على جثتى.. بطولة محمد مرسى

05:44 مساءً الجمعة 15 فبراير 2013
محمد فتحي

محمد فتحي

كاتب مصري، وأكاديمي وإعلامي، معد للبرامج التلفزيونية. وتنشر مقالاته في الصحف المصرية والعربية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

لا أحد يعرف أنه كان نائماً إلا حين يستيقظ؛ فالنوم فى أبسط تعريفاته هو حالة موت مؤقت، ولعل هذا ما أدركه الرئيس محمد مرسى حين استيقظ، لم تكن نظارته بجواره، وهكذا فسر رؤية الأشياء غائمة ومشوشة، لكنه لم يستطع تفسير تجاهل الناس له فى قصر الرئاسة، فلا ياسر على يرد عليه، ولا رفاعة الطهطاوى يجلس معه، ولا أحمد عبدالعاطى يلازمه كظله، ولا حتى أسعد ابن أخته، وكان كل شىء سيمر دون أن يتساءل: ماذا حدث؟ لولا أنه حين وضع يده على الحائط نفذت إلى الجانب الآخر، وهكذا اكتشف أنه ربما ليس على قيد الحياة، ربما يكون ميتاً بالفعل، وربما كان يحلم، المهم أنه فى حالة شبح يرى الجميع ولا يراهم، يسمعهم ولا يسمعونه، وهو غير قادر على التأثير فى أى شىء، مجرد مشاهد وليس رئيس جمهورية، والغريب أن أمور القصر كانت تسير بمنتهى الدقة للدرجة التى جعلته يتساءل: لماذا هو موجود أصلاً؟ وأى شىء يديره أو يترأسه فعلياً ما دام الجميع يمشون وفق نظام وليس وفق شخص. كاد يبتسم ويعيد الأمور إلى حنكته والنظام الذى وضعه، لكنه اكتشف أن الجماعة هى التى تستحق الشكر لأنها تدير كل شىء بالنيابة عنه، وتقف خلفه داعمة إياه فى مواجهة كل من يريدون القفز عليه، ولا يزال كلام خيرت الشاطر يرن فى أذنه؛ حيث قال له فى المرة الأخيرة التى زاره فيها فى منزله: «إنت فاكر إنك لو خرجت من الحكم وجه بدالك حد تانى هيسيبك؟! هيحاكموك زى مبارك ومش بعيد تاخد إعدام عشان اللى هيحاكموك هيحطوا فيك غلهم من الجماعة على بعضها». وحين سأله: طب والحل؟ رد «خيرت»: الحل إننا ما نمشيش، نفضل فى الحكم.. تسمع الكلام من سكات والجماعة تدير كما تريد لأننا أوصلناك إلى هنا، وبقاؤك صار جزءاً من بقائنا، ولهذا سنظل ندعمك ولو بالدم، وستظل تدعمنا حفاظاً على حياتك بعيداً عن أى شىء آخر.

كان «مرسى» يتذكر كل ذلك، وهو يسأل نفسه: هل أنا رئيس فعلاً؟ ما معيار كونى رئيساً؟ هل هو أن أمنع الدماء؟ أن أجمع الناس حولى ويحبنى الجميع؟ لا والله لن يحبنى الجميع. طيب، هل المعيار أن تمشى كلمتى وقراراتى على البلد؟ أنا قراراتى تمشى على البلد فعلاً، ولن أفعل مثل زمان وأعود فى كلامى مهما حدث، وشكراً للمسيرات التى تستخدم العنف معى فتزيد من شرعيتى وتعاطف البسطاء معى شخصياً. لكنه فجأة تساءل: وماذا لو قررت الآن تقنين جماعة الإخوان المسلمين مثلاً؟ هل سيوافق المرشد؟ وهل سيقتنع خيرت؟ وهل ستتحسن صورة الجماعة؟ ثم ماذا لو ارتكب أحدهم مصيبة؟ هل أنسى العيش والملح وأزج به فى السجن؟! هل أخون الأمانة؟!

كاد يواصل الأسئلة لولا أن الإجابات قاطعته فى إزعاج: أى قرار هذا الذى ستصدره بحق الجماعة بعد سنوات من العمل التنظيمى والولاء الكامل والبيعة؟ أى قرار وأنت تأخذ القرارات أصلاً منهم؟ وهل تظن نفسك أصلاً قادراً على أخذ أى قرار دون أن تعلمه الجماعة أو تصدق عليه، وحتى لو أردت أن تنقلب عليهم، انظر إلى معاونيك والمحيطين بك فى القصر لتعرف أنك حتى لو جربت الانقلاب فلن تفلح.. جاءت سيرة الانقلاب فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شر نفسه وقرأ المعوذتين، وجاءت فى ذهنه صورته الشهيرة والمرشد يحاول تقبيل رأسه، وهو يرفض ويحاول أن يفعل مثله، ثم هاجمته هتافات عديدة راحت تتزاحم فى رأسه لدرجة أزعجته وصور عديدة تمر بمخيلته لـ«جيكا» والحسينى أبوضيف ومحمد الجندى و«كريستى». هز رأسه بقوة، ونظر ناحية فراشه، وقرر أن كل ما مر به الآن مجرد حلم مزعج ووساوس غير طيبة ستزول بمجرد أن يستيقظ، لكنه تذكر أنه الآن قد استيقظ فعلاً، فقرر العودة إلى النوم، وممارسة مهام عمله.

«قصة خيالية خزعبلية لا علاقة لها بالواقع وكده».

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات