ازدواجية مشاعر كوريا الشمالية تجاه اليابان

01:00 صباحًا الأربعاء 20 مارس 2013
جو صونغ ـ ها Joo Sung-ha

جو صونغ ـ ها Joo Sung-ha

إعلامي من كوريا الشمالية، مراسل Donga Ilbo

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

مشروع بحثي مشترك بين آسيا إن (The AsiaN)

ومؤسسة تاريخ شمال شرق آسيا (Northeast Asian History Foundation )

المحرر: يتعرض الأمن في شرق آسيا لبحر هائج أججته الأزمة النووية لكوريا الشمالية  التي تبرز وسط النزاعات الإقليمية القائمة والصراعات عميقة الجذور بين الدول في المنطقة. تبحث كل من كوريا الجنوبية والصين واليابان والبلدان المعنية بشكل مباشر عن نظام جديد وسط عملية انتقال السلطة. وبحثا عن حلول عقلانية للصراعات التاريخية في شرق آسيا، فإن آسيا (The AsiaN) ومؤسسة تاريخ شمال شرق آسيا (Northeast Asian History Foundation ) تقدمان بشكل مشترك سلسلة من الأعمدة التحليلية لخبراء حول القضايا الراهنة في شرق آسيا. وسيقدم المساهمون رؤاهم المتعمقة وحلولا استراتيجية بأربع لغات هي الانكليزية والكورية والصينية والعربية. هذه هي المقالة الأخيرة في هذه السلسلة.

أي بلد لديه أكثر المشاعر المناهضة لليابان؟

عندما يُسألُ أحدٌ ما ـ يعيش في الولايات المتحدة أو أوروبا ـ هذا السؤال، فربما يجيب “كوريا الجنوبية” أو “الصين”، لأن هذين البلدين غالبا ما تظهرهما نشرات الدولية حين يتعلق بالمشاعر المناهضة لليابان.

 ومع ذلك، فإن الجواب هو: كوريا الشمالية. لقد ولدت في كوريا الشمالية، ثم ظللت أعملُ كمراسل في كوريا الجنوبية لأكثر من 10 سنوات، كما قد عشتُ في الصين لأكثر من عام. وهذا في مجمله ما يجعلني أفعم كنه المشاعر المعادية لليابان في هذه البلدان الثلاثة، التي احتلها اليابانيون فيما مضى.

 قضية المشاعر المناهضة لليابان في كوريا الشمالية لم تكن بمثل أهمية القضايا الكبيرة المتعلقة بكوريا الشمالية في نظر المجتمع الدولي مقارنة بالأسلحة النووية، والصواريخ، والدولارات الأمريكية المزيفة، ومع ذلك، فالواقع، أن كوريا الشمالية تكره اليابان بمرارة بالغة. ولا تلقى هذه الحقيقة الكثير من الاهتمام، لأن الناس غير مهتمين بمشاعر الغضنفر، ولكن بأفعاله الشنيعة.

 هناك عدة أسباب كي تكره كوريا الشمالية اليابان. القاسم المشترك التاريخي بين الكوريتين والصين هو أن هذه الدول الثلاثة عانت من الحكم الاستعماري الياباني. ومع ذلك، فإن حالة كوريا الشمالية مختلفة عن حالتي كوريا الجنوبية والصين، لأن في كوريا الشمالية بدأت جذور المقاومة ضد اليابان.

  لقد أصبح كيم ايل سونغ زعيما في بيونج يانج حين نقش اسمه كبطل مكافحة اليابان في أذهان مواطني كوريا الشمالية. فضلا عن ذلك، فمنذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، علمتنا كوريا الشمالية أن والد كيم إيل سونغ، كيم هيونج جيك، هو من قاد الانتفاضة المدنية في 1 مارس، 1919، كحركة لاستقلال الأمة، ضد اليابان. أيضا، يتم تلقين الطلاب في كوريا الشمالية كي يؤمنوا بأن كيم إيل سونغ، وهو لم يكن سوى صبي عمره سبعة سنوات في ذلك الوقت، قد شارك في تلك الحركة أيضا. واتساقا مع ذلك، فإن عائلة كيم إيل سونغ قاتلت ضد اليابان، وقد تم إسباغ هذه الشرعية التاريخية على العائلة وصولا إلى كيم جونغ ايل وكيم جونغ أون (الرئيس الحالي).

 على الرغم من ذلك، فباستطاعة رئيسة كوريا الجنوبية أو زعيم الصين أن يصافحا نظيرهما الياباني، وهذا قد يكون صعبًا على كيم جونغ أون، لأنه وفقا لمنطق كوريا الشمالية التي تترسخ بعمق في المرء، أنه حفيد البطل المناهض لليابان.

 هناك سبب آخر لمشاعر كوريا الشمالية المناهضة لليابان. إن اليابان مسؤولة عن تقسيم شبه الجزيرة الكورية، فهي واحدة من العناصر الرئيسية المتسببة في الحرب الكورية، وقد أثرت مستفيدة بسبب قيام هذه الحرب.

للكوريتين موقفان مختلفان بشأن هذه النقطة. إذ أنه خلال الحرب الكورية، كانت اليابان حليفا لكوريا الجنوبية، ولكنها كانت في نظر كوريا الشمالية عدوا، صنع القنابل للولايات المتحدة، وقدم الدعم اللوجستي لطلعات الطائرات الأمريكية المقاتلة وسفن الولايات الحربية.

دمرت القنابل والطائرات المقاتلة والسفن الحربية المصنوعة في اليابان المدن والقرى على حد سواء، وخلفت وراءها العديد من الضحايا. وتعتقد كوريا الشمالية أن وراء النمو في اليابان، كانت هناك دماء كثيرة سُفكت من الكوريين الشماليين. لذلك، ليس هناك أدنى شك في قوة المشاعر المعادية لليابان، وأنها أقوى في الشمال عنها في الجنوب.

 في هذا الصدد، فإن تعبير “الغزاة اليابانيون” غالبا ما يظهر في الكتب المدرسية بكوريا الشمالية؛ كما هو الحال في عناوين الصحف: “الجنرال العظيم كيم ايل سونغ هزم الغزاة اليابانيين”، و”ارتكب غزاة اليابانيون في حق كوريا الشمالية أعمالا وحشية لا تغتفر” وعلى الرغم من جدية المشاعر المناهضة لليابان في كوريا الجنوبية والصين، فإن تضمين تعبيرات مثل “غزاة اليابانية” أو”Jjokbari”  (كلمة تكتب بالكورية: 쪽발이 وتعني بالدارجة سبة إلى من هم من أصول يابانية “الأوباش اليابانيون” ـ المترجم) لا تظهر علنا في كثير من الأحيان، ولا حتى في الكتب المدرسية. ولذلك، فمن الطبيعي أن المشاعر المناهضة لليابان هو أكبر لدى الكوريين الشماليين.

 وعلاوة على ذلك، فإن لدى الصين وكوريا الجنوبية تبادلات ثقافية مع اليابان، ويرتبط اقتصاد كل منها بالآخر إلى حد كبير. لكن كوريا الشمالية لا تزال بعيدة عن مثل هذه التبادلات.

 هناك سبب آخر لكراهية لكوريا الشمالية. بعد اعتراف كيم جونغ ايل بخطف بعض أبناء الشعب الياباني أمام رئيس الوزراء  كويزومي في عام 2002، غيرت اليابان موقفها تجاه 180 درجة، وقامت بإلقاء اللوم على كوريا الشمالية نتيجة لعملية الاختطاف هذه.

 وقبل اعتراف كيم جونغ إيل، كانت اليابان قد أظهرت عزمها على تطبيع العلاقات الدبلوماسية ومساعدة كوريا الشمالية اقتصاديا. بالنسبة للكوريين الشماليين، فإن تبدل فكر اليابان كان مثل طعنة في الظهر. فالكوريون الشماليون الذين طالما كانوا يتوقون للحصول على الدعم الاقتصادي الهائل من اليابان كمكافأة لتبادل العلاقات دبلوماسية، ربما شعروا مرة أخرى بخدعة “الغزاة اليابانيين” الماكرة.

 فضلا عن ذلك، ومن وجهة نظر الكوريين الشماليين، لم يبدُ حادث الاختطاف مشكلة كبيرة. فربما اعتقدوا أنه عندما غزت اليابان كوريا الشمالية، فإنها سلبت الملايين من أجدادهم كعمال للسخرة أو نساء للمتعة، ولم يكن هناك أي اعتذار أو تعويض من اليابان.

 مقارنة مع هذه الوحشية التاريخية عانت كوريا الشمالية، بينما كان خطف حفنة من اليابانيين يبدو وكأنه مسألة تافهة، كي تبالغ اليابان في رد فعلها. ألحق اليابانيون دوليا العار بكيم جونغ ايل، رب كوريا الشمالية ونالت ابن مقاوم اليابان إهانة وعارا لا يُغتفران.

  إذا هزم منتخب رياضي من كوريا الجنوبية فريقا من اليابان، فإن صيحات التهليل تصدح في كوريا الشمالية على الرغم من أن الكوريتين يتجابهان كعدوين كل أمام الآخر. هذا لأن المشاعر المناهضة لليابان هي واحدة من المشاعر العاطفية والشفرات النادرة التي يمكن أن توحد الكوريتين معا.

 في هذه المرحلة، وهنا سؤال واحد. “أي بلد يُفضل البضائع اليابانية أكثر من سواها؟”

 كي أكون صادقا، سيكون من الصعب بالنسبة لي أن أجيب على هذا السؤال لأنني لا أعرف جميع البلدان بشكل جيد. ولكن، إذا تم تحديد اختيارات للإجابة بين كوريا الجنوبية والصين وكوريا الشمالية، يمكن أن أجيب بكل ثقة: كوريا الشمالية.

على الرغم من أن كوريا الشمالية هي الدولة الأقصى تطرفا في مشاعرها المناهضة  لليابان، فإن الكوريين الشماليين يذوبون عشقا في السلع اليابانية. سواء في كوريا الجنوبية أو الصين، يمكن للناس شراء السلع اليابانية بسهولة، ويمكن أيضا مقارنة السلع الوطنية مع تلك القادمة من الولايات المتحدة وأوروبا ودول أخرى. ومع ذلك، لا يمكن أن تباع السلع الكورية الجنوبية أو الأمريكية أو الأوروبية في كوريا الشمالية، كما أن نوعية السلع الكورية الشمالية أردأ من توصف في كلمات. مع الخيارات الأخرى المتاحة فقط كالسلع الصينية واليابانية، فإن اختيارهم المفضل غني عن القول.

 أفضل السلع في كوريا الشمالية هي اليابانية. عدد السلع اليابانية التي يمتلكها الشخص يعد مقياسا لثروته. لهذا السبب يُجنُّ الكوريون الشماليون بالسلع اليابانية. بطبيعة الحال، وبسبب التعليقات الإيجابية على السلع الكورية الجنوبية في هذه الأيام، تبدو السلع اليابانية أقل تفضيلا من ذي قبل.

 هناك سر في سبب كون كوريا الشمالية، والتي تستمد شرعية نظامها من المشاعر المناهضة لليابان، لا تمنع استيراد السلع اليابانية. إن هناك تلميحا لكشف ذلك السر. حين كان نجل كيم المناهض لليابان جونغ إيل حيا، كان يحب السلع اليابانية، بما في ذلك الأطعمة اليابانية. بل إنه دعا رئيسا للطباخين من اليابان، وقدم له ميزات كبيرة. علاوة على ذلك، فإن كو يونغ ـ هي، زوجة ولد كيم جونغ ـ إيل الثالثة، والتي عاشت معه أطول فترة بين زوجاته، وهي أيضا والدة كيم جونغ أون، ولدت في اليابان.

اذا سألني شخص عما إذا كان من الممكن لكوريا الشمالية واليابان أن يصبحا على صلة وثيقة، فإن جوابي هو “بالتأكيد”. المفتاح هو ازدواجية مشاعر كوريا الشمالية تجاه اليابان: كراهيتهم العاطفية تجاه اليابان وحبهم للسلع اليابانية. على الأقل لدى اليابان من المال والسلع التي يمكن أن تساعد  في تعزيز العلاقات الودية مع كوريا الشمالية. إن الصداقة تتكون بشكل طبيعي حين يمنح أحدهم طرفه الآخر ما يريد.

 تتطلع كوريا الشمالية أن تدفع اليابان تعويضات عن الأضرار التي حدثت لها خلال حكم اليابان الاستعماري. وتواجه  كوريا الشمالية   أزمة اقتصادية حادة، وربما يكون الأمل الوحيد الذي يمكنهم أن يحلموا به. تتوقع كوريا الشمالية الحصول على نحو 10 مليار دولار من التعويضات. أيضا، وبما أن اليابان لم تعتذر ولم تعوض عن أضرار حكمها الاستعماري، فإن كوريا الشمالية تعتقد أن اليابان يجب ان تتحمل مسؤولية دعم ازدهار كوريا الشمالية.

 ومع ذلك، فإن المشكلة تكمن في النظام الكوري الشمالي، الذي يُعامل على أنه نظام عصابة أو نظام منحط أمام المجتمع الدولي. فإذا كان دعم اليابان لكوريا الشمالية هو دعم للمافيا، فلن يسمح أحد بهذا.

 ثم، الجواب بسيط: تحسين العلاقات بعد رحيل العصابة. المشكلة هي عما إذا كانت اليابان نفسها تشعر بالحاجة لتحسين العلاقات مع كوريا الشمالية من خلال توفير الدعم الاقتصادي.

 اذا كانت اليابان تريد الحصول على احترام المجتمع الدولي كدولة مسئولة، ينبغي أن تعترف بالدين الذي يثقل كاهلها تجاه كوريا الشمالية، وينبغي أن تقدم تعويضات يوما ما. إذا نظرنا للماضي، فإن اليابان هي المسؤولة عن تقسيم شبه الجزيرة الكورية وجعل كوريا الشمالية دولة يائسة بائسة.

 على الرغم من أنني أكره النظام في كوريا الشمالية أكثر من أي شخص آخر، لا يسعني تجنب الغضب من خلال مراقبة ما تفعله اليابان أمام وسائل الإعلام لإظهار أن اليابانيين ضحية الاختطاف. بالطبع، أنا لا أقصد الموافقة على اختطاف كوريا الشمالية لليابانيين. ومع ذلك، على اليابان تطبيق المعايير ذاتها على نفسها. فإذا اعتبرنا كوريا الشمالية معتدي، فأي نوع من المعتدين تكون اليابان؟

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات