بروفة للموت أعلى كوبرى 15 مايو

07:22 صباحًا الأحد 10 فبراير 2013
مصطفى شحاته

مصطفى شحاته

صحفى مصري، يعمل سكرتيراً لتحرير جريدة "التحرير"، مصر.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الزمان : صيف 2009.. مابين التاسعة إلى العاشرة مساء

المكان: أعلى كوبرى 15 مايو .. تحديدا فوق النيل أمام فندق ماريوت بالزمالك

الأشخاص : صديقى محمد مصطفى – شاب معاق ومعه شاب آخر يصغره سنا – – ضابط شرطة لا أعرفه – أنا.

أنا ومحمد نتمشى فى الشوارع كالعادة.. صعدنا السلالم من أمام فندق ماريوت إلى أعلى كوبرى 15 مايو.. الكوبرى خالى تماما من أى شخص أو سيارة إلا شاب معاق يجلس فوق كرسيه المتحرك ومعه شاب آخر على الرصيف فى الناحية التى يؤدى السير فيها إلى النزول أمام وزارة الخارجية ومن ثم ماسبيرو.. لم انشغل أنا أو محمد بسبب خلو الكوبرى بهذه الطريقة.. لم نعر الأمر أى اهتمام.. ونحن نمر بجوار الرجل المعاق نادى علينا وطلب أمر غريبا للغاية وهو أن نقوم بمساعدته للعبور إلى الاتجاه المعاكس من الكوبرى بتحريك الكرسي ثم رفعهما “الكرسي والشاب” فى منتصف الكوبرى إلى الاتجاه الثانى.

ارتبت فى الشابين وشعرت أن المعاق بالذات من هؤلاء الذين يستغلون ظروفهم الصحية الخاصة فى التسول والضحك على البنى آدمين، وسكت كثيرا أثناء حديثهما إلى محمد ظناً منى أنهما يريدان سرقتنا، أو افتعال أى مشكلة معنا بلا سبب، وحدقت فيهما طوال الوقت متجنبا الكلام، ومنتظرا التعامل مع أى بادرة للاعتداء علينا خصوصا من الشاب الذى يقف بجوار الكرسي المتحرك، فقد كان ينظر إليّ بارتياب أشد من ذلك الذى أشعر به نحوهما.

تحدثت محاولا إقناع الشاب المعاق بالنزول من الكوبرى – بمساعدتنا- والصعود من الناحية الأخرى، بعد أن قمنا بتجربة حمله بالكرسي على الرصيف وكان ثقيلا للغاية، لكنه رفض-، لم يشاركنا الشاب الآخر فى التجربة دون سبب واضح أكد لى أن هناك نية ما سيئة تجاهنا-، لم أستطع اقناع محمد مصطفى بالعدول عن هذه الفكرة بعدما رأيته متحمساً للغاية لمساعدة الشاب المعاق، وما كان على سوى الانصياع إلى الأمر والبدء فى العملية – هكذا تصورتها بعد ما حدث فى نهايتها-، أنزلنا الكرسي والمعاق من فوق الرصيف وسرنا قاطعين الطريق الخالى من السيارات حتى الآن- لم نفكر أيضا لما كل هذا الفراغ فى القاهرة المزدحمة وفى منطقة كالزمالك وكوبرى مثل 15 مايو يقضى البعض ساعات فى الوقوف عليه بسبب الزحام-، وصلنا إلى منتصف الكوبرى وبدأت مع محمد فى رفع الكرسى بالشاب لنقله للناحية الأخرى حتى ينتهى الأمر تماما ونعود إلى سيرنا بلا اتجاه محدد فى الشارع.. رفعنا الكرسي – ولم يشاركنا الشاب الثانى حتى الآن- وإذ بعدد ضخم من السيارات تمر بسرعة فائقة فى نفس الاتجاه الذى نرفع الكرسي لوضعه فيه.

الآن.. أنا ومحمد نرفع الكرسي الذي يحمل المعاق فى وسط الطريق.. وكم من السيارات تمر.. والشاب الآخر يقف فى نفس المكان الأول الذى التقيناهما فيه.. وفى وقت واحد.. وثانية واحدة.. وذهول مني ورعب لم انسه أبدا.. يخرج مجموعة من الأشخاص –لم أعرف عددهم طبعا- من السيارات المارة حاملين رشاشاتهم الآلية مصوبة تجاهنا..وكلمتين عاليتى الصوت تردد صداهما أعلى الكوبرى الخالى.. “أضرب””خلاص..خلاص مفيش حاجة”.

كان الصوت الأول –أضرب- لحرس الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق الذى خلى الكوبرى طويلاً من أجل مرور موكبه الطويل مثله، والصوت الثانى – “خلاص..خلاص مفيش حاجة”- لضابط الشرطة المسئول عن تأمين الموكب أعلى الكوبرى..

مر الموكب.. ونحن نقف وسط الكوبرى..بيننا الكرسي بصاحبه، ويقف أمامنا ضابط الشرطة مُستَفزاً ومذهولا وصارخا:”إيه اللى انتوا بتعملوه ده”ً.. صمت أنا تماما وحكى له محمد كيف كنا نود مساعدة هذا الشاب، ليتعجب من موافقتنا على هذا وعدم تفكيرنا فى أسباب خلو الكوبرى من السيارات، مستغربا نفسه لعدم رؤيتنا ونحن ننتقل بالكرسي المتحرك “أنا شفتكم واقفين على جنب فقولت خليهم واقفين على النيل ومرة واحدة لقيتكم فى نص الشارع وكان زمانكم ميتين وملكوش ديه.. اعتراض موكب يابهوات”.

أخرج الضابط سيجارتين “مارلبورو أحمر” وأعطاهم لنا، وسرت أنا ومحمد إلى مقهى فى وسط البلد، جلسنا عليه صامتين تماما حتى الصباح.. ولم نحاول حتى الآن “فتح سيرة” الموضوع من جديد.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات