أول موسوعة عربية عن جغرافية اللغات

11:09 صباحًا الخميس 31 يناير 2013
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

لأول مرة باللغة العربية، يصدر كتاب يختص بجغرافية اللغات في العالم، حيث اعتمد الباحثان الدكتور محمد مدحت جابر والدكتورة فاتن البنا في تأليفه على كمٍّ ضخمٍ من المراجع العلمية الحديثة في مجال اللغات وتوزيعها الجغرافي، ومن ثمَّ تتبع ظهورها واختفائها وتحولها، وتطورها.

يطرح كتاب “جغرافية اللغات” الصادر عن مكتبة الإسكندرية عدة أسئلة؛ منها، لماذا هذا الكتاب؟ وما الفرق بينه وبين الكتابات اللغوية التي تناولت اللغات بالتحليل والدراسة؟ وما الفرق بين جغرافية اللغات، وبين الجغرافيا اللغوية؟ وعديد من الأسئلة الأخرى، وسوف تجيب فصول الكتاب عن كل هذه الأسئلة.

هذا وقد حظيت جغرافية اللغات ببعض الاهتمام في مطلع القرن العشرين، وفي منتصفه، أكثر مما عليه الحال اليوم. ينسحب ذلك على الكتب التي تحمل عنوان “جغرافية اللغات” وعلى المقالات المنشورة في الدوريات العلمية العالمية. وكانت معظم الكتابات المشار إليها مواكبة لحركة إعداد وتأليف الأطالس اللغوية، التي نهض بها اللغويون دون غيرهم.

لذا فإن غياب الاهتمام بدراسة اللغات من منظور جغرافي حفَّز المؤلفين على تأليف هذا الكتاب، خاصةً أن بعض كتب الجغرافيا البشرية والحضارية والإقليمية تخصص للغات بضعة صفحات قليلة أو أحيانا فصلاً أو فصلين لدراسة اللغات ضمن سياق الكتاب، لكن هذا لا يشفي غليل الباحث الجغرافي الذي يرغب في دراسة اللغات دراسة منهجية مفصلة وحدها دون أن تكون ضمن موضوعات متعددة.

يقع كتاب جغرافية اللغات في أحد عشر مبحثًا ضمت واحدًا وثلاثين فصلاً تناولت موضوع اللغات من جوانب جغرافية متعددة، وسوف يلحظ القارئ تباينًا في حجم الفصول، ويعكس ذلك التباين في أهمية الموضوعات المعروضة للبحث وطبيعة تناولها، وليس قلة في البيانات أو المعلومات الخاصة بها كذلك، وسوف يكتشف القارئ أن الكتاب أورد أحيانًا بعض القضايا اللغوية الخالصة، وكان ذلك لصعوبة تناول الدراسة الجغرافية للغات دون التطرق ولو بإيجاز للموضوع من منظور لغوي حتى يمكن فهم التحليل الجغرافي. وقد حرص المؤلفان على الإشارة إلى كل المصطلحات في جغرافية اللغات، وفي اللغويات بالعربية وبغير العربية تتمةً لفائدة الباحثين فضلاً عن تزييل الكتاب بثبت للمصطلحات.

تناول الباب الأول من كتاب جغرافية اللغات موضوع جغرافية اللغات، والفرق بينه وبين اللغويات الجغرافية، وضم الباب الأول فصلين تناول الأول منهما الأسس الفلسفية لمناهج ومداخل جغرافية اللغات وتناول الفصل الثاني تطور دراسة الجغرافيا اللغوية على مدى قرن من الزمان، سواءً من المنظور اللغوي أو المنظور الجغرافي.

وتناول الباب الثاني أهم المفاهيم والنظريات والأفكار التي تناولت اللغات بالتفسير والدراسة من المنظور اللغوي والجغرافي. أما الباب الثالث فتناول المستويات اللغوية والثقافية بالدراسة وضم الباب ثلاثة فصول، تناول الأول منها اللغة النموذجية واللغات الإقليمية والصناعية، وتناول الثاني اللغات المبسطة والكريولي والوسيطة، أما الفصل الثالث من الباب الثالث فتناول دراسة التمييز بين المناطق اللغوية والمناطق الثقافية.

وفي الباب الرابع، اتضح المنظور الجغرافي الخالص للغات في فصول الباب الأربعة؛ تناول الأول منها الجغرافيا التاريخية للغات منذ نشأة الإنسان على كوكب الأرض، تلي ذلك دراسة الجغرافيا التاريخية للكتابة، باعتبار أن اللغة المكتوبة جاءت تالية للغة المنطوقة، تلي ذلك دراسة أحد الموضوعات الجغرافية “الكلاسيكية” وهو أسماء الأماكن الجغرافية وكيف نشأت؟ وكيف تغيرت عبر الزمان مع تغير “اللاندسكيب” المادي والحضاري. وفي الفصل الأخير من هذا الباب تناول المؤلفان موضوعًا جغرافيًّا مهمًّا وهو اللغة من وجهه نظر عملية الانتشار.

وضم الباب الخامس أربعة فصول أيضًا تناولت التوزيع الجغرافي للغات مما يعكس الأبعاد المكانية للغات بجلاء. وفي الباب السادس تناولت فصوله الأربعة اللغات المندثرة والمهددة بالزاول، وركَّز البحث على أسباب هذه الظاهرة، مع ربطها بالعوامل الجغرافية والديموجرافية والسياسية واللغوية والنفعية.

وفي الباب السابع تناول الكتاب موضوعًا جغرافيًّا خالصًا وهو التمثيل الكارتوجرافي للغات والذي ظهر مبكرًا مصاحبًا لحركة إعداد الأطالس اللغوية الباكرة في القرن التاسع عشر، وتحديدًا في ألمانيا وفرنسا.

وفي الباب الثامن تناولت فصوله موضوع التعقد اللغوي، وعلاقة ذلك بالتعقد الجغرافي خصوصًا المورفولوجي والإثني، كما هو الحال في منطقة القوقاز وبعض أرجاء إفريقيا، وبابوا نيوغينيا. وتناول الباب كيف أن التعقد اللغوي قد يؤدي إلى التغير اللغوي  أو حتى التحول اللغوي وزوال اللغة تمامًا وإحلال أخرى محلها.

وفي الباب التاسع اتضحت العلاقات والوشائج بين المعطيات الجغرافية، ومعطيات عديد من العلوم والتخصصات المساندة، وجاء الباب بعنوان “اللغة ومعطيات البيئة الاجتماعية والحضارية”، وضم الباب خمسة فصول؛ لذا فهو صاحب أكبر قدر منها في كل الكتاب.

وفي الباب العاشر وبه أربعة فصول، ناقش موضوع اللغة والأبعاد الجغرافية السياسية. وركز الباب على الأحادية اللغوية والثنائية اللغوية أو التعددية اللغوية، وكيف تتفاعل ديناميات السياسة واللغة سويًّا. واختتم الباب بدراسة لغات الأقليات والجاليات وهي مشكلة بدت على مسرح الأحداث، خصوصًا مع زيادة عدد المهاجرين والأجانب واللاجئين من القاطنين في غير بلادهم لأسباب متعددة.

وفي الباب الحادي عشر والأخير، ناقش المؤلفان أهمية التقنيات الحديثة في دراسة جغرافية اللغات واللغويات بصفة عامة، والتي أتاحت السرعة والدقة في تناول اللغات بالدراسة بصورة واضحة عما كان عليه الحال من قبل حين كانت دراسة اللغات تستغرق سنوات أو أحيانًا لا تكتمل الدراسة، بيمنا أتاحت هذه التقنيات، وخصوصًا الحاسبات الآلية والنظم الإلكترونية ونظم المعلومات الجغرافية GlS وغيرها مجالاً لزيادة الاهتمام باللغات ودراستها.

يدعم الكتاب نحو أربعين شكلاً وخريطة ليمكن فهم أبعاده، وتفاصيله كما ألحق به مئات المراجع، رأى المؤلفان إطلاق اسم “ببليوجرافيا” عليها نظرًا لعدم إمكان الاطلاع على قليل منها، غير أنهما حرصًا على إيراد ما توفر من مصادر ومراجع في جغرافية اللغات لفائدة الباحثين والقرَّاء، وتسهيلاً لهم في التعرف عليها، وخصوصًا أنه من الصعب أحيانًا الحصول على مراجع في الموضوع، نظرًا لتهميش دراسة جغرافية اللغات في العقود الأخيرة.

وفي النهاية لا يسعنا إلا أن نأمل أن يكون هذا الكتاب ذا نفع للجغرافيين والباحثين والمثقفين والقراء عمومًا على اختلاف انتماءاتهم العلمية والفكرية، وأن يمثل إضافة حقيقية للبحث الجغرافي الرصين باللغة العربية.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات