تونس فوق صفيح ساخن!

11:28 مساءً الثلاثاء 22 أكتوبر 2013
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
اليوم الأربعاء 23 أكتوبر يمر عامان على إنتخاب المجلس الوطني التأسيسي لصياغة الدستور و الذي كان منوطا به أعمال البرلمان فقام بتشكيل الحكومة و انتخب من خلاله رئيس الجمهورية لكي يضطلعا بمهام المرحلة الإنتقالية و التي كان يفترض أن تستغرق عاما ينتهي في 23 أكتوبر 2012 .. لكن بحلول ذلك التاريخ لم تكن المهمة الرئيسة للمجلس التأسيسي وهي صياغة الدستور الجديد لتونس قد إنتهت ومن ثم إستمرت سفينة المجلس التأسيسي و ما انبثق عنها من رئاسات للمجلس ذاته و الحكومة و الجمهورية في السباحة لتحقيق الهدف لكن هذه المرة وسط أمواج متلاطمة في بحر هائج جراء رفع معارضي الترويكا الحاكمة حجة إنتهاء الشرعية لهذا المجلس و ما ترتب عليه بمرور العام الذي كان مقررا لإنهاء تلك المهمة ..
– لكن الترويكا الحاكمة و التي يمكن إختزالها عمليا في ” حزب حركة النهضة ” رفضت دعاوى المعارضة و إستمرت في مهمتي التشريع و الحكم بسياسة الأمر الواقع و ريما ساهم في ذلك أن معارضيها لم يكونوا على قلب رجل واحد ؛ كما كانت الظرف الدولية أكثر ملائمة يالنسبة للترويكا الحاكمة حيث لم تلق دعاوى معارضيها تأيدا دوليا واضحا يذكر .. كما كان لإعتلاء ” محمد مرسي ” مرشح الإخوان المسلمون في مصر سدة الحكم و هو نفس فصيل الإسلام السياسي الذي تنتمي إليه حركة النهضة سندا قويا لهذه الحركة جعلها أكثر صرامة و جرأة في مواجهة الخصوم ..
– إلا أنه مع حلول السنة الثانية 2012 :2013 شهدت الأوضاع السياسية في تونس شدا و جذبا بالغ الحدة و العنف وصل إلى درجة الإغتيال .. حيث اغتيل ثلاثة من معارضي الترويكا و خاصة حركة النهضة كان أولهم المرحوم ” لطفي نقظ ” القيادي بحزب نداء تونس في ولاية ” تطاوين ” ؛ ثم تلاه الزعيم السياسي المعروف المرحوم ” شكري بلعيد ” من ” الجبهة الشعبية ” و أخير الزعيم الناصري منسق عام ” التيار الشعبي ” المرحوم ” محمد البراهمي ” في يوليو الماضي ؛ وقد اتهمت الجهات الرسمية و على رأسها وزارة الداخلية عناصر مما يسمى بالسلفية الجهادية بإرتكاب الجريمتين الأخيرتين .. فيما أتهمت أسر الضحايا و ذويهم حركة النهضة صراحة بالوقوف وراء تلك الجرائم التي لم يتعرض لها سوى معارضيها و حملوا الحكومة و الرئاسة المسئولية معها إلى حد رفض إستقبال تلك الأسر لواجب العزاء من أي مسئول رسمي بما في ذلك رئيس الدولة ” المنصف المرزوقي ” الذي فقد كثيرا من شعبيته كحقوقي مؤخرا بسبب تبنيه لمواقف كانت مثارا للجدل السياسي و تبدو قريبة من موقف حركة النهضة ..
 على صعيد آخر شهدت الفترة المنصرمة إجراءات تراها المعارضة تعسفية من قبل الترويكا الحاكمة إزاء حرية التعبير و الصحفيين و الإعلاميين ؛ فضلا عن ملء دواليب الدولة خاصة في المحليات و قطاعي التعليم و النقل بأنصار النهضة و بعضهم من السجناء السياسيين السابقين من المنتمين للحركة ؛ و كذلك كان الحال بالنسبة للقيادات الأمنية .. كما تردد أن الحكومة قامت بإلحاق  سبعة عشر ألف عنصرا أمنيا جديدا بوزارة الداخلية ينتمي معظمهم لحركة النهضة ؛ كما أضافت المصادر المعارضة أن حركة النهضة تلاعبت بتشكيل اللجنة العليا للإنتخابات بحيث أصبحت الأغلبية لصالحها و من ثم إزداد خوف المعارضة من سيطرة تيار و فصيل بعينه على مفاصل الدولة التونسية و هو ما يهدد بنشأة نظام شمولي جديد يقضي على أية آمال في قيام دولة القانون الديموقراطية الحديثة التي تضمن تحقيق المطالب التي قامت من أجلها الثورة و كان على رأس هذه المطالب الحرية و العدالة الإجتماعية  ..
لكن الخطير في الوضع التونسي الراهن أنه بعد التحولات السياسية الدراماتيكية التي وقعت في مصر و أسفرت عن الإطاحة بنظام ” محمد مرسي ” و توجيه ضربة قاسية للإخوان المسلمين سواء على المستوى المحلي أو الدولي ؛ إزدادت آمال المعارضة في الإطاحة بحركة النهضة التي ترى أن شرعية وجودها مع حلفائها إنتهت منذ عام مضى بإنقضاء العام المقرر لإنجاز الدستور ؛ فيما إزداد رفض الترويكا الحاكمة و على رأسها “حركة النهضة ” لمزاعم المعارضة .. كما إزداد سلوكها السياسي شراسة في الداخل و الخارج ؛ و قد لوحظ ذلك في تصريحات قيادات لحركة النهضة مثل ” الصحبي عتيق ” رئيس كتلة النهضة في المجلس التأسيسي و الذي تجاوزت تصريحاته الصعيد المحلي حتى طالت ” مصر ” عندما هدد ” من يحاول الإنقلاب على الشرعية في تونس أو في مصر!! بإستباحته في شوارع تونس ” ؛ كما دأبت رموز الترويكا الحاكمة على إستخدام تعبيرات مثل الإنقلاب و الإنقلابيون في إشارتهم للمعارضة ؛ كما أصبحوا دائمي الربط بين الوضعين المصري و التونسي على طريقة ” يكاد المريب يقول خذوني ” دون أدني قدر من الحصافة السياسية إلى حد تمادي كل مسئولي النظام التونسي في التورط في التدخل في الشأن الداخلي المصري بدءا من رئيس الجمهورية ” محمد المنصف المرزوقي ” و رئيس حركة النهضة ” راشد الغنوشي ” و حتى أصغر الكوادر الحزبية للترويكا مرورا بمسئولين كبار مثل ” نور الدين الخادمي ” وزير الشئون الدينية المنتمي لحركة النهضة و ” سهام بادي ” وزيرة المرأة المنتمية لحزب المؤتمر الذي كان يرأسه ” المرزوقي ” و هو ما دفع قوى إقليمية كبرى مثل مصر و الجزائر تضع نصب عينيها و عقلها الوضع التونسي الذي يمكن القول أنه إستفزها و إستعداها عليه دون موجب لذلك ؛ خاصة و أن الوضع المصري الذي شهد تدخلا تونسيا سافرا كما يرى أغلب المراقبين و الذي برره المسئولون التونسيون بأنه دفاع عما يصفونه بالشرعية لم يجرؤ عليه مسئولي دول عظمى مثل الولايات المتحدة و بريطانيا و ألمانيا و فرنسا فضلا عن روسيا و الصين حيث لم تقدم أي من هذه الدول على وصف ماحدث في مصر بالإنقلاب كما فعل المسئولون التونسيون ..
أما الجزائر التي لابد وأنها تشعر بتهديد العناصر المتطرفة التي أصبحت تحيط بها سواء من ظهيريها العربيين في ليبيا و تونس التي تشترك معها الجزائر حدوديا في سبع ولايات ؛ أو ظهيرها الأفريقي في ” مالي ” و الذي إستدعى تدخلا عسكريا فرنسيا إلى جانب الجيش ” المالي” ؛ فعلامات عدم الإرتياح تبدو واضحة سواء على الأرض أو في التصريحات المبطنة  و الجميع يعلم أنها صاحبة نفوذ هائل في تونس على كافة الصعد ..
– و على مايبدو أن المعارضة التونسية التي مازال ينقصها الكثير من التنظيم و الوحدة في مواجهة الترويكا الحاكمة و الأحزاب الصورية المتحالفة معها .. قد أدركت تلك المعطيات الجديدة في الوضع السياسي داخليا و خارجيا فكانت دعوتها لما عرف بإعتصام ” باردو” عقب إغتيال المرحوم ” محمد البراهمي ” و الذي قاده و شارك فيه أعضاء المجلس التأسيسي المعارضين و الذي إنسحبوا من المجلس حتى تاريخه .. و هو ما أحدث حراكا سياسيا كبيرا أسفر عن الدعوة لحوار وطني يبدأ صباح 23أكتوبر2013 تشارك فيه قوى معارضة و منظمات مجتمع مدني و نقابي أبرزها ” الإتحاد العام التونسي للشغل ” و حزب ” نداء تونس ” ؛ إلا أن قوى معارضة أخرى ترى أن هذا الحوار هو مجرد تسويف من ” حزب حركة النهضة ” لربح الوقت و لا طائل منه و تدعو للتظاهر و الإعتصام غدا في شارع “الحبيب بورقيبة ” .. ؛ يأتي كل ذلك و الوضع الداخلي متوتر بين الحرس الوطني و الترويكا الحاكمة بعد الهتاف من قبل عناصر من الحرس الوطني ضد الرئاسات الثلاثة ” رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي ” و ” رئيس الوزراء علي العريض ” و ” رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر ” و إضطرارهم لمغادرة الثكنة العسكرية بالعوينة شبه مطرودين ؛ ثم إعلان رئيس الحكومة و آمر الحرس الوطني أن تلك العناصر ستلاحق قضائيا و إداريا ؛ و رد نقابات الأمن بأنهم يرفضون ذلك و سيقفون إلى جوار زملائهم و هددوا بالتصعيد إذا لم يصدر المجلس التأسيسي القانون المعطل الخاص بهم و ذكر البيان أنهم قد يضطرون لمنع دخول أو خروج أعضاء المجلس منه ينسحب ذلك على أعضاء الترويكا و المعارضة و أعطوهم مهلة أسبوع لإنجاز مهمتهم .. ؛ لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد و بدأت بعض الصفحات الموالية لتيار الإسلام السياسي في الهجوم على ما أسموه بعناصر الأمنيين الفاسدة ؛ و ظهر من المحسوبين على تيار الإسلام السياسي من يتهم شهداء الحرس الوطني في قنوات تلفزيونية تنتمي لذات التيار بأنهم كانوا ينقبون عن الآثار ؛ فضلا عما أصبح يتردد في أوساط تيار بعينه أن أحداث الإرهاب في جبل “الشعانبي ” مفتعلة ؛ كما خرجت قيادات من فصيل الإسلام السياسي تنكر أن ” السلفية الجهادية” متورطة في أعمال إرهاب و إن هذه المزاعم مجرد فزاعة تستخدمها تيارات معينة .. كما أنكروا جملة و تفصيلا ما يسمى ” بجهاد النكاح ” في تكذيب واضح لوزير الداخلية ” لطفي بن جدو” الذي تحدث من قبل عن السلفية الجهادية و التكفيريون وجرائمهم في مؤتمرات صحفية رسمية و حديثه عن ” جهاد النكاح ” و ضحاياه أمام المجلس التأسيسي ؛ بل أن قيادات عليا من حزب النهضة مثل ” الحبيب اللوز ” تحدث عن رعاية ضحايا ” جهاد النكاح ” و أبنائهن و حمايتهن من الملاحقات القضائية و الأمنية ؛ .. و كذلك فعلت وزيرة المرأة ” سهام بادي ” ..
– لايوجد تفسير حاسم لكل ما يدور في الشارع السياسي التونسي لكن المؤكد أن هناك شكل من أشكال الصراع أو التخبط يجعل بعض عناصر الترويكا تتصرف يشكل عصبي و هيستيري … يقابله معارضة غير منظمة بشكل جيد و شبه منقسمة شطرها يسعى للحوار و آخر يلجأ للتصعيد من خلال الإعتصام و التظاهر .. و من سيربح وسط هذه الأطراف المتعددة من سيجيد إستغلال نقاط ضعف الآخر ..
– الأمن أعلن أنه على الحياد و أنه أمن جمهوري مستقل عن كافة الفرقاء السياسيين رغم مشكلته الأخيرة مع الرئاسات الثلاثة و الجيش محايد كما عرف عنه منذ نشأته و خلال الثورة لا يتدخل في العملية السياسية ؛ إذا لن تتضح الأمور إلا مع إنقضاء يوم الأربعاء 23أكتوبر 2013 و الرابح في الغالب سيكون من هو أكثر حنكة و إنتهازية سياسية  حيث لا مكان للرومانسيين الثوريين أو الحالمين .. و المؤكد أن هناك أطراف خارجية إقليمية و قارية و دولية تراقب عن كثب و قد يكون لها تأثير قوي أو ضعيف لكن من المؤكد أنها في النهاية ستلعب مع الطرف الرابح أيا كان أسمه فالجميع يعلم أن تونس الخضراء لا تحتمل أن تبقى طويلا فوق صفيح ساخن

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات