الوطن: الياسمينة الأولى

08:12 مساءً الأحد 24 فبراير 2013
نجوى الزهار

نجوى الزهار

كاتبة من الأردن، ناشطة في العمل التطوعي

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الوطن . كيف لنا ؟ كيف لنا أن نصف ذاك الذي لا يوصف ؟ . وكيف لنا أن نتلمس تلك العلاقة ؟ . فمفهوم العلاقة يؤكد وجود طرفين : طرف يأخذ وطرف يعطي …. فعل ورد فعل . ولكن الرابطة مع الوطن لا تتمكن منها أي تسميات وأوصاف ، لعلها تتشابه قليلا مع الماء , الماء الذي يروي عطشا ، الماء المنهمر مطرا ، الماء الممتد بحارا   محيطات   انهار …..الماء المتجول في خلايانا . وللماء حديث مائي.

هو موجود . هو باق . نتلمسه في طفولتنا . فنحن عندما نغادر أرحام أمهاتنا نكون قد انتقلنا من وطن الى وطن .

نتلمس الوجوه .  نبحث عن الأصوات . نخطئ كثيرا اذا ما اعتبرنا الوطن منفصلا عن منازلنا، عن أحاديثنا ، عن أسرتنا ، عن مقاعدنا عن شرب قهوتنا .

نحلم بالمستقبل . ندرس الدروس . نكتب الواجبات لكي يستمر الوطن فينا . نعيش ونحلم ثم نحلم لكي نعيش . نقرأ التاريخ لنسمع حديثا … نمسك بالحدود الجغرافية لنرى ماذا يحد أوطاننا شمالا  غربا  جنوبا  وشرقا .

مع الوطن ما من ماضي    ما من حاضر    ما من مستقبل

هو في ثنايا الروح ، وللروح تجليات ، وللروح آلام ، وللروح كلام عن الوطن وبالوطن .

هو في الزرع الذي نزرعه ، بل هو ممزوجا في خلايا التراب . فعندما يشتد الحنين نركع شاكرين ونقبل تراب الوطن ، فيكون هذا اللقاء – لقاء عاشقين لا يعرف مفرداته.

الوطن . الوطن العربي ” الأرض بتتكلم عربي الأرض” . تكلمت أوطاننا ، فكان وما زال الربيع العربي الذي تحدى هذه المقولة التي  تعاقبت من اللاوعي الجمعي أو في الوعي الواعي ” حاكم جائر خير من فتنة غاشمة”. فكان أن استعادت سماء أوطاننا سحبا ملونة …. عندما غادر أوطاننا الذين ظلموا . سحبا ملونة  . تعطي الكرامة قبل رغيف الخبز . سحبا ملونة فيها ألوان قوس قزح . كل لون هو في الحقيقة رسالة لنا بأن الوطن باق بربيع لا متناهي بأزهار الياسمين البيضاء ، بشقائق النعمان الحمراء ، بأزهار عباد الشمس الصفراء ، بالزنبق الأبيض بالبنفسج بالعشب الأخضر ، بأزهار الصحراء ، بورود الجبال بزهور أشجار البرتقال .

 الياسمينة الأولى

دمشق

الياسمين الأبيض الذي يتعربش في ثنايا دمشق ، في شوارعها  على اسطح منازلها ، على الأرصفة بتنكات الياسمين  التي يجمل بضاعتهم  بائعو الذرة  الصبارة   السكاكر  .هو وطن بلونه الأبيض ، بأريجه . فعندما يهب حب سوريا تهب معه رائحة الياسمين .

غادرت أمي وخالتي دمشق للانتقال الى عمان ، ولكن دمشق زحفت معهما الى عمان ….. الجلوس الطويل أمام التلفاز لمراقبة ما يجري….يكون ا لبكاء عاصفا أحيانا وهادئا أحيانا أخرى . تم تكون المداراه كلا منا منفردا لكي يتمكن كلا منا مداراة آلامه وأحزانه .

حاولت المساعدة

بدأت ألملم أزهار الياسمين ، اتخذت ركنا مخفيا  . أمسكت بالابرة والخيط .وبدأت بغزل أطواق الياسمين زهرة وراء زهرة . ترتجف يداي أحيانا . أشعر بوخز الابرة في أصبعي لأنتبه بأني قد سرحت مع ياسمينات بيتنا الدمشقي، أحاول الاستعجال ….. فثمة نداء ! : أين أنت يا ابنتي ؟ .

أمسكت بطوق الياسمين وطوقت به عنق أمي . أمسكت بطوق الياسمين وطوقت به عنق خالتي …

أشكرك . قالت أمي ، ولكن !

أحبك . قالت خالتي ، ولكن !

ولكن ماذا ؟

لمذاق الياسمين الدمشقي   لعطر الياسمين شيء آخر،  في الليل يتجول عطر الياسمين ….. يترك مكانه ……

أرجو أن تصدقيني ، انه يتجول ما بين مكان ومكان ……

نعم يا أصدقائي ! نعم ! ان الياسمين الدمشقي يترك المكان ويهرب من الزمان …. فعندما بدأنا بترديد :

سوريا يا حبيبتي              أعيدي لي كرامتي

رددت معنا زهور الياسمين : سوريا يا حبيبتي …….  ففاض المكان بماء الياسمين … فسرى ما بيننا عبقا سحريا مائيا … لتهدأ أرواحنا ، ونترحم على شهدائنا ، ونمسك بأطواق الياسمين المرئية وغير المرئية لنهديها الى كل الأرواح الطاهرة …

سوريا يا حبيبتي                 سوريا يا حبيبتي

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات