زاهر البزري فنان تشكيلي وناشط اجتماعي من مدينة صيدا، ولد وعاش في بيت فني عريق، إذ كان والده المرحوم مهيب البزري فنان مبدع، وأمه من هواة الرسم والفن. أحب الرسم من نعومة أظافره وشغف به، ولما كبر كان الرسم خياره الاوحد لدراسته الجامعية، فنال دبلوم دراسات عليا في الرسم والتصوير من “كلية الفنون الجميلة” في بيروت/ “الجامعة اللبنانية”.
شارك زاهر في العديد من المعارض المحلية والعالمية، وحاكى من خلال فنه هموم الناس والشباب وهواجسهم ولعب دوراً بارزاً في مدينته صيدا كما في بيروت كناشط ثقافي واجتماعي وبيئي، وهو يرى ان على الفنان مشاركة مجتمعه بافكاره وطروحاته ودعم الجمعيات الاهلية من أجل تطوير المجتمع. أقام زاهر مؤخراً معرضاً فردياً في جامعة بيروت العربية بعنوان “الربيع باتجاهات مختلفة” ، كما شارك في مسابقة الرسم العالمية التي جرت في مدينة نيويورك، وتأهل فيها الى مرحلة النهائية. التقينا زاهر على هامش هذه النشاطات، وكان هذا الحوار:
لنبدأ بالسؤال عن مشاركتك في مسابقة الرسم العالمية التي جرت في مدينة نيويورك، ماذا تخبرنا عن هذه التجربة وكيف كانت أصداؤها؟
ــ في الواقع ان العرض في ولاية نيويورك وتحديداً في ساحة “تايمز سكوير” الشهيرة عالمياً يعد حدثاً بالنسبة لي، وهو من أهم مشاركاتي خارج لبنان. لقد اختارتني لجنة التحكيم هناك من بين عدد كبير من الفنانين المشاركين من مختلف دول العالم، وتأهلت خلال التصفيتين الثانية والأولى للمرحلة النهائية، وهذه الفرصة أتاحت لي عرض أعمالي أمام أكبر عدد من الجمهور، إذ تم عرض جميع الاعمال التي وصلت إلى المرحلة النهائية عبر شاشات كبيرة موزعة في ساحة “التايمز سكوير”، ورافق العرض حفل موسيقي وفني ضخم.
هذه التجربة تركت في نفسي أصداء طيبة، وساعدتني على الشهرة والانتشار، كما تركت إنطباعاً جيداً لدى زائري المعرض. وبدا ذلك واضحاً من خلال الاتصالات التي وردتني بعد العرض، وعدد الرسائل التي استلمتها عبر بريدي الالكتروني، وأيضاً من خلال تعليقات الاصدقاء والمعجبين على شبكات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تزايد عدد زائري المواقع الالكترونية الخاصة بي.
إلى أي مدى مهم للفنان التشكيلي المشاركة بمعارض خارج لبنان، وهل تسعى أنت إلى هذا الانتشار ؟
ــ ان المشاركات الخارجية لها أهمية كبرى للفنان على عدة أصعدة ، منها الانتشار العالمي لإيصال الاسلوب والفكر الخاص بالفنان، ودراسة ردة الفعل العالمية على أعمال الفنان. كل فنان يسعى إلى الانتشار في داخل وخارج بلده وذلك للوصول لأكبر عدد من المهتمين بالفنون، ان كان من النقاد أو من الجمهور وذلك بهدف دراسة المستوى الفني الخاص وانطباع المتلقي، وبغية الدعم المعنوي والمادي.
ــ المشاركة تدعم الفنان معنويا وتكون الدليل القاطع على المستوى الفني المتقدم، وتدل على الخبرات والتجارب والمدارس المختلفة في هذا المجال، فهي فسحة وجرعة معنوية للفنان وخاصة حين يصل الى نهائيات المسابقة.
ــ لي العديد من المشاركات الفنية في لبنان ومنها المعارض السنوية في جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت (وانا عضو فيها)، وفي معرض بيروت الدولي للكتاب، معرض الفن البصري 2010 في قصر الاونيكسو، المعرض الاستعادي للفنانين اللبنانيين، المعرض الفني الدولي.. وغيرها من المشاركات التي بلغت حوالي 48 معرضاً.
أما بالنسبة لمعرضي الفردي الأخير فقد تم استضافتي في «جامعة بيروت العربية» في مبنى الملتقى، وكان بعنوان “الربيع باتجاهات مختلفة”، وتنوعت الأعمال فيه من الواقعية إلى التجردية مروراً بالتعبيرية، حاكت الربيع بمختلف أوجهه، من الربيع الطبيعي (كفصل) إلى الربيع العربي (كثورة). وقد تسلمت العديد من الدروع وشهادات التقدير إثر هذا المعرض.
ــ ان ثورات الربيع العربي كان لها تأثير كبير وخاصة في مصر التي اشعلت الطاقة الهائلة للتعبير. فأنا لم اختر الموضوع كونه جاذب وحاضر إعلاميا، بل الموضوع نظراً لعظمته واهميته اختارني لاساهم في التغيير او لايصال صوت وفكر الثوار، ففي البداية لم استطع الرسم ولجأت الى الكتابة ولكن سرعان ما عدت الى الرسم … ولا بد من تحية إلى الفنانين الشهداء في مصر وليبيا وسوريا… وخصوصاً الفنان قيس الهلالي و الفنان احمد منصور… ان موضوع الثورة يحاكي افكاري وطموحي وبطبيعة كل فنان توجد ثورة وحرية…فهذا طموح يحاول الانسان الوصول اليه على امل ادراكه…
ــ أرسم بمختلف المواد والاساليب ، فإنني لم أدرك حتى اليوم الاسلوب التعبيري الامثل، او المدرسة الفنية الاقرب، فلا زلت أحاول وابحث واعبر ان الفنان يجب عليه البحث والتجربة من دون وضع اطار زمني يحدد به مساره، ولكنني اتميز بالالوان المائية التي تعبر عن المدرسة الواقعية، ولكنني في الوقت نفسه متعلق بالتجريدية والتعبيرية.
إلى اي المدارس الفنية تحب الانتماء؟
ــ كما ذكرت انني اقرب للواقعية والتجريدية، فحين انغمس بالواقعية في عمل ما اهرب الى عمل اخر بالتجريدية. والمهم هو التعبير الفني الصرف بغض النظر عن المواد او الاسلوب المهم ان يكون العمل يتمتّع بعمق فني وجمالي و موضوعي.
ــ منذ صغري وانا ارسم حسب قول الاهل، ومن المعروف ان الفن في هذا البلد خاصة لا يطعمني الخبز، والاهل كانوا الى جانبي ويدعمون موهبتي. فالوالد رحمه الله كان رساماً ومبدعاً والوالدة اطال الله بعمرها كانت ترسم ، فجو المنزل كان فيه النفحة الفنية ولم يبعدوني عن هذا المسار. الفن بالنسبة لي هو موهبة خالصة اكرم الله عليّ بها، و رغم المردود المادي البسيط الذي يعود منها، إلا أن المردود المعنوي الكبير والعظيم والراحة النفسية التي تداعب مشاعر الفنان المبدع والى أي فن انتمى ان كان في الرسم او الموسيقى او الشعر او النحت او التمثيل … هي التي تعطي الاكتفاء والطمأنينة.
ــ في هذا المجتمع لا يمكن للفنان الاكتفاء مادياً. انتاجي الفني كان بالنسبة يعود بمردود لا بأس به ، و لكنني أعمل في مدرسة خاصة، أعلّم مادة الرسم والغرافيك فيها فهي الداعم الاساس مادياً لي.
ــ لا بد للفنان ان يشارك مجتمعه بافكاره وطروحاته، وثورته التغييرية والتقدمية، فأفكار الفنان الابداعية لا تنحصر بعمله الفني بل تتخطاها الى تحسين المجتمع المحيط ان كان من الناحية البيئية او الاجتماعية، فيمكن ان يقدم الدعم الفكري للجمعيات لتطور المفهوم الثقافي والفني. فانني اقوم بضخ الافكار والنشاطات في اطار الجمعيات الاهلية في لبنان وخارج لبنان في سبيل تطوير المجتمع الاهلي.
ــ بطبيعتي لدي احساس قوي بالقضايا الاجتماعية وأُحاول تجسيدها بعمل فني لايصالها الى المتلقي بطريقة سلسة ومجردة عن محيطها لكي نسطيع ان نراها بشفافية بعيدة عن الضوضاء والضباب الاجتماعي والسياسي الذي يحيط بها.
ــ لمدينة صيدا حضور كبير في انتاجي الفني، فهي تعبير عن تآلف تاريخي واجتماعي عاطفي، أرى التاريخ واصالته في جدرانها وفي عاداتها، فهي لم تأخذ قيمتها التاريخية، لذلك أحاول تصوير عاداتها وشوارعها وزواريبها المفعمة بالتاريخ والعاطفة، لكي اخلدها بعمل فني اسلط الضوء من خلاله على اهميتها في محاولة للحفاظ عليها. ان هذه المدينة غريبة بطبعها ، فهي متقوقعة على ذاتها تخاف الخروج منها وبالرغم من بطولاتها في وجه الاحتلال الاسرائيلي و بطولة اهلها على مدى التاريخ، لا تزال تخشى التقدم . احاول مع العديد من ابنائها وذلك من خلال اعمالي الفنية التي وضعتها على الخارطة الثقافية والابداعية لتأخذ حيزاً في الدور الثقافي الذي فقدته على مر السنين.
ــ ليس لدي لون مفضل للرسم ، ولكنني أقدر اللون الازرق وكذلك الاسود، وان لم استخدم الأسود في أعمالي. أنسجم في هذه المرحلة مع الالوان المائية ولكنني ما زلت ابحث عن تقنيات مختلفة للاستخدام.
ــ بالطبع هناك صعوبات كبيرة في ايصال اي عمل فني الى المجتمع وخاصة في الفنون التشكيلية، فالمجتمع ليس متعوداً على رؤية عمل فني ما . نحن نفتقر الى المتاحف وصالات العرض لذلك من الصعب ايصال الرسالة . نحن نجاهد لخلق مساحات ثقافية وفنية ونعمل لنعوّد المجتمع على رؤية الفن وفهمه وفهم دوره الريادي في تطوير وتقدم المجتمعات. ومن ناحية أخرى نواجه اهمال الدولة والمجتمع الاهلي لأهمية الفنون ودورها. على أمل أن نصل في يوم ما الى إقامة وبناء متاحف فنية وصالات عرض في كل المدن.
ــ يفتخر المجتمع بوجود الفنان فيه ويتباه به ولكن لا يقدم له الدعم الكافي ولا يقدم له المناخ الايجابي لتطويره و تحسين ادائه. الفنان في لبنان مسكين غير مكرم إلا بوفاته وكلمة فنان تطلق حصراً على المطرب، والمجتمع اللبناني تربى على نوع واحد من الفنون بالرغم من وجود رواد كبار وعظام من الفنانين التشكيليين في لبنان والعالم العربي كان لهم دور فاعل وصريح في الحركة التشكيلية العربية.
ــ طرحت في مقالة نشرت أثناء الثورة المصرية قلت فيها: ان للفن خاصية جبارة في احداث التغيير، وباستطاعة الفن في كافة انواعه ايصال الفكر الثوري التغييري ونشره الى المتلقي بطريقة بسيطة وواضحة. وهناك على مر التاريخ كان للفن الدور الابرز في تهيئة الارضية الخصبة للثورات، ولكن بالطبع لا يحدث التغيير المنشود دون وجود عقلية تقدمية تطورية في المجتمع بحد ذاته.
ــ انني في طور الاعداد لمعرض جديد، ولكن لدي مشاركة قريبة في معرض في ولاية ميامي الاميركية، وانني اعمل على المزيد من الكتابات الثقافية والفنية بجانب الاعداد لبرامج ثقافية تبث على مواقع التواصل الاجتماعي، ومحاولة تأسيس تكتل حواري ثقافي مع عدد من الزملاء في كافة الميادين لتكوين حالة ثقافية ناشطة تعيد الحركة الثقافية الى مجد عطائها في ظل التردي الواضح في المستوى الفني والابداعي في مجتمعنا.
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.