الشاعرة والفنانة اللبنانية نسرين الأشقر: آخر رسائلي لكَ كتبتها…تجاعيد على جبيني

08:20 صباحًا الثلاثاء 26 مارس 2013
غنى حليق

غنى حليق

كاتبة وصحفية من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

نسرين الأشقر برباري شاعرة متعددة المواهب والاختصاصات، جمعت بين طب العيون والتمثيل المسرحي والرسم والشعر. بدأت رحلتها الفنية والشعرية مع عالم العزلة والغرابة، والذي بدوره نقلها إلى كوكب آخر ايقظ فيها الطفلة، الفتاة المغرمة، المرأة الثائرة، الأم والانسانة الحزينة الباحثة دوماً عن هويتها وعالمها وأسرار وجودها. 

أطلقت نسرين مؤخراً كتابها الشعري “آخر رسائلي لك كتبتها …تجاعيد على جبيني”، وقدمته بقالب مميز شكلاً واخراجاً ومصموناً، إذ أبقت الأبيات الشعرية مكتوبة بخط يدها، وحافظت على الخربشات والتصحيحات التي كانت ترافقها لتبقي على الصور والمشاعر الخاصة التي مرت بها في تلك اللحظات.

أحبت نسرين الفن والشعر والأدب منذ طفولتها، وبدأت كتابة الشعر منذ تفتحت أحاسيسها كفتاة، ففي عمر الرابعة عشرة عاماً كتبت عن الحب والحياة والموت، ولما تخرّجت من المدرسة اصدرت كتابها الشعري الأول ، و كان بعنوان “زمن العناقيد”.  درست نسرين طب العيون إرضاءً لوالدها، كما درست التمثيل والرسم إرضاءً لنفسها ومشاعرها وحبها للفنون. وكانت تدرس الطب نهاراً وفنون المسرح ليلاً.

نسرين توقع كتابها الجديد

التقينا نسرين لمناسبة اصدار كتابها الجديد، وحاورناها كشاعرة وامرأة ثائرة على مجتمعها الذكوري وكإنسانة باحثة عن حقيقة الوجود وأسراره، وكان هذا الحوار:

تقول نسرين:

درست التمثيل في مدرسة المسرح الحديث التي يديرها الفنان منير أبو دبس، المدرسة التي تخرج منها انطوان كرباج ونضال الأشقر وغيرهما من الممثلين الكبار. من هنا بدأت الرحلة مع عالم الغرابة في المسرح والشعر، واكتشفت كوكباً  أيقذ عالم الطفولة في أيامي ، وحرّك الأنوثة. ومعه تعلمت كيف سألتقي مع الصور الشعرية وأنقلها بأمانة“.

ترى نسرين أن أغلب كتاباتها الشعرية آتية من خلفية مسرحية وليس من خلفية أدبية، وهذا ما يميزها عن الكتابات الشعرية الأخرى، ولولا هذا التمايز لما أقدمت على الكتابة. “لقد أطلق على أشعاري اسم الشعر المسرحي، وأنا فخورة بهذه التسمية“. اختارت نسرين نصوص كتابها الجديد من نتاجها القديم، من نتاج شعري عمره أربعة عشرة عاماً ، وهي تقول انها لم تصدر كتباً شعريةً خلال هذه الفترة الطويلة لأنها لم تكن حاضرة للدخول في ركب المجتمع، والانشغال في أجوائه. “أنا أحب الانعزال واللقاء مع نفسي، والتواجد في المجتمع سيلهيني عن ذلك“.

لم تطلق نسرين كتابها الشعري ، إلا بعدما حصّنت نفسها وحضّرتها للقاء المجتمع، وبعدما شعرت أن كتابها أصبح جاهزاً وبات يشكل حافزاً ثقيلاً على قلبها، “عندما تنضج الأعمال تصبح عبئاً على صاحبها وعليه التحرر منها واطلاقها للناس لتصبح ملكهم حتى يستطيع هو التفرغ لعمل آخر غيرها“.

الابيات الشعرية الموجودة في كتاب نسرين الشعري تشهد على مراحل عدة من حياتها، مرحلة المراهقة، والعزوبة ومرحلة الحب والزواج والامومة. لقد تقصدت نسرين وضع نصوص قديمة وابقت على تواريخها، وتركتها كما هي دون تعديلات أو إضافات بهدف إيصال المشاعر والصور بعفويتها ومصداقيتها. تقول نسرين:”لم أتدخل في تنقية وانتقاء النصوص الشعرية، تركتها كماهي، لأنني أرى أن الكتابة الشعرية هي عمل اختباري . أردت إظهار مدى تطور الانسان وتبدل احاسيسه من خلال تغير مراحل حياته”.

ترى نسرين أن الانسان الذي لا يقوم بعمل اختباري لا معنى لعمله ، فالعمل الاختباري يحمل في طيّاته السحر والتجدد. لقد ذكرت نسرين في مقدمة كتابها الشعري انها تركت قصائد من عمر المراهقة ، ونشرتها كما هي احتراماً لشعور الفتاة التي كتبتها يوم ذاك. “حياة الانسان تخضع للتّبدل الدائم ، أنا اليوم لست فتاة الماضي، وسأكون بعد عشر سنوات غير امرأة اليوم”.

من هي نسرين اليوم؟ تقول :

لا أعرف ، أسال نفسي دائماً هذه السؤال ولا أجد جواباً عليه. أنا إنسانة تحب الحياة وتحزن لوجود الانسان في هذا الكون، اكتسبت حب واحترام المرأة بعد زواجي، وبت اراها إنسانة مقدسة، هي بالنسبة لي كل شيء، ومن حقها الحديث والتعبير في الوقت الذي ترى فيه جميع من حولها يريد اسكاتها وتعليمها، دون أن يفسحوا المجال لها بالتكلم والتعبير“.

تعترف نسرين انها محظوظة لزواجها من انسان مثقف ومنفتح ، يحب المرأة ويحترمها ويتفهم مشاكلها وهواجسها. هي ليست ضد الرجل بالمطلق ولكن ضد العنصرية الذكورية التي تمارس على المرأة ،وقد عالجت هذه الحالة في نصوصها الشعرية والمسرحية أيضاً. “يحب الرجل أن يسيطر على المرأة دائماً ، كما يحب انتقادها والتقليل من اهميتها ودورها. علماً أن المرأة انسانة محبة وذكية ولديها عقل كبير يمكنها بفضله العمل واثبات الذات“.

نسرين: تعلمت من المسرح تعرية النفس والتخلي عن البهرجة كي أستطيع إيصال الفكرة والصورة بصدق، وأنا في كتابي تخليت عن كل زخارف الحروف والطباعة والإخراج وقدمت للناس أحاسيسي وصوري الشعرية بصدق

قدمت نسرين كتابها الشعري بخط يدها وكتبت في مقدمته “لان الخط بدوره …يحمل شعور لحظات خاصة” كما كتبت “لنبتعد عن الحروف المزخرفة والجمل المنمّقة والعبارات الرنانة والشعارات الكبيرة .. والشعر المستعار والرموش االيابسة . ولنسلم انفسنا الى اللاوعي كالاطفال …فتصبح كلماتنا (غياباً للكلمات) ..” وعن هذه الخصوصية بالشكل وأسلوب النص تقول:”تعلمت من المسرح تعرية النفس والتخلي عن البهرجة كي أستطيع إيصال الفكرة والصورة بصدق، وأنا في كتابي تخليت عن كل زخارف الحروف والطباعة والإخراج وقدمت للناس أحاسيسي وصوري الشعرية بصدق. أردت بهذا الأسلوب نقل أحساسي بأي وسيلة كانت، وبكل الوسائل، ووجدت أن الخط  هو وسيلة مهمة لنقل الإحساس ولذلك اعتمدته، حتى الرسوم والخربشات التي كنت دونتها الى جانب القصيدة نقلتها هي أيضاً بأمانة، لأنها نُفذت بلحظات خاصة وبحالة انخطاف معينة من الصعب تفسيرها“.لم تسمح نسرين لنفسها بتعديل النصوص أو الرسوم لأن لكل منهما خصوصيتهما وقيمتهما. لأنها كما تقول تحرص على إيصال الأمانة بصدق.

تكتب نسرين القصيدة السهلة والتي تعكس نفس السهولة التي تنطلق منها في مقاربة الأشياء والحياة،وتقول:”ليست هذه السهولة،التي قد يظنّها القاريء،قاريء كتابي، هي سهولة مُصطنعة أو مشغولة لإرضاء التفسير الذي يتوخاه الآخر، بل هي لغة واضحة قادرة على إيصال المعنى والصورة والمشهد والحالة،وكل هذا الحشد البسيط في اللغة الذي انطلق منه ،يهدف أيضاً الى توظيف الوعي لصاح الصورة الشعرية.والسهولة هنا يمكنني تسميتها  بالسهولة الضرورية لبناء الهيكل الشعري الواضح.وحين اكتب بلغة واضحة، اقصد التجلّي والوضوح والرؤية والدلالة على عمق المعنى وعلى صوابية الإحساس الذي انطلق منه، وفي المقابل يأخذني الى نفسي أكثر،الى مكاني الواضح وأرضي الواضحة،الى روحي المتصلة بكل ما هو قائم على وجه الحياة التي أعيشها،وكل ما هو ساكن ومستكين داخل الجوهر وداخل النفس.”

تعترف نسرين أنها إنسانة على تماس مباشر مع الحياة،وفي المقابل هي تعيش وتحاول العيش وسط هذه الحياة بما يكفل حضورها الإنساني وفق منهجية خاصة بها، وترى الأشياء والأمكنة والإنسان والمعاناة والحب والفرح والسعادة…من منظارها الشعري الخاص، وتتوقف عند خصوصية ترتكز إليها،ألا وهي، النظرة التي تأتي بمفعول مباشر على صاحبها وتُحوّله الى حيث يرتاح.كذلك ترى نسرين انها في مكانها الصحيح أحياناً، وفي مكانها غير الصحيح في أحيان أخرى”لا يمكن للشاعر والفنان أن يتناغم مع أي شيء في هذه الحياة دون أن يلتقط هذه الأشياء من داخل خصوصية شعوره وإحساسه بالواقع،وهنا تكمن القدرة في الإبتكار والإجتراح، وربما هذه القدرة التي يحتاجها المبدع هي ذروة المواجهة مع العالم والحياة،وأنا كفنانة وإنسانة تُراقب الحياة من داخل وعيها المرهف والحساس جداً،وصلت الى ما يشبه اليقين:كلما توغلّنا داخل دهاليز الحياة ،وجدنا أنفسنا أمام وعي كبير وهائل يخوّلنا قراءة الحياة على نحوٍ أفضل،على نحوٍ بريء ،شفاف لا لبس في تقاسيمه “.

الكتابة بالنسبة لنسرين هي فعل حياة كامل،”والإبداع ،بمختلف أشكاله وألوانه هو اللغة العالمية التي يفهمها كل من يعتنق هذا الوعي الإبداعي وتالياً،الفن هو اللغة الأقدر على بناء التواصل بين أبناء البشر.والشعر والمسرح والفنون الأخرى هي جزء هام وأساس في هذا المسار الحياتي الجميل”.

أرفقت نسرين “CD” مع كتابها، يحتوي على قراءات بصوتها وبأصوات الفنان عماد برباري(زوجها)  والفنان رفعت طربيه،كما رافقهم على الناي العازف رائد بو كمال،وترى نسرين أن هذا “السيدي” هو بمثابة البقية المُكملة للكتاب”فالصوت واللحن والإيقاع هم ضرورة لبلوة القصيدة الطالعة من أعماق الروح،ولا بد من حاضنٍ لكلام القصيدة،وخير حضنٍ هو حضن الصوت والنغم واللحن“.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات