فن القصص المصورة: بوابة جديدة للعبور إلى الفن المعاصر

11:21 مساءً الإثنين 25 فبراير 2013
بلال بصل

بلال بصل

فنان تشكيلي من لبنان، يرسم ويكتب للأطفال، مؤسس موقع عالم ذكي www.zakiworld.com، مقيم في باريس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

فن القصص المصورة (باللغة الفرنسية: Bande Dessinée )، أو ما بات يطلق عليه إسم الفن التاسع، يعيش حالياً مرحلة هامة جداً من تاريخه الحديث، فأغلبنا كان ينظر للكتاب المصور، على أنه وسيلة تسهل القراءة من خلال الرسوم المصاحبة للنص،  فصنفناه على أنه موجه للأطفال بالدرجة الأولى، بالرغم من أن رسوم الفن التاسع كانت ولا زالت تشكل مادة ثابتة للصحف المطبوعة، خاصة الأمريكية منها، منذ القرن التاسع عشر. فهي عبارة عن أفكار كاريكاتورية، تنتقد في معظم الأحيان، السياسة أو الحياة الاجتماعية بشكل عام، وتتألف غالباً من ثلاث أو أربع رسوم، تصاحبها كلمات بسيطة أو جمل قصيرة إن إحتاج الأمر لدعم الفكرة، تدعى بالشريط المصور أو الشريط المصور الهزلي Comic strip. مع مرور الأيام، بدأت هذه النظرة تتغير، وبدأ الكتاب المصور يتناول شيئاً فشيئاً مواضيع كثيرة، لم تعد فقط موجهة للأطفال، بل للكبار أيضاً، وبدأهذا الفن يجذب أساليب فنية مختلفة ، يتبارز من خلالها الرسامون، لإظهار مهاراتهم  وقدراتهم، فقد باتت تتناول قصصاً متنوعة، من الخيال العلمي والبوليسي، إلى السرد الأدبي والتاريخي.

في هذه الفترة أيضاً، بدأت تظهر مجلات متخصصة فقط  بنشر الفن التاسع، من أبرزها مجلة بيلوت Pilote الفرنسية، التي تم اطلاقها العام ١٩٥٩ لتصبح فيما بعد، المجلة الأسبوعة الأشهر في تاريخ هذا الفن، التي نشرت على صفحاتها أعمالاً قيمة لأهم رواده، كما ويمكن القول هنا، أن هؤلاء الفنانين أنفسهم، لعبوا دوراً هاماً في إنشاء عدة مدارس لفن القصص المصورة. فعلى سبيل المثال، كان هيرجي Hergé رائد (مدرسة المغامرات والتشويق البوليسي) من خلال شخصية الشاب تان تان. وفي المقابل، لم يخطئ بابلو بيكاسو حينما قال “الرسم طريقة أخرى لكتابة المذكرات”، وهذا ينطبق نوعاً ما على مدرسة ثانية، يمكن أن نطلق عليها إسم ( مدرسة سرد التاريخ من خلال قصة)، والتي تعتمد على كتابة ورسم الذكريات التاريخية التي تصاحبها وجهة نظر الكاتب تجاه هذه الأحداث، ليصبح العمل النهائي، إن جاز التعبير أشبه بفيلم وثائقي مرسوم أو ” كتاب تاريخ مصور”. من أهم رموز هذه المدرسة، الفنان جاك تاردي Jacque Tardi، الذي يقوم بتأليف ورسم كتبه بنفسه، معتمداً على عدة مصادر، من أبرزها ذكريات والده أثناء خدمته في الجيش ، وهذا ما يجعلنا نشاهد بوضوح المزج بين السرد القصصي والأحداث التاريخة في قصص تاردي، ومنها تلك التي دارت رحاها في فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى.

باريس، هذه العاصمة العالمية للفنون والثقافات المختلفة، كانت ولا زالت تشكل محطة هامة في مسيرة أغلب تيارات الفن المعاصر Art contemporain، ومنذ عشر سنوات تقريباً، يسلط الضوء على فن القصص المصورة، وتهتم الصحافة الفرنسية بالنقاش الحاصل حول تصنيف هذا الفن، الذي بدأ رواده يحققون نجاحات ملفتة، ولا أتحدث هنا عن الأعداد الهائلة لكتبهم التي تنشر كل سنة، ولا عن المعارض التي تنظم لأعمالهم، بل عن المزادات التي تبيع رسومهم بأسعارٍ كانت منذ زمن قريب، غريبة على مسامع الكثيرين، وخاصة هؤلاء الذين يقتنون الأعمال الفنية التشكيلية ليتاجروا بها. وربما التحول الحقيقي بدأ العام ٢٠٠٨، حينما بيع رسم للفنان هيرجي Hergé بقيمة ٧٨٠٠٠٠ يورو، ما لبث أن أعيد بيعه العام الماضي ٢٠١٢ لتتغطى قيمته المليون يورو.

عائلة مغامرات تان تان، رسم للفنان هيرجي

وهنا بدأ يطرح السؤال الأهم حول تصنيف الفن التاسع، هل نعتبرالقصص المصورة تياراً فنياً معاصراً؟ لينضم، إن كان الجواب إيجابياً إلى باقي تيارات الفن المعاصر التي بدأت بالظهور منذ ستينيات القرن الماضي…أم أنه ظاهرة مؤقتة؟

الوضع الراهن للفن التاسع Bande dessinée، يؤكد أن هذا الفن يحقق نجاحاً تلو الآخر، إن كان من الناحية الفنية، من خلال نسبة المعارض التي تقام عنه والمقالات التي تنشر حوله، أو من الناحية التسويقية من خلال إزدياد عدد المزادات التي تركز على بيع الأعمال الأصليه لرواده. فلم تقتصر هذه النجاحات على الفنان الراحل هيرجي Hergé وحسب، بل وصلت الى أغلب رواده الراحلين ( مثل جون جيرو Jean Giraud المعروف بإسمه الفني موبيوس Mœbius، أندريه فرانكان André Franquin وهيوغو برات Hugo Pratt)، ونجومه الحاليين أيضاً ( مثل ألبير أيدرزو Albert Uderzo، جاك ده لوستال Jacques de Loustal، جاك تردي Jacque Tardi وأنكي بلال Enki Bilal).

من أعمال إنكي بلال

الفن التاسع بالتأكيد لم يولد فقط لتباع رسومه في المزادات، خاصة وأنه يضم في مسيرته تجارب فنية وأدبية مميزة وهامة، وله تأثير حقيقي على المجتمع، فخلال زيارتي منذ أيام لمبنى صالة المزادات آرت كيريال Artcurial في جادة الشانزليزيه في باريس، لأشاهد معرضاً يضم ٤٤٤ رسماً لنخبة من رسامين القصص المصورة في فرنسا والعالم، تم بيعها في المزاد نهار السبت الواقع في ٢٤ فبراير ٢٠١٣، وجدت حضوراً مميزاً لعشاق هذا الفن، والأهم أنني شاهدت بالفعل عدداً من الرسوم الرائعة، والتي ترقى بأساليبها المختلفة، الى جانب خطوطها وألوانها، لتقدم هي بنفسها الإجابة الأصدق لمن يريدون تقييم الفن التاسع، فن القصص المصورة، ومعرفة ما إن كان يستحق عن جدارة أم لا، أن يكون تياراً من التيارات الفنية التشكيلية الأحدث للفن المعاصر.

One Response to فن القصص المصورة: بوابة جديدة للعبور إلى الفن المعاصر

  1. Aymen Boukhouidem رد

    2 مارس, 2013 at 1:28 م

    بالفعل أستاذي العزيز , القصص المُصورة سشكلت جانبا مهما من الحركة الفنية على مر السنين الأخيرة , وتصنيفها كفن هو أقل ما يُمكن منحه لهذه الأعمال التي لعبت دَورا هاما في تشكيل شخصيات العديد من الأطفال حول العالم , والذين يشغلون اليوم أعلى المناصب !

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات