تونس: سنة ثانية ثورة .. لا عزاء للثّوار

09:24 مساءً الإثنين 21 يناير 2013
سعيدة الزغبي خالد

سعيدة الزغبي خالد

إعلامية من تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

مرّت الذّكرى الثّانية للثّورة التّونسيّة منذ أسبوع باحتفالات غريبة أغلبها نسخ معدّلة لاحتفالات السّابع من نوفمبرأيّام بن علي (ذكرى الاحتفال بانقلاب بن علي على بورقيبة ) .. و بعضها لم يكن احتفالا بقدر ما كان وقفة مع النّفس تساءل فيها بعض التّونسيّين .. ماذا فعلنا بأنفسنا ؟!!

كثرت الرّايات المرفوعة في الشّارع الرّئيسي الذّي أصبح يحمل أكثر من اسم فهو شارع الحبيب بورقيبة و هو شارع 14 جانفي و الله وحده يعلم ماذا سيكون غدا .. تعدّدت الرّايات بحجم الإنقسام بين التّونسيين و اختلفت الألوان بحجم الأطماع و الأجندات و المواقف ..و تاهت الرّاية الوحيدة التّي جمعت كلّ هؤلاء خلال أحداث الحوض المنجمي و قبلها خلال أحداث الخبز ثمّ خلال التّحرّكات الأخيرة أواخر سنة 2010 و بداية سنة 2011.. العلم الوطني .. كان لونا واحدا وشعارا واحدا و فكرة واحدة جمّعت الفرقاء و حرّكت نوازع الخير و بدأ النّاس ينزعون هواجس التّخوين و التّخويف و التّكفير و فتّحت كلّ الأبواب أمام الكلّ , و تقاسم النّاس الماء و الخبز و الألم و الأمل , و خرج الأهل و الغرباء لحماية الأحياء .. مزّق البعض صحفهم القديمة و بدأوا فصولا من الإعترافات في الشّوارع .. الكلّ يحدّث الكلّ .. أصبح الغرباء حماة يرافقونك إلى بيتك و سوّاق التّاكسي يتطوّعون لإيصالك إلى حيث تريد و لا يسألونك عن ذلك أجرا .. بعض الخبّازين فتحوا أفرانهم مجّانا للعابرين و بيّاعوا الخضراوات يمنحون من لا يستطيع الدّفع ما يحتاج بابتسامة كبيرة و قلب أقرب إلى المحيط .. كانوا كأنّهم يولدون من جديد .. و لكنّ المخاض لم يكتمل إذ سرعان ما بدأت الشّائعات .. سيّارة اسعاف تحمل مجرمين و معتدين , سيّارات إسعاف اختطفها الهاربون من السّجون .. القنّاصة فوق الأسطح .. السّائرون في الشّوارع الذّين كنت تستأنس لرفقتهم إذا فاجأك حضر التّجوال , أصبحت تبحث في أعينهم عن نوايا الغدر و ترصد أيديهم خوفا من أن تشهر مسدّسا أو سكّينا .. تعسّرت الولادة الجديدة ثمّ مات جنينها فجأة و عاد الخوف يسكن القلوب و العيون و عشّش الشكّ في العقول حتّى أصبح هوسا .
مات من مات و جرح من جرح و هرب من هرب و هاجر سرّا من هاجر , اختفى البعض ..و تنكّر البعض حتّى لنفسه القديمة و استعدّ لبدأ رحلة صعبة من التلوّن بقدر صعوبة تحسّس الطّريق في ظلّ كلّ تلك الصّراعات و ظهور الأحزاب مثل الفقاقيع و تباين المصالح ..و في ظلّ نسيان الرّاية الوطنيّة .. من جديد .
مرّت سنتان إذن .. و تدافعت الجرائد و القنوات التلفزيّة و الإذاعيّة لإعلان ثوريّتها .. و بدا كأنّ أحدا لم يتّهم المتظاهرين باللّصوص و المخرّبين كأنّ أحدا لم يبارك خطاب بن علي الأخير و كأنّ أحدا لم يدع النّاس للنّزول في الشّوارع لدعمه .. بدا كأنّ أحدا لم يكن مورّطا بشكل أو بآخر مع بن علي و نظامه رغم أنّ الوجوه هي نفسها و الأسماء هي نفسها .. لقد بدأنا فتحا جديدا في نفاق الثّورة.. و النّاس في الشّوارع لا يفهمون لماذا اشتعلت الأسعار و اختفى الحليب و رجال الشّرطة .. لماذا تغلّق الأبواب قبل التّاسعة ليلا و لماذا كلّ هذا العدد من المومسات الرّاتعات في الشّوارع المقفرة ..النّاس لا يفهمون لماذا تتبادل المؤامرات و الإتّهامات في المجلس التّأسيسي و في مؤتمرات الأحزاب و تحرّكات اتّحاد الشّغل .. لماذا تتضخّم جرايات أعضاء المجلس التّأسيسي الذّين كان شعارهم الموحّد تقريبا خلال حملاتهم الإنتخابيّة ” سنعمل مجّانا .. سنضحّي من أجل تونس الجديدة فإذا بتونس الجديدة تكاد لا تجد ما يسترها و لا من يسدّ رمقها في حين تستدير كروشهم و تلمع بشراتهم و تختفي تجاعيدهم و ينضب ماء وجوههم و تكاد تبرز من أفواههم أنياب مصّاصي الدّماء .
بعد سنتين تكلّم السّياسيون و ثرثر كالعادة المثقّفون و الإعلاميّون و الفنّانون و المحامون و القضاة كثيرا و بدا أنّ الجميع كان في الشّارع يوم 14 جانفي ( يناير ) 2011 إلاّ هؤلاء الذّين ماتوا و الذّين جرحوا و الذّين صرخوا في وجه الطّاغية أن ارحل .. بعد سنتين تخاصم الفرقاء و تبادلوا الشّتائم و اللّكمات و اجتمعوا أمام الكاميراوات يتبادلون التّهم من خلف بذلاتهم الثّمينة و أغلب التّونسيين في الشّوارع و البيوت مازالوا يتساءلون ما الذّي حدث و من هؤلاء ؟لكنّ لماذا هرب ؟؟ سؤال لم يجب عنه أحد و لم يطرحه أحد .. كلّهم نقلوا لنا التّفاصيل عن “كيف هرب ” بدقّة كتّاب الدّراما لكنّ لماذا بقيت سؤالا معلّقا في عقول التّونسيين الذّين خرجوا ليكفّ أذاه و أذى عائلته و أصهاره عنهم ..كفّوا و هربوا .. فاستوى اللّصوص الجدد و النّهابون و المتلوّنون و الإنتهازيّون و التّافهون و الخائنون و المنافقون و أغنياء الثّورة الجدد على كلّ العروش .. أعدّوا لنا احتفالا مستنسخا عن احتفالات ذكرى التّغيير أيّام بن علي أيّام التّغرير ,و مشى النّاس في الشّوارع لا يدري أكثرهم هل كانوا يسيرون في موكب احتفال بذكرى الثّورة أم كانوا يشيّعون آخر أحلامهم و آمالهم فيها .. و أعلنوا عليها حدادا أبديّا

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات