نفس الكلام المكرر بتاع كل يوم

06:55 مساءً السبت 6 أبريل 2013
محمد فتحي

محمد فتحي

كاتب مصري، وأكاديمي وإعلامي، معد للبرامج التلفزيونية. وتنشر مقالاته في الصحف المصرية والعربية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

هو هو.. نفس الكلام المكرر الذى يكتبه الجميع كل يوم، وأنا منهم، فلا نصل سوى لنتيجة واحدة مؤداها أننا فى خناقة، وأن مصر أكبر من «مرسى» وقدراته وجماعته، كما أنها أكبر من المعارضة وخيابتها، وأنه لا يوجد فى البلد الآن رموز حقيقية ولا قادة قادرون على حشد الناس خلفهم والانطلاق للأمام، والتاريخ الآن يستريح، يأكل الفيشار وهو يشاهدنا بتململ، ويكتب سطراً واحداً مكرراً هو الآخر مؤداه أن الجميع يبدو وكأنه مستريح لهذه الخناقة ويطيل أمدها بقدر استطاعته.

هى هى.. نفس المعانى التى تُكتب كل يوم، حتى إنك حين تقرأ لأسماء كبيرة وقامات عظيمة فى الصحافة تجدها تكتب نفس المقال وتكرره لكن بكلمات مختلفة، ونفس المعانى تقولها برامج «التوك شو» وتعيد وتزيد فيه باللين والرفق (وهم فى ذلك قلة)، أو بالصوت العالى، وبالنقاش أو بالردح والخناق، ويظل المعنى واحداً لا يتغير عند الجميع.

الغريب فى الأمر أن أحداً لم يعد يسمع أو يقرأ أو يتحرك خطوة للأمام.

قلناها من قبل.. السياسة فن الممكن، وكل أطراف العملية السياسية الآن لا يريدون «الممكن» إلا من وجهة نظرهم، رغم أن «الممكن» فى الأساس ممكن.

السياسة ليست فن «تحكيم الدماغ» و«مين يقول أى»..

ونقولها من جديد: هناك بلد على حافة الهاوية، وبنى آدم نسيه الجميع، وأولهم الإعلام.

تراجعت مساحات الاهتمام بالبنى آدمين والمواطنين البسطاء فى الصحف والقنوات، وحتى على منابر المساجد، لصالح الاستقطاب والخناقة. تراجع الحوار من أجل الحل لصالح حالة الخناقة المسيطرة والتصميم على حلول بعينها وليست حلولاً ترضى جميع الأطراف.

حتى المهنية فى بث الأخبار ومناقشة الأحداث تكاد تكون معدومة فى ظل سيطرة نموذج الإعلامى المناضل بصوته العالى، ومفرداته فى المشاجرة، وتراجع الإعلامى المهنى الذى يقدم للناس الخبر دون أن يلونه بآرائه الشخصية، أو يدهنه بقناعاته واتجاهاته، وصرت تسمع من يقول إننا فى معركة يجب أن نخوضها للنهاية من الطرفين، فتجد تصرفات حمقاء غبية، يواجهها نقد مبالغ فيه، يقابل برد فعل أخرق أحمق، فيواجه بإصرار وعناد على المضى قدماً فى نفس الأسلوب، وتكون النتيجة أنه لا شىء يتغير، وأننا نكتب نفس الكلام ونردد نفس المعانى فى نفس المكان والمساحة والمقال والبرنامج والشارع والحزب والاعتصام والقهوة والمواصلات وفى كل حياتنا، وننسى أنفسنا.. ننسى أن ارتفاع الأسعار الذى «يوجعنا» بدرجة قليلة، يقضى على غيرنا، ويدمر مستقبل كثيرين، بينما لا يفرق أبداً مع «أغلب» المشاركين فى الخناقة. ننسى أن انهيارنا الاقتصادى الحالى قد يؤدى بنا لمصائب حقيقية لا قِبل لأحد بمواجهتها. ننسى أن تراجع مصر هو تراجع للقيمة والتاريخ والجغرافيا والحضارة، و«رخص» ما بعده «رخص» للإنسان.

نحن نقول نفس الكلام المكرر بتاع كل يوم، وأنتم تقرأون نفس الكلام المكرر بتاع كل يوم، لكن يبدو أننا متواطئون بدرجة أو بأخرى، ومستمتعون بالأمر، فلا نحن نتغير، ولا أنتم تريدون أن تتغيروا، ولا مصر «جابت» آخرها بعد، وهكذا سنظل نكرر ونكرر سواء كنا إعلاماً أو سياسيين أو نخبة أو جماعات أو أحزاباً أو قوى ثورية، وستبقى مصر تتراجع وتتراجع؛ فلا أحد لديه الحل ولا البديل ولا الرغبة فى إنقاذ حقيقى لمصر، ويتحمل تبعات الأمر شخص معدوم الكفاءة والخيال كلمته ليست من رأسه، خسر مؤيديه وصم أذنيه عن النصح وارتمى فى أحضان جماعته فسمح للجميع بأن يكتشفوا الحقيقة، ودفعهم -بفشله وفشلهم- لتكرار نفس الكلام المكرر بتاع كل يوم، ولا عزاء لمصر.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات