معالجة الأزمات المالية بين منطقة اليورو ودول العالم

09:22 مساءً الإثنين 15 أبريل 2013
أحمد محمد حسن

أحمد محمد حسن

كاتب ومخرج بالتليفزيون المصري، القاهرة

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الكل يدور في فلك الأزمة: من ينجو ومن سيغرق؟

من المعلوم أنه قد أعلن رسميا في نوفمبر / تشرين الثاني عام    2008 عن بدء الركود والإنكماش في أوربا في أعقاب انفجار الأزمة المالية العالمية من مركزها بالولايات المتحدة الأمريكية فبدأت تظهر الأزمات المالية والإقتصادية الواحدة تلو الأخرى..من أزمة أسواق الأسهم المالية وإنهيار الشركات والبنوك ومحاولة الدول إنقاذها بضخ الأموال الطائلة في جسدها مما يشكل عبئا ثقيلا على الدول دون أن تعالج المشكلة حتى أن ذلك أعتبر أحد أسباب الديون السيادية أي أن هذا العلاج قد سبب زيادة المرض وبرزت أزمة اليورو عندما بدأت قيمته في الإنخفاض مقابل العملات الرئيسية العالمية وخاصة الدولار .

وعندما انفجرت أزمة الديون السيادية التي تعني أن دخل الدولة وناتجها المحلي أقل من الديون المترتبة عليها والتي تصدرها كسندات خزانة .. فعندما يصبح دخل الدولة وناتجها المحلي أقل من قيمة هذه الديون التي هي على شكل سندات لأسباب عديدة والتي تشتريها الدول الأخرى والبنوك والمؤسسات المالية العالمية فإن هذه الدولة تعد عاجزة عن سداد ديونها فيزداد الدين العام وتنعدم الثقة في هذه السندات فلا يعد أحد يقبل على شرائها بل يعمد إلى التخلص منها لأن الدولة صاحبة السندات لا تقدر على سدادها فيظهر العجز لديها وبذلك تنفجر الأزمة التي تؤثر على إقتصاد البلد برمته بل على إستقرارها السياسي وعلى وضع حكومتها .

وعندما بدأت أزمة الديون السيادية في اليونان أثرت مباشرة على منطقة اليورو بسبب التخوف من تخلف اليونان عن سداد ديونها التي تبلغ 350 مليار يورو أي ما يعادل 482 مليار دولار مع العلم أن هذه الديون تفوق ناتجها المحلي وقد طلبت المفوضية الأوربية وصندوق النقد الدولي من اليونان تطبيق إجراءات تقشفية ضمن ما يسمى بخطة الإنقاذ الأوربية .

وقد حدثت أزمات مشابهة لأزمة اليونان في ايطاليا وايرلندا والبرتغال واسبانيا وهي مستمرة منذ أكثر من سنتين حتى أن أزمة الديون السيادية بدأت تمتد إلى فرنسا وهي احدى كبريات دول منطقة اليورو مثلما هي احدى كبريات الإتحاد الأوربي .

كاريكاتير الفنان David Simonds يلخص فرص الإنقاذ: تضحيات متبادلة

وقد دخلت منطقة اليورو التي تضم 17 دولة للمرة الثانية في دوامة الركود في أواخر عام 2012 رغم تحقيق الإقتصادين الفرنسي والألماني نموا طفيفا لكل منهما حيث تعمل الدولتان على حل مشاكل منطقة اليورو ولكن ظهر أن بينهما خلافات أعتبرت جوهرية في كيفية إدارة الأزمة وكيفية معالجتها وفيمن يقبل اقتراحه سيما وأن موضوع الإقتصاد يصطدم بموضوع السيادة للدول ففرنسا وألمانيا تعتبران ذاتيهما رأسين كبيرين وقائدتين للإتحاد الأوربي فهناك تنافس سيادي خفي بينهما على من يكون صاحب القرار وصاحب الكلمة العليا في هذا الإتحاد .

وكل هذه الدول التي تشهد الأزمات بشكل لافت للنظر والتي تضم 17 دولة هي دول منطقة اليورو(اليوروزون) من أصل 27 دولة داخل الإتحاد الأوربي يطرح عليها السؤال : ما مدى تأثير هذه الأزمات على مصير اليورو وعلى بقاء منطقته ؟ بل السؤال يتجاوز ذلك إلى مصير الإتحاد الأوربي برمته ثم هل لذلك تأثير على مواقف الدول الكبرى الأخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وعلى بريطانيا العضو في الإتحاد ولكنها ليست في منطقة اليورو؟

فبريطانيا مثلا التي هي عضو كبير في الإتحاد الأوربي ولكنها لم تدخل منطقة اليورو ولم تتخل عن عملتها وأمر اليورو لا يعنيها كثيرا وتعمل على أن تقي نفسها من تداعيات الأزمة المالية التي ضربت منطقة اليورو وهناك أصوات تخرج من بريطانيا تدعو للخروج من الإتحاد الأوربي حتى لا يضغط عليها أحد لتبني اليورو ولكن بريطانيا لا تعتزم الخروج من الإتحاد الأوربي ما دام قائما لأنها تعمل على تحقيق مكاسب إقتصادية منه بجانب مكاسب سياسية على النطاق العالمي عندما تعمل على جر أوربا لإتخاذ قرارات تصب في صالحها .

من جانب آخر فإن هذه الأزمات منحت الفرصة للولايات المتحدة الأمريكية حتى تستغلها من ناحية لتبعد الأنظار عن وضعها المالي والإقتصادي المتأزم وكونها هي بالأصل مصدر الأزمة بالدرجة الأولى ومن ناحية أخرى لتزعزع ثقة الأوربيين بإتحادهم وعملتهم حيث تعمل على إسقاطه أو إفشاله مع عملته اليورو حتى تحول دون أن يكون لأوربا تأثير دولي ينافسها سواء في الإقتصاد أو السياسة الدولية بل تريد أن تجعلها تابعة لها وتسير في ظلالها .

أما روسيا والصين فمن مصلحتهما بقاء اليورو وذلك للوقوف في وجه الولايات المتحدة وفي وجه دولارها واستبدادها في إقتصاد العالم إلا أنهما لايفعلان الكثير من أجل ذلك لأن موقف دول اليورو وموقف الإتحاد الأوربي ككل ليس إيجابيا تجاههما .

وبالنسبة للبلدان العربية فإن كثيرا منها تعاني من عجز مالي حتى قبل أزمة اليورو وسيكون لأزمة اليورو تأثير مباشر وكبير على الطلب العالمي على النفط حيث أن أي إنخفاض سريع في أسعار النفط أو استمرار انخفاض معدلات الأسعار لفترة طويلة نتيجة للإنكماش الإقتصادي العالمي سوف يؤدي إلى التراجع في نمو الصادرات .

ويمكن تصنيف الدول العربية إلى أربع فئات : الدول المصدرة للنفط والتي تتمتع بقدرة مالية كبيرة وتعداد سكان قليل ودول مصدرة للنفط ذات الكثافة السكانية العالية والبلدان غير المصدرة للنفط والتي لها علاقات قوية مع دول الخليج المصدرة للنفط وبلدان أخرى متنوعة لديها روابط قوية مع أوربا في المجالات التجارية والسياحية .

ولا شك أن الدول المصدرة للنفط يمكنها إمتصاص الصدمات الإقتصادية ومع ذلك فإن إنخفاض أسعار النفط بشكل مطرد سوف يجبر هذه الدول على السحب من الإحتياطي النقدي المتوفر لديها والحد من الإستثمارات أما باقي الدول العربية فلا شك سوف تتأثر أو أنها تأثرت بالفعل بالأزمة المالية في منطقة اليورو .

وبالنسبة لمصر ولقناة السويس فقد إختلف عدد من خبراء الإقتصاد في تفسير تراجع عائدات قناة السويس خلال الربع الأول من العام المالي الحالي واعتبر الخبراء أن تراجع عائدات قناة السويس يرجع إلى تراجع حجم التجارة العالمية بسبب أزمة منطقة اليورو بالإضافة إلى الأحداث الداخلية في مصروالتي تجعل الدول ترفع تكاليف التأمين العالمي على السفن التي تمر من خلال القناة . وقد توقعت المفوضية الأوربية بقاء الركود في منطقة اليورو خلال العام الحالي وأن المنطقة لن تعود للنمو حتى العام المقبل 2014

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات