كيف نفض الخناقة فى مصر؟

06:57 مساءً الإثنين 28 يناير 2013
محمد فتحي

محمد فتحي

كاتب مصري، وأكاديمي وإعلامي، معد للبرامج التلفزيونية. وتنشر مقالاته في الصحف المصرية والعربية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

هذا السؤال يمكنك الإجابة عنه حين تكون ابن بلد حقيقى، فمصر الآن فى خناقة كبيرة تجعلك تتذكر خناقات الشوارع التى كنا نشاهدها حين كنا صغاراً، ولا نعرف من على الحق، ومن على الباطل، ولذلك كنت ترى نماذج غريبة وسط الخناقة.

· نموذج (إحنا نروح القسم): وينطلق هؤلاء من مبدأ (اللى له حق ياخده)، وان (اللى مارباهوش أبوه وأمه تربيه الحكومة)، وينتهى الأمر فى النهاية بالتصالح بعد تهديد الطرفين بالبهدلة التى ستلحق بهما فى (القسم)، لكنها تستمر إذا كان (المرواح) للقسم فى صالح أحد الطرفين لأن له معارفه هناك.

· نموذج (عايزين دم.. عايزين دم): وهم ناس تنفخ فى الخناقة وتقوم بتسخين الطرفين، لتشاهد الدم، وربما تخرج موبايلاتها وتجلس تصور الأمر وحين يقع ضحية تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.

· نموذج (صلوا ع النبى أمال): وهم ناس تحاول فض الخناقة عن طريق تذكير الناس بربنا وبالدين وبالأخلاق، وما أن يصلى أحدهم على النبى حتى تهدأ الخناقة، لكنها تشتعل أكثر حين (يطنش) طرفا الخناقة سيدنا الشيخ، ليدخل الشيخ هو أيضاً فى الخناقة اعتراضاً على الإساءة له، وللدين، رغم أن الدين لم يكن طرفاً فى الخناقة أصلاً لكنه (لبسك حق).

· نموذج (بطل ياض لعب عيال إنت وهو): وفى الغالب يكون رجل حكيم هو صاحب هذه العبارة، لكنه ليس مجرد رجل حكيم وخلاص، وإنما ذو هيبة وذو شأن، يرتدع له الجميع بمنطق (اللى مالوش كبير يشترى له كبير).

· نموذج (المية -لامؤاخذة- الوسخة): وهو نموذج من ربات البيوت ورجال المنطقة يشاهدون الخناقة بشغف فى بادئ الأمر فى انتظار أن تضع أوزارها، ثم لا يعجبهم تمادى الطرفين، وطول الخناقة ووجع دماغها، ولذلك يأتون بمية (وسخة) ويقذفونها على الجميع من البلكونة.

حسناً.. مصر الآن فى خناقة كبيرة، لا نستطيع فيها الذهاب للقسم (الحكم)، إما لأنه محروق فى السويس، أو لأنه (مسيس) لصالح الإخوان، أو (غير مؤهل) للحكم فى الخناقة، إذ يستسهل فيفتح النار على الجميع، كما أن العديد من الناس والجهات والمستفيدين من تفجير الوضع وبعض وسائل الإعلام تلعب دور (عايزين دم) للنفخ فى الخناقة، فإذا أضفنا نموذج (صلوا ع النبى امال) الذى كان يمكن أن يلعبه الأزهر لكن تم تهميشه وتسييسه وطناش قرارات مجمع البحوث الإسلامية بشأن الصكوك لا لشىء إلا لتمرير صفقة مشبوهة، وإذا وضعنا فى الاعتبار أن رجال الدين الآن أصبحوا مسيسين -ربما- بالكامل للدرجة التى لا تسمح لهم بفض الخناقة، سنكتشف أن نموذج الرجل الحكيم بتاع (بطل لعب يا ابنى انت وهو) انقرض أصلاً، فمصر ليس فيها كبير أو شخص لم تطله (بشلة) تخوين من هنا أو هناك لتظل (معلمة) عليه، تصبح النتيجة أن الناس العادية البسيطة (زهقت) من الرئاسة والإخوان والسلفيين والمعارضة والثورة والثوار وتتمنى أن تلقى بـ(مية وسخة) على (الكل كليلة)، لا سيما أن ما ينطبق على الصراع السياسى الآن فى مصر هو أغنية إسماعيل ياسين وشكوكو: «لا انت القرد.. لا هو القرد.. لا انت لا انت لا انت القرد.. لا هو لا هو لا هو القرد»، ولا أحد يدرك أن الأحمر لون مؤخرة القرود، كما أنه للأسف الشديد.. لون الدم الذى ما زال يراق ولا أحد يوقفه.

المخربون موجودون ومعروفون، ومن يعطى لهم حق (الخناق) باسم الثورة عليه ألا يبكى حين يعطى بعضهم الحق لمخربين آخرين باسم (الجهاد)، ومن يبرر العنف والتخريب لصالح الثورة عليه ألا يلوم أحداً حين يتبع نفس المنهج من التيار الآخر، والنتيجة النهائية أن الخناقة هى المستمرة، وليست الثورة.

يا أهل الله ياللى هنا.. ستتوقف الخناقة حين تكف الجماعة عن نهضتها، وحين تكف الجبهة عن الإنقاذ، ولسان حال الكثيرين الآن هو: «ضيعتوا البلد يا ولاد الـ……..»، وضع ما تريد مكان النقط، ولن يكون كافياً..

أبداً.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات