الشاعر أحمد السقاف: نموذج المثقف العربي

10:20 مساءً الثلاثاء 19 مارس 2013
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

يعود تاريخ هذه الصورة لمرحلة السبعينات ونشرت في عام 1975 ميلاديه في مجلة العربي ، يظهر بها الاستاذ احمد السقاف الاديب والشاعر والسفير بوزارة الخارجيه في تلك الفترة مع زوجته ورفيقة دربه ” ام اسامه ” حرمه السيدة نجيبة الرفاعي والتي وقفت معه في رحلة عمره . هنا يتصفح معها احد الاعداد القديمة لاول مجلة تصدر وتطبع في الكويت وهي مجلة ( كاظمة ) التي اصدرها في ربيع عام 1948 ميلادي ، كانت مجلة شهرية ، اصدر منها تسعة اعداد ثم توقفت ، بعدها بعشر سنوات اي عام 1958 ميلادي كلف بالسفر للتعاقد مع من يقع عليهم الاختيار لاصدار مجلة ثقافيه في الكويت ، سافر في ديسمبر وفي مصر تعاقد مع الدكتور احمد زكي وبعض الفنيين والمحررين فاصدروا ( مجلة العربي ) في ديسمبر 1958

في ضاحية من ضواحي مدينة عدن، بحضرموت اليمنية، ولد أحمد محمد زين السقاف، سنة 1919م، في أسرة هاجر أفرد كثيرون منها، فنجد بينهم من ذهب إلى الكويت، أو السعودية أو العراق أو مصر، حتى إندونيسيا التي بنى الحضارمة فيها لهم مكانة ومكانا. بعد دراسته وإجازته في اليمن، هاجر السقاف إلى الكويت، وقد عُيِّن مطلع العام 1944م مدرسا للغة العربية في المدرسة المباركية، ومنها إلى الشرقية التي عين ناظرًا لها في العام 1950م. ونظرا لما سيأتي على ذكره من اهتمام السقاف بالصحافة الثقافية، تم نقله في العام 1956 إلى دائرة المطبوعات والنشر، ليشرف على مطبعة الحكومة، وهي الفترة التي بدأ بها التفكير في مشروعات ثقافية كبرى، كان أحدها إنشاء مجلة (العربي) حيث كلف السقاف بالسفر إلى الدول العربية صاحبة التجارب في إصدار مثل هذه المجلات، فكانت رحلته بين العراق ولبنان ومصر، حيث اختار في القاهرة أول رئيس تحرير للمجلة؛ الدكتور أحمد زكي، وطاقما لتحريرها، سافروا إلى الكويت مطلع 1958 ليصدر العدد الأول في ديسمبر 1958 مع انعقاد مؤتمر الأدباء العرب في الكويت، وليعودوا بالعدد الأول إلى بلادهم سفراء لمجلة نوعية.وقد كرمته (العربي) وهي تحتفل بيوبيلها الذهبي، اعترافا باسهامه الكبير في التأسيس، وتقديرا لدوره البارز في دعم الثقافة العربية.  في العام 1962م يعين السقاف وكيلا لوزارة الإرشاد والأنباء (وزارة الإعلام الحالية). في العام 1965 يخدم في الهيئة العامة للجنوب والخليج العربي، بدرجة سفير، وهي هيئة مستقلة مرتبطة بوزارة الخارجية لدولة الكويت، مهمتها إنشاء المدارس والمستشفيات والمؤسسات الجامعية في شطري اليمن (آنذاك) والبحرين والإمارات العربية (قبل أن تتوحد)، وفي جنوب السودان. وفي العام 1990م تقاعد السقاف ليتفرغ لعمله الثقافي والأدبي، حتى رحيله ـ رحمه الله ـ في شهر أغسطس من العام 2010م.

 وإنما أوردت هذه السيرة الموجزة لأدلل على عدة أمور:

  •   ارتباط الشاعر الكبير ببلدان الأمة العربية، سواء حيث ولد ونشأ ودرس، أو حيث هاجر وعمل وأبدع، أو حين سافر وطاف وتعرف على ربوع هذا الوطن. وهو ارتباط جعله ينسى الحدود الجغرافية ليتحدث عن كل مكان كأنه مكانه، وعن كل قضية كأنها قضيته هو.
  •    أن مسعى السقاف العربي لم يكن منفصلا عن المشاريع القومية الكبرى التي انطلقت بموازاة توجهه القومي العربي، سواء كانت تلك المشروعات إنمائية أو ثقافية، فكان عمله هو ـ كفردٍ ـ يتسق مع نهج حكومة دولة الكويت.
  •  أن مجلة (العربي) ساهمت في إحداث نقلة نوعية في التعريف بالأدباء العرب، وكان للسقاف حظ من ذلك، فإذا كان قد عانى من قيود تنال من التعبير عن آرائه حينا، كانت ـ ربما ـ سببا في توقف المجلتين الثقافيتين اللتين ساهم في تأسيسهما قبل (العربي)، فقد حملت (العربي) رسالته الشعرية على نحو أكثر شمولا.

صحيح أن (العربي) كانت اسمًا منتخبا استفتي فيه القراء ليختاروا الاسم الأكثر مناسبة لمجلة ثقافية مصورة تصدرها الكويت، ولكن اسم (العربي) ليس ببعيد عن منهج السقاف وسيرته، وهو الذي يعرفه كالآتي:

“العربي هو من اتخذ العربية لسانا، واعتز بالثقافة العربية، وأخلص لها، واندمج في المجتمعات العربية، سواء أكان في الأساس عربيا أم لم يكن”.

بهذا التعريف ندرك أن ترمومتر العروبة يعطي السقاف أعلى درجاته، وهو الذي عبر عن إخلاصه، ليس فقط للثقافة العربية، بل للمباديء الإنسانية والحريات الوطنية.

ويؤكد د. خليفة الوقيان على ملمح الإدراك اللغوي لدى السقاف، وهو الذي حفظ القرآن الكريم في سن الثانية عشرة، قبل أن يحفظ ألفية ابن مالك. ويتذكر كيف أن كان يبز أساتذته في معرفة النحو، حتى أنهم يعترفون بأن الحق معه. كما كان (المقتضب في معرفة لغة العرب) أول مؤلفاته، وهو ما يجعلنا ندرك أن عروبة السقاف اللغوية جزء أصيل من هويته القومية.

نحن في أواخر العام 1945، بالكويت، حيث يفكر السقاف، المعلمُ بالمدرسة الشرقية في إنشاء منتدى أدبي بمنزله. ها هو يدعو جمْعًا من المهتمين بالأدب، أكثرَهم من المدرسين، ليتحدث إليهم عن وجوب الاهتمام بالحركة الأدبية.

لم تكن هناك صحف محلية أو نواد أدبية في تلك الفترة من تاريخ الكويت، وكان الناسُ أسرى لأخبار الحرب العالمية الثانية الطاحنة، وما خلفته من آثار، ولم يكن المجتمعُ الكويتي حتى ذلك التاريخ قد بدأ ينعم  بخير الثروة النفطية، كما أن المناخ السياسي كان لا يزال تحت تأثير أزمة المجلس التشريعي لسنة 1938م.

فعلى عكس الوكيل السياسي البريطاني في الكويت المقدم هارولد ريتشارد باتريك ديكسون (بين عامي 1929 و 1936) الذي لم يتدخل في شئون الكويت الداخلية وسعى لدى حكومته لمنح شيخ الكويت سلطات كاملة، كان خلفه النقيب جيرالد سيمبسون ديجوري (1936 ـ 1939) قد سعى للانتقاص من هذه السلطة، وأثار الفتن ضد الشيخ أحمد الجابر، وكانت تلك الأزمة هي أكثر ما عبر عن تدخله في شئون الكويت، إذ أججت وثيقة المجلس التشريعي الصادرة في 2 يوليو 1938  الخلاف بين بريطانيا والكويت، وبالتالي بين شيخ الكويت والمجلس بعد شهر واحد، وهي أمور رأى ذلك المعلمُ أن آثارها لا تزال باقية، فآثر الحذر، وجعل الندوة ـ التي ظلت تقام في بيته وبيوت المتحمسين مساء كل خميس حتى مطلع صيف 1946، حين توقفت لاعتبارات كثيرة، منها العطلة الصيفية، وخاصة أن روادها معظمهم كما أسلفنا من المدرسين ـ جعلها قاصرة للحديث عن بعض الأعلام في الشعر والأدب.

كان تأثر الكويت بالتيارات الفكرية والسياسية مبكرا، حتى قبل فترة الثلاثينيات. فقد كان لمتابعة أخبار الأحزاب السياسية في مصر ـ مثالا ـ وما تنشره الجرائد العربية التي تأتي الكويت من مصر والعراق وسورية وفلسطين بالغ الأثر في إذكاء الروح الوطنية والقومية عند الكويتيين، ومنذ ذلك الحين والنشاط الوطني يزداد وطلب الإصلاح يتصاعد والحس القومي يشتعل.

هنا بدأ بطلنا الشاعر أحمد السقاف يبحث عن سبيل آخر لخدمة الحركة الأدبية، ولذلك راودته فكرة إصدار مجلة أدبية، مهما كانت متواضعة، وهي فكرة طموحة اصطدمت بعقبة عدم وجود وسيلة للطباعة بالكويت، فما كانت تحتاج إليه بعض إدارات الحكومة وبعض التجار كان يطبع أوراقه التجارية بالخارج، مثلما نعرف أن العالم العجيري كان يطبع التقويم في العراق ومصر والهند.

كما أن أول مجلة صدرت في تاريخ الكويت، (مجلة الكويت) كانت تطبع بالقاهرة، منذ أصدر صاحبها الشيخ عبدالعزيز الرشيد عددها الأول في شهر مارس من عام ١٩٢٨. وقد مثلت هذه المجلة بداية الصحافة الكويتية، فكانت أول مجلة وإصدار صحفي ليس في تاريخ الكويت فحسب بل في دول الخليج العربي.

كان الشيخ عبدالعزيز الرشيد يعد جميع مواد المجلة بنفسه، فهو رئيس التحرير والمراسل والمحاسب والموزع والمسؤول عن المجلة، وتحمل مسؤولية الدعم المادي للإصدارات من خلال الإنفاق من ماله الخاص ومحاولة جمع التبرعات، وكان يتحمل مشاق السفر إلى القاهرة ليطبع المجلة هناك في (المطبعة العربية)، لتصدر (مجلة الكويت) باعتبارها “مجلة دينية تاريخية أدبية أخلاقية، تصدر في الكويت” وهي ” مجلة شهرية سنتها عشر أشهر وتعوض القراء عن الشهرين بكتاب نافع مفيد”.أما قيمة الإشتراك السنوي فكانت تسع روبيات في الكويت والبحرين وعشر روبيات في الخارج، وبلغ عدد المشتركين ثلاثمئة شخص وهيئة. ولكن المجلة توقفت في مارس عام 1930  مع صدور العدد العاشر من المجلد الثاني ولا أحد يعلم عن سر توقفها.

ويبدو أن إصدار مجلة، أية مجلة، في بلدٍ تندر به الإصدارات، كان يمثل عنوانا للحركة الثقافية، وديناميتها، لذلك انتهز أحمد السقاف فرصة جلب أحمد البشر الرومي وحمود المقهوي لمطبعة صغيرة مستعملة من مدينة البصرة، ليجد معها السقاف الضلع المكمل لمربع مشروعه الثقافي.

نحن في العام 1947، يقصد أحمد السقاف مكتب عبد الحميد الصانع، مدير بلدية الكويت، وكان السقاف يعرف أنه من جلساء الشيخ أحمد الجابر الصباح حاكم الكويت. فاتحه بفكرة المجلة، وطلب منه أن يستأذن الشيخ لإصدارها، مجلة ثقافية شاملة. وافق الصانع، وحمل الفكرة ولم تمض سوى أيام قلائل حتى حضر الصانع إلى المدرسة الشرقية، حيث يعمل السقاف، يبشره بالموافقة. طلب الصانع من السقاف الاجتماع لتداول الفكرة، في منزله أو بمنزل السقاف.

وفي مساء اليوم نفسه تم الاجتماعُ في منزل السقاف، فدرسا معًا ما يلزم دراسة دقيقة، واختارا اسم المجلة (كاظمة)، وكانت صورة الغلاف التي لزمت الأعداد جميعًا لذلك النبع الذي حول بقعة من البادية إلى واحة خضراء، حيث اشتهرت كاظمة بمياهها العذبة، وكثرة المترددين عليها لرعي الإبل والأغنام.

السقاف يتحدث إلى الشيخ صباح الأحمد، أمير دولة الكويت، حين كان كان سموه مسئولا عن دائرة الإرشاد والأنباء (الإعلام حاليا) قبل استقلال الكويت

إرهاصات (العربي):

لكن ما بين صدور (كاظمة) بالكويت في تموز (يوليو) 1948، وصدور (العربي) بالكويت في ديسمبر  (كانون أول) 1958 عشر سنوات قدمت صورة متعمقة لرحلة أحمد السقاف كمثقف عربي، ساعد على وضع الكويت على خريطة الثقافة العربية بقوة، مثلما جعلها تجسد روح القومية العربية في أبهى صورها.

صحيح أن تاريخ ميلاد مجلة (العربي) هو مطلع ديسمبر 1958، ولكن إرهاصاتها في صحافة السقاف الثقافية كانت حاضرة على نحو كبير.لقد انطلقت (العربي) لتكون جسرًا بين أبناء الوطن الواحد، ولهذا جاء باب الاستطلاعات الذي يحمل عنوان (اعرف وطنك أيها العربي) كسابقة صحفية حيث انتقل القاريء في المشرق والمغرب إلى القاصي والداني في البلدان العربية.

لكن بذرة هذه المادة كانت حاضرة في (الإيمان)، المجلة الشهرية التي صدرت مطلع يناير 1953م، لسان النادي الثقافي القومي بالكويت، وضمت في أسرة تحريرها أحمد السقاف، وأحمد الخطيب، ويوسف إبراهيم الغانم، ويوسف مشاري، وفي مفردات لا يبعد عنوانها كثيرًا: (بلادك أيها العربي)، وكان يكتبه، إلا إذا ذكر غير ذلك، وكأن السقاف كان يمهد لهذا الباب الذي ظهرت فيه العناوين التالية:

العدد

التاريخ

العنوان

ص ص

ملاحظات

5

أيار 1953

الشارقة وأخواتها

312ـ316

مصور، 7 لقطات فوتوغرافية أولها للشيخ صقر بن سلطان القاسمي شيخ الشارقة وملحقاتها مع الشيخ راشد بن سعيد بن مكتوم شيخ إمارة دبي

6

حزيران 1953

البلاد السعيدة

382 ـ 383

غير مصور

7

أيلول 1953

الأردن

451 ـ 455

غير مصور

8

تشرين الأول1953

ضفة الأردن الغربية

502 ـ 504

غير مصور

9

تشرين الثاني1953

ليبيا

597 ـ 602

غير مصور

10

كانون الأول 1953

الجزائر

654 ـ 660

غير مصور

11

كانون الثاني

1954

مراكش المستميتة في الدفاع

100ـ106

بقلم الطالب  (المنشورة صورته مع الموضوع) عبد العزيز برادة، ثانوية الشويخ.

12

شباط 1954

عدن

210 ـ 215

مصور، مع 3 صور يحتل كل منها صفحة كاملة

13

آذار 1954

سورية

298 ـ 302

غير مصور

14

نيسان 1954

لبنان

379 ـ 381

غير مصور

15

آيار 1954

العراق

464ـ467

غير مصور

16

نيسان 1954

اللواء السليب

556 ـ 558

غير مصور . في هذا العدد والتالي والأخير ظهر اسم الأستاذ عبد الله أحمد حسين، رئيس التحرير المسئول، عوضا عن الأسماء المعتادة.

17

1955

فلسطين!!

620 ـ 627

غير مصور، بقلم علي عقيل، وهو مقال يختلف كليا عن السابق من المقالات التي عرفت جغرافيا وتاريخيا بكل بلد.

بل إن فكرة (العدد الممتاز) التي كانت (العربي) تستهل به كل سنة جديدة، كانت فكرة متحققة في مجلة (الإيمان)؛ إذ صدر العدد الحادي عشر، مطلع يناير 1954 (كانت (العربي) تجعل من أعداد يناير أعدادًا ممتازة، قبل أن تتبنى فكرة الملفات المميزة للأعداد الممتازة نمطا شبه شهري لإصداراتها). وكان العدد الممتاز من (الإيمان) الصادر في ذلك التاريخ مكرسا من قلم التحرير لفكرة (العروبة)، فيكتب تحت عنوان (الشرق العربي في الميزان الدولي) الأستاذ عبد المجيد مصطفى ناظر ثانوية الشويخ، ورئيس البعثة المصرية. وينظر التربوي الفلسطيني الرائد الأستاذ درويش المقدادي (نظرة سريعة في قوانين التعليم الجديدة بمصر ـ تنظيم التعليم الابتدائي والثانوي). ويكتب الأستاذ عبد الله أحمد حسين (من رسالة القوميين العرب). ويتناول (الوضع في الجنوب العربي) الأستاذ عبد الله فاضل. ويحقق الأستاذ أحمد القصاب في كلمة عجلى ، كما وصفها، (حول قانون تملك الكويتيين أموالا غير منقولة) في العراق.

ويتحدث الأستاذ عصام عسيران عن (موسيقانا .. متى تتطور؟). وينشر الأستاذ عبد الرزاق البصير نص (رحلة إلى بغداد). وتعيد المجلة نشر المحاضرة التي ألقاها الأستاذ سليمان الصفواني بالعراق عن (الفراغ العربي). أما الأستاذ أحمد السقاف فيخصص موضوعه لقراءة (الوضع العربي الراهن). كما حمل العدد موضوعًا بعنوان (سر الصقور) وهو مرفق مع 26 صورة للفنان المشهور الأستاذ عبد الرزاق بدران، ويعد أول الاستطلاعات المحلية النادرة، التي أصبحت سنة أيضا بعد ذلك في (الإيمان)، ومن بعدها في (العربي).

ومن طريف ما يسجل للسقاف، أنه ابتكر قاموسا لمفردات القومية، جاء عليه في أحد أعداد مجلة (الإيمان):

قل

ولا تقل

الوطن العربي

العالم  العربي

بلاد العرب

دنيا العرب

الشعب العربي

الشعوب العربية

الأمة العربية

الأمم العربية

الخليج العربي

الخليج الفارسي

سورية

سوريا

انقاذ النازحين واجب

انقاذ اللاجئين واجب

(الإيمان، العدد 6، حزيران 1953، السنة الأولى، ص 386)

والملمح الثالث، للتشابه بين صحافة السقاف، و(العربي)، بعد التعريف بالوطن العربي، والاستطلاعات المحلية المصورة، هو الاستطلاعات العالمية.

والطريف أن نشر هذه السلسلة تحت عنوان (هذا الكون) سبق مجلة (العربي) كثيرًا، إذ أن (العربي) اكتفت في العقدين الأولين بالبلدان والمدن العربية، ثم انطلقت إلى العالم الإسلامي، بعدها عرفت الطريق إلى بلدان العالم بعد نحو ربع القرن من تأسيسها.

الفارق هو أن (الإيمان) كانت تترجم، عن ناشيونال جيوجرافيك، وريدرز دايجست، ولايف، فيما كانت استطلاعات (العربي) بأقلام وعدسات كتابها وفنانيها.

من اليمين: محمد قاسم السداح، أحمد السقاف والشاعر الراحل خالد سعود الزيد في المملكة المغربية

والمتتبع للصحافة الكويتية الثقافية، التي لم يساهم بها السقاف، مثل مجلة (الرائد) المجايلة لمجلته (الإيمان)، يكتشف أن الترجمة عن ناشيونال جيوجرافيك كانت حاضرة كذلك على صفحاتها، وهو ما أهل لكي تكون (العربي) معادلا موضوعيا لمجلة الجمعية الجغرافية الأمريكية، في استطلاعاتها.

أما رابع الملامح التي تؤكد تواصل الصحافة السقافية العربية فهو تقديم صور من البطولات العربية، لم يخل منها عدد.

وأخيرًا بقي أن محاولات السقاف، ومن معه، في أن تكون (الإيمان) صوتا للعرب والعروبة، وللغة العربية والثقافة  العربية، قد أنجز على النحو الأكمل في (العربي)، التي بشرت بأصوات فارقة في الفضاء الثقافي العربي.

ولا يختلف تناول عروبة السقاف في صحافته، عن عروبته في الشعر، إذ أنه كان شاعر العروبة في الكويت بلا منازع، وكان لسانه الشعري متحدثا بقضايا أمته العربية.

أولع الشاعر بالمكان، وهو يحول الأماكن أشعارًا، تجتاز مرحلة الوصف، إلى مرحلة الحوار مع الذات وتجسدها، فهي ليست جغرافيا قدر ما هي تاريخ، هكذا يصف زادي الباطن مطون صباه، حيث ترعرع، وهو يسير معه 24 ساعة، منذ أن يستيقظ في الصباح الباكر مع النسيم الرقيق، حتى ينام تحت سماء يحصي الشاعر على ضفتيها النجوم (صحيفة ملتقى الثقافة، العدد 44، ص 125 غير منشورة بالديوان):

انظر تجد الله؛ آثارَه

ملموسة عن كل قريةٍ أقرب

إني أهيم بوادٍ قد درجتُ به

منذ الطفولة كم يحلو به اللعبُ

واد تحف به من كل يانعةٍ

خضرُ وماءٌ وما جادت به الكتبُ

رأيتك ظلا ظليلا تبدَّى

إذا الطير بين الغصون تفيا.

والواقع أن اهتمام السقاف بتسجيل المكان العربي وتوثيقه، آتيا من الذاكرة ومنصبا بها، سواء في مقال معلوماتي أو باستطلاع مصور أو قصيدة ، إنما يعد ذلك جزءا من الطابع الذاتي للهوية القومية.

فالمكان، أرضا وسماء ومعالم جغرافية وذكريات تاريخية ـ أي بإيجاز ملامحه المادية وقسماته غير المادية ـ تشكل كيانا لا ينفصل عن هوية الإنسان. وما حرص السقاف على المكان العربي حرًّا أبيا نقيا إلا كحرصه على حرية الإنسان وإبائه ونقائه بالمثل. وإبرازه لخصوصيات المكان هو تأكيد على الخصوصية الثقافية لابن هذا المكان، الوطن، وصاحبه.

وعبر شعرية المكان بما يحمل من دلالات يجسد الشاعر بالصورة  واللغة  والإيقاع تاريخ ذلك المكان. لتصبح الجغرافيا الصماء مشاهد أليفة وأركانا حميمية وأسماء قريبة من القلب وصورًا تحب العين أن تشاهدها دومًا.

إن الشعراء الرحالة، مثالا، يأخذون من الأماكن التي زاروها تلك الذكريات والصور التي أحبوها في ذلك المكان أو سواه، ليصبح المكان الشعري وطنا، بذاته، ولهذا ما أكثر الغزل الذي تفنن به السقاف في كل مكان زاره أو عاش به. وهو يستعيض عن الجغرافيا بالتاريخ ليتغزل في أماكن عربية لم يزرها، كما يمكننا أن نتحدث عن فلسطين. وإذا غابت الجغرافيا والتاريخ فإن المكان يستبدل بالإنسان، وهو ما يبدو في قصائده عن الأعلام.

الكويت

هكذا يتأثر الشاعر أحمد محمد السقاف بالمكان الكويتي، وهو هنا يجمع الجغرافيا والتاريخ لأنها وطنه الذي يضم العناصر الثلاثة: الجغرافيا والتاريخ والإنسان (قصيدة: شعب الكويت، ديوان السقاف، ص ص 9 ـ 10)   :

مرحى لقد حُزت ما ترجو ولا عَجب

فأنت تُنمى إلى قومٍ هموا العرَبُ

وكنتِ يا كويت طودًا بوجه الخاطفين أبية

أن يستبد بك الإرهاب  والرهب

وصنت  تاريخك المرموق محَتسيًا

 دما زكيا بنارِ البَغيِ يْنسكبُ

 شَعبَ  الكويتِ لقد أرضيتَ ما حفَلتْ

 به العصورُ وما تاهت بِه الحقبُ

ويبدو أن مسألة جذوره اليمنية، كانت تلح عليه أن يجدد العهد بإعلان حبه للكويت:

يقولُ لي الناسُ: ما اسمُ الحبيبة

لقد حير الفكر هذا السؤال

فقلت: الحكاية جدا غريبة

فما من غموض، وما من خيال

أعيدوا التأمل في كل بيتٍ

فقالوا: عرفنا الكويت .. الكويت

وعلينا أن ندرك كم الحزن الذي أصاب شخص السقاف وشعره بعد كارثة الغزو والإحتلال العراقي للكويت في الثاني من أغسس 1990م، لتصبح قصائده غارقة في الأسى، وهول الفجيعة، لعربي ملتزم بقضايا أفنى عمره من أجلها، حتى أن وزارات التعليم في مصر وليبيا والجزائر والأردن واليمن ودول الخليج العربي قررت بعض قصائده في مناهجها التعليمية.

يقول عن شهيدات الكويت (الديوان ص ص 99 ـ 106):

الرفضُ والإقدامُ والإصرارُ

شرحت معانيها لنا أسرارْ

شرحت معانيها ببذل دمائها

وعلى الدماء تحرر الأقطارْ

وقفت بوجه المعتدين بطولة

شَمَّاء حار لبأسها الجزَّارْ

ويكتب (في ذكرى التحرير):

يا عروسَ الخليج كنتِ وما زلــ

ــتِ مزيجًا من فتنة وشباب

صيتُك الضخم في العوالم يدْوي

ودعاوى الغزاة تحت التراب

التعيب الذي يُردَّد سخفٌ

لا يخيفُ الوَرى نعيبُ الغرابْ

وهو لا يخفي ألمه، على الراحلين، أو غضبه من الدعوات، بل يصور في قصيدة عن المسجد الكويت حزنه، وهو لا يكاد يصدق أن ما يجري يتم بعلم العراق، إن لم يكن بإثم الغزو (مجلة: أنصار العرب، ص 144، 1990):

آه على المسجد وقد هُتِكَتْ

فيهِ المحارمُ والتنكيلُ ألوان

من يُبلغ القوم في العراق أن بنا

جرحا عميقا إذا لم تدري العراق.

فلسطين

يرى السقاف أنه خلال ثورة فلسطين التي اندلعت في العام 1963 (أحمد السقاف (نخبة من مقالاته ومقابلاته) ص ص 11 ـ 16) تسابق الكويتيون لمساعدة هذه الثورة بالمال والسلاح، وما زالت الشغل الشاغل لجميع العرب والمسلمين، ويقول في ديوانه عن تلك الثورة:

هي الشرفُ المطعون والهمُّ والألمُ

ينوحُ لها الوجدانُ والفكرُ والقلمْ

بلادٌ رسمناها على كُلِّ مُهجةٍ

ومن كُلِّ قلبٍ نفتدي أرضها بدمْ

وفي كلِّ عينٍ غضبة يعربيةٌ

تزلزلُ في تصميمها الأرعنَ الأشمْ

ويقول في نكبة (1948):

منذ نصفِ القرن عشنا نَكبةً

ملؤها بؤس وظلم واغتصابْ

همُ فلسطين، وهَم ضيعاتها

والسهول الخضرُ فيها والجبالْ

(ديوان شعر أحمد السقاف ص ص 285 ـ 290)

وعن ثورة أطفال الحجارة:

ؤلاء الصغارُ قد أيقظوا الشعــ

ــب وهاجوا إباءه واقتداره

وتنادوا من أجل صوت فلسطين

فطوبى لمن يحرر داره

ورفعتم رؤوسنا وعليكم

وبكم نالت الحجارة نِضارة

اليمن

وفي ذكر المكان اليمني يقول السّقاف (ديوان السقاف ، ص ص 124 ـ 127) :

قدمتُ فاستقبلتني بالهوى عدن

والحب  مذ كان ما ضّنت اليمن

مهد العروبة  لم يجحد مكانَتها

إلا غبي غريق في العمى أَفِنْ

 صنعاء  يا بَلد الأحرار معذرةً

فالوحي  مرتبك  والفكر  مرَتَهَنْ

العراق

وقد تغزل السقاف بالمثل بالمكان العراقي، فذكر بغداد، وسامراء (ديوان السقاف، ص ص 467 ـ 468):

فزر إذا ترغب سُرَّ مَنْ رأى

 ترَ  الذي يبعَثُ فيك الفخرا

جامعها أبقى وأنْدى ذكْرا

وقد حوى فنَّا تحدَّ البترا

وضم ما يزرِي بقصرِ عفرا

ملويةً شِيدَتْ تغيظُ الشِّعرى

الأراضي العُمانية

وهو يرى أن الأماكن العربية تسلم بعضها بعضا وكأنما هي جسدٌ واحد، كما يتجلى ذلك في قصيدته عن عُمان:

كلُّ شبرٍ من الترابِ العماني

هو قلبي ومهجتي وكياني

أفتديه وكلُّ حبةِ  رملٍ منه

 أغلى عندي من العقيانِ

والشمالُ الذي يُتَمِّمُه نَجدٌ

 حبيبٌ إلى الجنوبِ اليماني

مصر

وما ينتشي الشاعر بمكان إلا حين يتجلى له رمزا للمقاومة، كما في قصيدته عن المدينة المصرية بورسعيد (ديوان السقاف، ص ص 280 ـ 281):

بالّنارِ بالدمِ بالحديد

 وقفت تكافح بور سعيد

بلد  العروبة لا تهاب

لظى القتالِ ولا تَحيد

وقفت فكان لها الخلود

وقوفَ جبارٍ عنيد

تُملي على التاريخِ

والتاريخُ يكتب ما تُريد

الجزائر

وهو الأمر نفسه مع المكان الجزائري، حين يقاوم أبناؤه أعداءهم (ديوان السقاف، ص 363):

ولن تَقفَ الجزائر عن جهاد

يحرر  شعبها ويلم شمَله

إذا طوقُ الجزائرِ من حديد

فإن يد الكمي  تُجيد فلّه

 وما أرض  الجزائرِ غير أرضي

 بقلبٍ تُفَتدى مّني ومُقله

أُقبلُ من ثراها كلَّ شبرٍ

 بكلِ جوارحي مليون  قُبَلة

سورية

ومثل ذلك سيذكر تونس والمغرب، كما أن لسورية عامة، والمكان الدمشقي خاصة، نصيب كبير في شعر السقاف مكانا للّنضال والزود عن الوطن والدفاع عنه:

 صمودك فخر تحدى المفاخر

وإيمانك الصلب هز المشاعر

دمشقُ إليك  تحن النفو س

 وبالغوطتينِ تقر النواظر

والخلاصة أن السقاف رأى روحه الشاعرة شاهدا على العصر، فلم تمض شاردة ولا واردة إلا وسجلها قلمه، وإن كنا نشير إلى الأحداث الجسام، في وطنه العربي الكبير، التي لم يفته التعليق عليها، أو إلى الأعلام الذين منحهم قبسا من مديحه لإيمانه بدورهم القومي والعربي، فإن كذلك لم يترك الإخوانيات اللطيفة، والأحداث الأسرية، دون أن يسجلها، وكأننا أمام مؤرخ شعري، بلا منازع، تقرأ شعره فكأنما تقرأ تاريخ الأمة العربية في زمانه، مثلما تقرأ سيرته الذاتية بالمثل.

وربما يجب أن نسجل تأثير ذلك التأريخ في أمرين؛ الأول هو الغزارة الشعرية التي جعلته الأكثر انتاجا بين مجايليه، والثاني أن ولع السقاف بالمعنى قد أثر على التحليق الخيالي الشعري، فقد ربطته المفردات والأفكار بقيد الهيكل الشعري التقليدي، في معظم قصائده، فكان في بعضها ناظمًا تحركه الأفكار لا الأوتار.

لكن الصدق مع الذات هو أبلغ ما يصف مسير السقاف، فقد كان شافا عما يفعل لرضاه به وعنه، فلم يُخفِ شيئًا، أراد التعبير عنه، لا شعرًا ولا نثرًا، حتى أنه كان يضع أحيانا كلمات دارجة أو أجنبية لكي يقرب المعنى، وكأنه ينقل نقاشا شفاهيا عاميا إلى مدارج ومسامع القصائد الفصيحة.

كما كان السقاف يخاطب الأمة جميعها وكأنه يقف هنا فوق منبر بالكويت، ليسمعه عبر الكلمة السردية والشعرية العرب من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي.

ولعل أسباب ذلك هو قراءته للتاريخ، وطموحه في النهضة، فقد عرف أن التخلف والاستعمار هما ما وضعا البلدان العربية في مآزقها آنذاك، وأن التقدم والحرية هما الجناحان اللذان ستحلق بهما الأمة مجددا، فكان سعيه الأدبي والفكري والإنمائي لتكريس مظاهرهما في كل ما يأتي به قلمه وعمله.

مؤلفات أحمد السقاف:

  • §         المقتضب في معرفة لغة العرب، ط 1، 1950م، ط 3، 1990م
  • §         الأوراق، كتاب يبحث في أشهر ديارات العراق، ط 1، 1954، ط3 ، 1983م
  • §         أنا عائد من جنوب الجزيرة العربية، ط 1، 1955م، ط 4 ، 1985م
  • §         حكايات من الوطن العربي الكبير، ط 1، 1980م، ط2 ، 1988م
  • §         في العروبة والقومية، ط1، 1982م، ط2، 1987م
  • §         تطور الوعي القومي في الكويت، ط 1، 1983م
  • §         العنصرية الصهيونية في التوراة، ط1، 1984م
  • §         شعر أحمد السقاف “مجموعة شعرية”، ط1، 1986م، ط2، 1989م
  • §         تأملات في حاضر الأمة العربية، ط1، 1986م
  • §         صيف الغدر، ط1، 1992، ط2، 2000م
  • §         قطوف دانية، ط1، 1995م
  • §         أحلى القطوف، ط1، 1996م
  • §         الطرف في المل والنوادر والأخبار والأشعار، ط 1، 1996م
  • §         نكبة الكويت،  “مجموعة شعرية”، ط1، 1996م
  • §         أحاديث في العروبة والقومية ،ط1 ، 1997م
  • §         أغلى القطوف، ط1، 2000م
  • §         من شعر أحمد السقاف،  “مجموعة شعرية”، ط1، 2001م
  • §         السقاف ، أحمد ،  2004 م. أحمد السقاف ” نخبة من مقالاته ومقابلاته “
  • §         مركز البحوث والدراسات الكويتية ، الكويت
  • §     مختارات من أعمال السقاف، مجلدان، إصدار خاص بمناسبة اختيار السقاف شخصية مهرجان القرين الثقافي الرابع عشر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ط1، 2007م

قراءات:

  • الرشيدي، بدر نايف، 2011/2012 ، (رسالة ماجستير)، صورة المكان في شعر أحمد السقاف، قسم اللغة العربية وآدابها، كلية الآداب والعلوم جامعة الشرق الأوسط
  • العمري، محمد، 2003، البنية الإيقاعية في الشعر الكويتي، مطبوعات المجلس الوطني. الكويت

الوقيان، خليفة، 2011، أحمد السقاف، حياته ومختارات من شعره، مهرجان ربيع الشعر الرابع، مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعر، الكويت.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات