الكاتبة

08:42 مساءً الجمعة 22 مارس 2013
أميمة عز الدين

أميمة عز الدين

أم وكاتبة مصرية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الفصل الثانى من رواية الكاتبة

 الرسالة الثانية

 وهذا صباح آخر نتنفسه وننتظر أملا بعيدا

أو حلما عصيا

أو مناوشة أخرى للروح تجد لها مستقرا بالقلب

 دعني أخبرك عن الوحدة والحزن والحب حين يجتمعون في قلبك، تشهق القصيدة بداخلك وتفور كتنور عشق يلامس شغاف حزنك فينتفض قلبك ليعلن أن البكاء لرجل مثلك يشبه معافسة الدنيا لقلب تقى، وأتوق-مثلك- لحرية طائر مهاجر، وطنه في قلبه، لا يهمه غير كلأ يومه وشربة ماء بلون الندى.

 وكأني ولدت لأبوين فقيرين، على استحياء يهيئ إلىّ في صورتي الأخرى اننى كنت أبسّ العجين مع أمي، رائحة الخبز الساخن تشملني حينما تدور الصواني بين أبى واخوتى ويتناسون وجودي ولا أنال نصيبي من خبزهم الساخن وكأنهم يأتمرون بى، ولما كبرت وخبرت الخبيز وأسراره كنت أهديك نصيبي كاملا غير منقوص حين تؤوى إلى وأنت بالكاد تشعر بوجودي الساقط بينك وبين إخوتك وتعاودني ذكرى: إنهم يأتمرون بى.

أنت أيضا كنت تأتمر على، عامدا إلى تجاهلي داخل بقعتك التي ملأتها بغيري، ما أجيده الآن هو البكاء، وهجاؤك ولعنك.

أفغمتنى رائحة الخبز الساخن ولا أدرى سبب تذكري إياك عندما اشتمها، يجرفني حنين لقضم لقيمات الخبز على عجل وكأني اهرع للقياك لدى مكانك المفضل على كورنيش النيل.

من بعيد أراك وأنت تشعل فتيل الثورة في قلوب شباب صغير ألتفوا حولك وجعلوك ملهما وقائدا، وعرفت كيف تحدد موقعك، فى المنتصف كنت، تماما كما رغبت وخططت. أحيان كثيرة يزرعونك فى المقدمة رغما عنك، ترغب أن تنأى عن الأحداث بتواضع مصطنع، تتوارى خلفهم، مختبئ أنت كحيوان مبتل بعاره وخوفه من الظهور، ضمنت لنفسك جحرا عميقا كحيوان الغرير. تستغل حماستهم لتطلقهم كفئران تجارب، لايهمك غير أن تبلغ ذروة مجدك بحياة أولئك الصبية المتحلقين حولك، بل وتمعن في قسوتك ؛ وتعلن أن من يسقط منهم يعتبر وقودا مقدسا لثورتك المباركة، يتكتمون عليك ويبالغون في حماستهم وقد اعتبروك رمزا يلتفون حوله، أظنهم هم أيضا كانوا يخدعون أنفسهم كما أخبرت صديقك حسن عرفة الذي تزوجني ذات يوم، وكاتم أسرارك العتيقة، وفسرت سر التفافهم حولك أنهم يفتقدون الرمز والقدوة في حياتهم وأنهم وجدوا فيك ضالتهم وهويتهم المفقودة.

تشرنقوا حولك وجعلوك فراشة حماسهم، هم من توهموا ذلك واستمتعوا بذلك، أنت أيضا لم تخجل حينما اعترفت لحسن عرفة انك لا تشعر بالذنب تجاه سذاجتهم المفرطة، لأنهم استراحوا لذلك، حتى يواصلوا حياتهم بطريقة مشرفة وأنت تواصل نضالك على طريقتك وتدعو مزيدا من الأخوات الشاعرات والفنانات المتحمسات لقضيتك العظمى في تحرير الوطن من القمع ومصادرة الحريات.

كانت جدتي تخبرني أن الديك الذي يصيح خارج حظيرته، والذي لا يعترف بصيصانه الصغار لا يستحق غير الذبح أمام دجاجاته الضعيفات المستكينات، أيضا، هن يستحققن الذبح لأنهن صمتن عليه وعلى فلاتته ولم يردعنه بنتف ريشه ريشة ريشة، كنت استمع إليها وعينيها تزوغ على جدي الذي يتشاغل عنها بالتسبيح والتهليل والإستغفار وكأنه في دنيا أخرى.

تم زواجي الأول بسرعة غريبة، دون الإلتفات للتفاصيل المعتادة في الزفاف خاصة عندما يكون الزفاف الأول، يشوبه الأخطاء وعدم الدقة، كنت كتمثال منحوت من صخر قاس، لم أشعر بطعم الفرحة أو اهتز طربا بسماع مديح زوجى المرتقب في فستان الزفاف، كان يتحدث وكنت أرى صورتك في عينيه، تتحرك أمامي كلاعب سيرك محترف، ترواغنى وأنا أثبت نظراتي في عينيه حتى ظن اننى متيمة به فسرق قبلة منى على حين غفلة، نهرته بشدة واقتنع أن الخجل يعتريني والغريب أن ابتسامته زادت وثقته بى زادت حتى انه انكب يقبل يدي ويهمهم باعتذار رقيق وشبّهني بالملائكة.

رغم أنه كان صديقا مشتركا بيني وبينك ويعلم شدة حبي لك وكم من مرة وسّطّته أنت حتى أتخلى عن سذاجتي وأتفهم طبيعة الحياة التي تنشدها بخيالك، حتى حدث الإنفصال الذي لا رجعة فيه وأعلنت اننى لا أستحق أن أكون بجوارك وسافرت متعللا بمنحة لدراسة أصول الشعر بباريس أربع سنوات، لم تودعني كما يليق بعاشقين متيمين، تركت رسالة شفهية مع صديقنا المشترك وأقسمت له أنك لم تعد تحبني وكأنك تهبني إياه في لحظة مجنونة، وكأنني إرث لك تهبه لمن تشاء، هو الآخر تلقف عطيتك بحذر وتسلل إلى، لم أسمعه يوما يشينك بكلمة أو يشير إليك بتصرف غير لائق نحوى، و لم يحاول أن يلومك على هجري، فقط استعاذ بهدوئه ووقاره المفتعل وتوسل إلى أن أسمح له بالبقاء بجواري إلى حين.

طال ذلك الحين وأصبحت أراه كثيرا، يتقرب من أبى وينصحني أن أترك الكتابة واشتغل بالصحافة ثم عندما تثبت قدماي أعاود الكتابة مرة أخرى، حينها سيساعدني كل من هب ودب في بلاط صاحبة الجلالة، ولن يخدشنى أحد بنقد أو تأويل سيء، شعرت أنه يفهم قواعد اللعبة جيدا ويريدني أن أفهمها سريعا.

تم الزواج سريعا وقد أعلن منذ اليوم الأول انه لا يقبل أن يكون ظلا لأحد وأن الرجل الحقيقي لا يريد سوى قلب امرأته بالكامل، ووجدته يأتي بكل دواوينك ويحرقها أمامي بالمدفأة، أرى توهج النار بقصائدك وألمح النشوة والإنتصار في عينيه، الآن يتصرف مثل أي رجل في فيلم عربي قديم، يثور لكرامته فقط بعد أن سجل لدى المأذون وثيقة الزواج والتي يعتبرها تشبه وثيقة شراء متاع متداول، كان انطباعي عنه يشبه الصدمة.

هل تفهم معنى صدمة الاكتشاف يا عزيزي الشاعر؟ وهل تقدر مغبة أن يصيبك الملل منذ اللحظات الأولى لاكتشافك هوية الشخص الذي تتهيأ لتعاشره عمرا لا بأس به، لقد تسرب إلى الملل من التفرس في وجهه أو الإستماع إلى صوته الرخيم، فقط لأنه قال كل شيء كما أشار فلوتير، الملل عدو ذكى، يصيب مناطق الذاكرة بفيروس،علّك تتوقف عن تحمل الشخص الممل وقد تصاب بشفقة على مصيره المتوقع في سلة المهملات، حينما تسقطه تماما تفكر بطريقة للتخلص منه طوال الوقت، قد يدفعك هذا لتبنى فكرة الموت وإهدائها إليه دون مقابل، أمنية رحيله المبكر استحوذت على تفكيري طيلة معاشرتي إياه، شعرت بالجانب المظلم في تفكيري، والتمست لنفسي الأعذار كلها لكرهي له ولأمنيتي الخفية لأننا وكما يقول سنيكا مثل القمر، لدينا جانب مظلم لا نحب أن يطلع عليه الآخرون، أجل، أنت نفسك تعمدت أن تخفى جانبك المظلم هذا عن عشاقك ومريديك.

أقلل من نفوري تجاهه بادعائي المرض ورغبتي في النوم بمفردي بالحجرة المجاورة. لكنه أخذ فى الثرثرة بحكايات لا لون لها ولا طعم، الصداع جعلني أشعر بالغثيان ورغبة ملحة في التقيؤ، هرولت للحمام وأنا أكمم فمي بيدي، حدث هذا في ليلتنا الأولى، كان مثل طاووس غير مستأنس، مغرور إلى حد انه بدا جليا انه يحاول إخفاء عيوبه التي تتلف روحه.

اعتمد على قوته وفحولته الذكورية، وبنيانه الجسمي المتناسق وعضلاته المفتولة، كما قال كافكا إن الغرور هو نتيجة صغر النفس والروح، الكائن المغرور يستعيض عن ذلك النقص بالزهو بمظهره الخارجي، هو أيضا حاول أن يفعل ذلك باستعراض عضلاته أمامي في النور الخافت، انعكاس الظلال على وجهه وعلى عضلاته جعلته أشبه بالوحش الذي يهم للعق فريسته وتحسسها في بداية الأمر لمعرفة بواطن ضعفها للإنقضاض عليها، وقتها صرخت من شدة الألم والتي اعتبرها تظاهرا وادعاءا ساذجا فأخذني بالقوة، وما إن شعر بتأوهاتي وانهمار دموعي وسائل مختلط برغاوى بيضاء يخرج من فمي حتى أطلق سراحي وقد شعرت بقرفه اللاراداى منى. ابتعدت عنه وأنا أشكره أنه أخيرا فهم رغبتي بالابتعاد قليلا حتى استطيع التعود على وجوده كرجل من لحم ودم في حجرتي، بكيت طوال الليل، لا أدرى كيف ورطت نفسي في ذلك الفخ المميت، إنه لا يطاق، كان الأولى بى ألا أتزوجه هو أو غيره، مازلت أفكر فيك وهذا جعلني أبدو خائنة.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات