سبعة أقداح من الشاي والشعر

08:38 صباحًا الإثنين 25 فبراير 2013
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

لم يكن لو تونغ (عام 790- 835) ، شاعر أسرة تانغ مشهورا بقصائده فحسب  وإنما بولعه بالشاي. كتب لو تونغ أكثر من مائة قصيدة ولكن قصيدته (سبعة أقداح من الشاي) فقط هي التي بقيت حتى يومنا هذا.

كان احتساء الشاي هوايته الأولى ولهذا كانت هدايا أصدقائه من المناطق الأخرى إليه بعض الشاي. ذات مرة، شعر لو تونغ بإحساس جميل بعد ارتشاف قطرات من شاي جديد قدمه صديقه له. واصل الشاعر الشرب حتى احتسى سبعة أقداح ثم كتب قصيدة   (سبعة أقداح من الشاي) تعبيرا عن شكره لهذا الصديق.

جاء في القصيدة:

بعد قدح ترطب الحلق/ وبعد اثنين تخفف الهم/ وبعد ثلاثة توقد الذهن/ وبعد أربعة ذهب الكدر وظهر عرق خفيف/ وبعد خمسة ارتاح البدن/ وبعد ستة شعرت بأني خفيف مثل الملائكة/ بعد السابع بدا أن الريح تهب تحت إبطي.

وقد درج الناس على قول (ريح تحت الإبط) تلخيصا للشعور الجميل باحتساء الشاي.

للشاي في الصين بروتوكول وآداب، ذكرتها مجلة (الصين المصورة). فعندما يقدم المضيف الشاي لضيفه، يطرق الضيف المائدة بإصبعه الشاهدة وإصبعه الوسطى بخفة تعبيرا عن شكره. ويقال إن هذا الشكل من المجاملة الاجتماعية له علاقة بالإمبراطور تشيان لونغ، حيث يحكى أن الإمبراطور المهيب كان في جولة سرية، مرتديا ملابس عادية، مع بطانته في مدينة سوتشو. وقد شعر الإمبراطور بالعطش فأسرع إلى مقهى ليروي ظمأه، ولكن العاملين بالمقهى تأخروا، فما كان منه إلا أن أخذ الأكواب وصب الشاي لنفسه ومن معه. هذا التصرف أربك البطانة المرافقة وأدهشهم، فإذا سجدوا للإمبراطور، وهو ما يفعلونه عادة تعبيرا عن الامتنان لعظمته كشفوا عن هويته، وإن لم يفعلوا يكونوا قد خالفوا بروتوكول البلاط. أحد الخادمين وجد مخرجا بأن مد يده وحنى إصبعه الشاهدة وإصبعه الوسطى وطرق المائدة بخفة باتجاه الإمبراطور، في حركة تعبر عن السجود للإمبراطور. تشيان لونغ أعجب وسعد بهذا التصرف الذكي وأثنى على الخادم بصوت خفيض، ومن يومها صار ذلك تقليدا للتعبير عن المجاملة في شرب الشاي.  يحتاجُ الشاي الممتاز ماء ممتازا لإعداده. وتقول الوثائق التاريخية إن تشيان لونغ أصدر أوامره لقياس وفحص مياه الينابيع في الصين، وقد جاءت النتيجة أن مياه جبل يويتشيوان ببكين هي الأفضل. وأفضل المياه ذلك الندى الذي يتجمع على أوراق اللوتس. كان الإمبراطور تشيان لونغ، إمبراطور أسرة تشينغ محبا للسفر والترحال، وخاصة إلى منطقة جنوب حوض نهر اليانغتسي المعروفة بأفخر أنواع الشاي. زار منطقة إنتاج شاي لونغجينغ (بئر التنين) في مدينة هانغتشو أربع مرات لمتابعة أحوال شجيرات الشاي والوقوف على عملية قطف الأوراق وتصنيعها وحياة مزارعي الشاي، ثم الاستمتاع برشفات منه.

ومن أنواع الشاي ما ذكرته مجلة (الصين المصورة):

 شاي أنشي يويلو    

يزرع في أنشي بمقاطعة هوبي (الصين) ذات التاريخ العريق في إنتاج الشاي منذ فترة أسرة تانغ، والتي لا تزال إحدى المقاطعات الرئيسية المنتجة للشاي. شاي أنشي يويلو أحد الأنواع القليلة الباقية اليوم للشاي الأخضر الذي يعالج بالبخار. طريقة وأدوات معالجته قديمة جدا. قطف أوراق الشاي وصنعه عملية محكمة، إذ يجب أن تكون الأوراق رفيعة وناعمة ومنتظمة، بعد المعالجة بالبخار يجب أن تكون كل ورقة متماسكة ومستقيمة وأن يكون لونها زاهيا مثل أوراق الصنوبر؛ وبعد أن يوضع في الماء، يصبح الماء أخضر نقيا وذا رائحة طيبة. مذاقه  لذيذ، ولون ظهر الأوراق مثل اليشم الأخضر. استوردت اليابان هذا الشاي وتقنية صنعه منذ فترة أسرة تانغ، ولا تزال تصنع الشاي الأخضر بالبخار حتى أيامنا الحالية. وأسلوب صنع شاي يويلو في اليابان مثل أسلوب صنع شاي أنشي يويلو تقريبا.

 شاي بايهاو ينتشن

 هو نوع من الشاي الأبيض، يزرع في جيانيانغ وشويجي وسونغتشنغ بشمال وشرق مقاطعة فوجيان وفودينغ (الصين). تنبت أشجار بايهاو ينتشن على المنحدرات مثل الإبر البيضاء، أوراقها طويلة مثل الإبر. عند إعداده تنتشر “الإبر” واقفة في كل الكوب. يجعل لون الماء أصفر نقيا، رائحته طيبة. ولأنه لا يعالج بالفرك والتدليك يصعب أن يخرج عصير الشاي عندما توضع أوراقه في الماء، فيحتاج إعداده وقتا طويلا. وهو يقوي المعدة وينشط الأعصاب ويزيل الرطوبة والحرارة، لذا يستخدم كنوع من العقاقير الطبية دائما. في هونغ كونغ وماكاو دائما يضاف قليل من الشاي الأبيض إلى أنواع أخرى من الشاي لرفع نوعية الشاي.

 شاي بور

يزرع في منطقة شيتشوانغباننا بمقاطعة يوننان(الصين).  بور هي مركز تجميعه وتوزيعه منذ القدم، لذلك يسمى بشاي بور، الذي هو اسم عام لمختلف أنواع الشاي الأخضر والأسود المضغوط بالبخار في يوننان، يشمل شاي توتشاي وشاي بينغتشاي وشاي فانغتشاي وشاي جينتشاي. يتفوق شاي بور في رائحته ومذاقه وأيضا في  فعاليته العلاجية. يستخدمه المغتربون الصينيون ومواطنو هونغ كونغ وماكاو كنوع من مواد الرعاية الصحية.

 شاي بيلوتشون بمدينة سوتشو

يزرع في جبل تونتينغ على شاطئ بحيرة تايهو في محافظة ووشيان بمدينة سوتشو (الصين). يصنع هذا الشاي من براعم ورق الشاي التي تقطف في بداية الربيع. ويحتاج كيلو الشاي الواحد منه حوالي 130 ألف برعم. بعد تحميص البراعم تصبح الأوراق مشدودة خضراء، مع قليل من البياض في أطرافها وملتوية حلزونيا، لذلك يسمى “بيلوتشون” (الحلزون الربيعي الأخضر). بعد وضع الشاي في الكوب ترى “السحاب الأبيض” يتطاير وتفوح منه رائحة طيبة.

 شاي تيهقوانين بآنشي

 يزرع في آنشي بجنوب مقاطعة (الصين). طريقة معالجته معقدة جدا، حيث تصير الأوراق متماسكة بعد المعالجة، ويكون لونه أخضر غامقا مائلا إلى الأسود. النوع الممتاز منه ترى فيه طبقة من “الصقيع الأبيض” بسبب تبخر الكافيين أثناء صنعه، وبعد إضافة الماء المغلي إليه، تفوح منه رائحة السحلب الطبيعية. يشرب عادة في أدوات شاي “قونغفوتشاي” الصغيرة الدقيقة، ويبدأ الشارب بالاستمتاع برائحته الطيبة قبل ارتشافه. بعد اكتشاف أثره في تقوية الجسم وتجميله في السنوات الأخيرة، أصبح رائجا للغاية في اليابان وفي جنوب شرقي آسيا.

شاي لونغجينغ بمدينة هانغتشو

لونغجينغ اسم لمكان فيه نبع صار أيضا اسما لواحد من أشهر أنواع الشاي في الصين. يزرع شاي لونغجينغ في قرية لونغجينغ بمدينة هانغتشو في مقاطعة تشجيانغ جنوبي الصين. وشاي لونغجينغ نفسه ينقسم إلى أصناف، منها الأسد والتنين والسحاب والنمر. ويُعتقد أن الشاي الذي يزرع في قمة شيفنغ (الأسد) هو الأفضل. لونغجينغ يتميز بلونه الأخضر ورائحته الطيبة والذوق الطبيعي والشكل الجميل، ويعتبر مع ماء نبع هوباو من روائع هانغتشو. يحتوي ماء نبع هوباو على النتروجين العضوي وأنواع من المواد القابلة للذوبان وأنواع قليلة من المواد المعدنية، لذلك فإنه مناسب لجعل الرائحة الطيبة لشاي لونغجينغ تفوح. وينصح عند إعداد شاي لونغجينغ بماء نبع هوباو، استخدام كؤوس زجاجية شفافة للاستمتاع برؤية أوراق الشاي تتمدد في الكوب وتسبح وتهبط إلى قاع الكأس لتجعل لون الماء أخضر نقيا.

شاي ليوآن قوابيان

 يزرع في جبل دابيه، وأصنافه التي تزرع في محافظات صينية مثل ليوآن وجينتشاي وهوشان بمقاطعة آنهوي هي الأفضل. تقطف أوراق شاي ليوآن قوابيان في الربيع، شكل الورقة مثل حبة عباد الشمس، لونه أخضر، رائحته طيبة، مذاقه لذيذ، يمكن صب الماء المغلي فيه مرات. هذا الشاي لا يفيد فقط في إزالة العطش وحرارة الجسم، بل يساعد في الهضم. وقد وردت في كتاب (تشا جيان) لأسرة مينغ، وصفة طبية يستخدم فيها شاي ليوآن قوابيان مع العقاقير الطبية.

شاي ماوفنغ بجبل هوانغشان

 يزرع في جبل هوانغشان بمقاطعة آنهوي (الصين)، وخاصة في منطقة معبد يونقو ومعبد سونقوآن ومعبد دياوتشياوآن وبناية تسيقوانغ ومعبد بانسي بجبل تاوهوا. هنا القمم شامخة والأشجار وارفة، ووقت وسطوع الشمس قصير والسحاب والضباب كثير، وكلها ظروف طبيعية مناسبة لنمو هذا الشاي الذي يتغذى على السحاب والضباب، مما يجعل نوعيته ممتازة. قطف وصنع شاي ماوفنغ بجبل هوانغشان عملية غاية في الدقة. شكل الشاي الخارجي رفيع ومسطح وملتو قليلا، مثل لسان العصفور، ورائحته طيبة مثل رائحة السحلب الأبيض، وطعمه لذيذ. في جبل هوانغشان أنواع أخرى من الشاي، مثل شاي تونليوي بشيوفنغ، وشاي هوكوي بتايبينغ، وشاي لاوتشو دافانغ لمحافظة شهشيان.

شاي يانتشاي بجبل وويي  

 يزرع في جبل وويي بمحافظة تشونغآن بمقاطعة فوجيان (الصين). ينتمي هذا الشاي إلى الأنواع شبه المخمرة من الشاي، أسلوب معالجته يجمع بين الشاي الأخضر والشاي الأحمر. من أهم أصنافه “دا هونغ باو” و”باي جي قوان” و”شويشيان” و”لولونغ” و”روهقوي”. نوعية شاي يانتشاي بجبل وويي متميزة، فبرغم عدم إضافة أي نوع من الزهور إليه تفوح منه رائحة الزهور. عرفه الأوروبيون في القرن الثامن عشر، ولقي إقبالا هائلا هناك، وسمي بـ”دواء الأمراض المائة”.

شاي يونوو بجبل لوشان

يزرع في جبل لوشان بمقاطعة جيانغشي (الصين). هذا الجبل الذي يطل على نهر اليانغتسي شمالا ويجاور بحيرة بويانغ جنوبا، الجو فيه معتدل والبيئة مناسبة لنمو شاي يونوو المشهور بأوراقه السميكة المغطاة بطبقة رقيقة تشبه الشعر الناعم. أوراقه جميلة، رائحتها طيبة، بعد أن توضع في الماء، يصبح لونه أخضر نقيا، وهو من روائع الشاي الأخضر.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات