أشعار المسرحية الشابة ” أنس عبد الحفيظ ” ..

فيما قدم لنا الكاتب “فاروق بحري”، و الفنان “عمار بلغيث”، و الأستاذ “محمد عباسي” مداخلات إتسمت بطرافة موضوعاتها المرتبطة في معظمها بولاية الكاف…

أغاني التونسيات من خلال مرددات نساء بلدة الكنائس :

إلي بلدة ‘الكنائس” التابعة لمعتمدية “مساكن” بولاية سوسة تنتمي الصحفية و الباحثة “سلمي الجلاصي” حيث تزدهر الثقافة الشفاهية من خلال أسهل و أكثر أنواعها ترديدا “الغناء”، أو كما وصفتهم هي في بداية مداخلتها بقولها “في بلادي النساء تغني” .. و يعد كتابها “أغاني التونسيات من خلال مرددات بلدة الكنائس” أحد روافد أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه ..

و أغاني النساء بصفة عامة و في بلدة “الكنائس” بصفة خاصة تعكس أحلام النساء و أمانيها، و تمردها على الواقع الذكوري المعيش أحيانا .. فضلا عن نضال هولاء النساء من أجل إفتكاك حقوقهن الإجتماعية و القانونية و الإنسانية في مجتمع لا تختلف سماته عن سمات المنطقة المحيطة به ..

و تعرضت في مداخلتها لرد الفعل الذكوري على تلك الأغاني بإبداع مضاد بعضه ساخر مثل أغنية “النسا النسا” للمطرب و الملحن الكبير “محمد الجموسي” إلى غير ذلك من إبداعات مماثلة ..

و تعرضت أيضا إلى إختزال الأغاني الخاصة بالنضال الوطني للشعب التونسي و أبطالها في شخص الزعيم ” الحبيب بورقيبة” بصفته ( المجاهد الأكبر )..

وخلال مداخلتها صوبت بعض المعلومات الخاطئة حول معهد “الرشيدية” و تاريخ إنشائه ..، كانت مداخلة هامة لباحثة جادة و مجتهدة أضافت الكثير لجمهور المهرجان التواق للمعرفة ..

– و من المداخلة النظرية التنظيرية في الموسيقى إنتقلنا للممارسة الفعلية مع الملحن و أستاذ الموسيقى الفنان ” إحسان العريبي “، و عازفة الإيقاع الماهرة ” إيمان المورالي ” اللذان قدما لنا فاصلا موسيقيا غنائيا هاما في ختام المهرجان لم تغب عنه أغاني الثورة و الشيخ ” إمام عيسى ” و أشعار ” أحمد فؤاد نجم ” ..

– الجنرال يرد ويردد تحية عربية لاتينية تونسية لفلسطين و قوى الكفاح العادل في كل مكان :

بعد إستراحة حول نيران مدفأة المركز الخارجية تحت الخيمة الواقية من المطر على طريقة ” نيران المعسكر- Campfire ” في الفناء الخارجي الكبير لمركز ” الهادي الزغلامي ” .. تلاه فاصل مسرحي، ثم موسيقي لألحان أفلام الكارتون الشهيرة .. كان موعد الوداع على أمل اللقاء مجددا بعد إقتراح إستمرار الفعاليات على مدار العام ..، و بناء على طلب جمهور المركز من الشباب تقدم ” فؤاد سعداوي – الجنرال ” مدير المهرجان و المركز لتوجيه تحية على طريقته الخاصة كمثقف عضوي و فنان يجيد عدة فنون .. لضيوف المهرجان خاصة القادمين من كوبا و فنزويلا و لنضالات الشعب الفلسطيني المقاوم .. ليؤدي بنفسه أغنية ” تشي جيفارا ” التي وجهت كريمته ” أليدا جيفارا ” كلمة تحية و دعم للمهرجان و المشاركين و الجمهور ..

كان مشهدا مهيبا حميما يليق بمهرجان ينتصر لنضال الشعوب المكافحة و القيم الإنسانية النبيلة عندما بدأ “فؤاد” يؤدي أغنية “تشي جيفارا” يشاركه الجمهور من وسط صور زعماء النضال و التحرر “جمال عبد الناصر”، و ” تشي جيفارا “، و ” فيديل كاسترو “، و ” باتريس لومومبا “، و ” أحمد بن بيلا ” و غيرهم من رجال كافحوا من أجل العدل و القيم و المبادئ الإنسانية السامية إنتصارا للمستضعفين ..

و يطالب الجمهور بإعادة الأغنية كأنه يرفض إختتام المهرجان و إستمراره، و يرفع العلم الكوبي ردا لتحية ” أليدا جيفارا ” و الحضور الكوبي الرسمي، ليردد الجميع مجددا أغنية قديس الثوار “جيفارا ” قبل إلتقاط الصورة التذكارية لزمهرير الكاف الدافئ جدا .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات