أحمد سراج يكتب عن حظيرة المثقفين في مصر

04:11 مساءً الأحد 12 يناير 2014
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

جريدة التحرير، مقال الكاتب: أحمد سراج: حظيرة المثقفين : معركة استعادة الثقافة المصرية

ذات يوم قال أحد وزراء مبارك: «لا خوف من المثقفين، لقد أدخلتهم جميعًا الحظيرة» وهنا ثار عدد من المثقفين المستقلين دون أن يدركوا أن هذا إعلان عن وظائف شاغرة في حظيرة المثقفين المصرية، ولم ينتبه أحد إلى أن مهمة سكان الحظيرة تتخطى الصمت والمهادنة إلى الدفاع المستميت عن الوزير والهانم والرئيس.

أين كان يقطن سكان الحظيرة، وكيف توزع عليهم أعطياتهم؟ هنا تبدو عبقرية الفنان الذي باع روحه لشيطان الفساد؛ فبدلاً من أن تخدم الثقافة المجتمع من خلال مؤسساتها وبرامجها ومنحها ومستشاريها، عليها أن تخدم سادتها الجدد، وليكن الطعام الوفير هو ما سمحت به ميزانية لهذه المؤسسات والبرامج والمنح.

لم يكترث كثيرون لتفكيك الحظيرة؛ سبب وجودها، ونوعية من يدخلونها، وكيفية إدارتها، ومع قيام ثورة يناير المجيدة توقع الكثيرون أن تختفي هذه الحظيرة بسقوط مؤسسيها، أو أن ينهيها وزراء الثورة، لكن بقيت الحظيرة كما بقي كل ما هو فاسد، فيما اشتعلت حروب الملح على ذروة جبل يبلغ ارتفاعه آلاف الكيلومترات، وبقي من في السفح يعاني في انتظار الترياق من العراق.

كأن لم يتغير شيء في وزارة الثقافة المصرية، نعم؛ فالأعطيات تخرج في مواعيدها، من منح تفرغ، وجوائز للدولة، ومناصب وهمية، ومطبوعات لا تقرأ، وندوات لا يحضرها أحد، ومؤتمرات لا يسمع بها مخلوق، نفس الوجوه القديمة التي لم تترك ركابًا للنظام القديم إلا ومشت فيه، كل ما جرى هو انتفاضات محدودة لم تقدم ما يرضي الثوار بأية حال، لكن كان لسان الحال: لننه معركتنا الكبرى أولاً… خصوصًا مع دخول قنبلة الإخوان الزمنية إلى مرحلة العد التنازلي.

وجاءت موجة يونيه، ومن قبلها اعتصام المثقفين ضد مندوب المرشد في وزارة الثقافة، ونجح الأمران في الإطاحة بالعدو الأوسط: الإخوان، والعدو الأصغر: رجال المرشد، فيما لم يلتفت أحدٌ إلى الخطر الأعظم: ضباع الفساد التي تلغ في دم الفريسة دون أن تعبأ بآلامها، ولا بمن يموتون دفاعًا عن باب الحصن الأكبر: الهوية المصرية، فيما تجار الحروب ينقضون بإحكام، لمص دم الفريسة، ولنأخذ عينة مما يقوم به أحد سكان الحظيرة، وليس عدم ذكر اسمه إلا لأنه عينة ينطبق ما يفعله عليهم جميعًا.

فلان بن فلان شاعر مصري، عين ابنه خريج إحدى الجامعات الخاصة بالمجلس الأعلى للثقافة بقرار من وزير الثقافة المصري صابر عرب، وفلان نفسه كان له يد في تعيين أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، وفلان نفسه هو من عين سكرتيرة التحرير إلى مدير لثلاث إدارات كاملة في المجلس الأعلى للثقافة ومؤهلها آداب علم اجتماع، ولا علاقة تنفيذية سابقة لها بالنشر أو بالإعلام أو إدارة شئون المجلس العامة، وفلان هذا أصدر داخل المجلس عدة كتب في أقل من عام، ما بين ديوان عن ثورة لم يشارك فيها، وكتاب هو مجموعة مقالات نشر مثله في مجلة سيحين الكلام عن وضعها، وأعمال كاملة تتضخم يوميًّا.

أين كان فلان هذا وقت يناير، أو يونيه، سأقول لكم: اسألوا أصحاب الأمر في هيئة الكتاب عن شخص، انتهز فرصة استقالة رئيس تحرير مجلته احتجاجًا – كما قيل – على أوضاع الدولة تحت حكم الإخوان؟ ذهب فلان إلى هيئة الكتاب طالبًا أن يكمل هو مسيرة المجلة حتى لا تتعطل أعدادها عن الصدور، كأنها لم تتعطل لثلاثة أشهر حتى كتب بضع فقرات عن رهين المحبسين، ووضع مجموعة مقطوعات من قصائد الرهين.

الأمر ليس كما يرى البعض: صراع على لجنة الشعر، بل هو إحدى نتائج تركِنا البيت من الداخل دون إصلاح؛ والنتيجة المفزعة ليست إعادة تشكيل اللجنة وإخراج الشعراء ذوي الرأي من التيارات الحديثة – وأصغرهم تخطى حاجز الأربعين باطمئنان –إنما هي أن هذا الفلان استحدث في أمر الثقافة استبدادًا من نوع فريد؛ فهو يجعل أمين المجلس يختار مقرر اللجنة، ثم يختار مقرر اللجنة أعضاء اللجنة! أضف إلى ذلك ما هو أبعد: هل سيتوقف فلان عن دوره في تحريك الدمى: فيعني ابنًا أو قريبًا أو رفيقًا، ويشكل لجنةً، وينشر عن نفسه مقالين في كل عدد، ولنفسه اثنين.

لا يبدو للسادة الفاسدين أنهم فهموا الأمر على النحو الصحيح، ولا يبدو أن الثوار نفذوا دورهم في وزارة الثقافة على النحو الصحيح أيضًا؛ لذلك فسرعان ما قام الفاسدون بالإسراع إلى مقدرات الثقافة للاستيلاء عليها، وكأنها فرائس لا مقومات، وهم يكررون: “كأن لم تكن ثورة” متوهمين أن الأمور ستعود إلى مجاريها فيعُطى أحدهم جائزة مؤتمر هو رئيسه، وكيف لا ووزيرهم الحالي قد أخذ جائزة الدولة بعد ثورة يناير (شكل اللجان واستقال لأنه لا يود العمل مع الإخوان، ثم أخذ الجائزة وعاد إلى الوزارة، كل هذا في أسبوعين) فيما تراجع الثوار عن اعتصامهم كي تستطيع الدولة بأجهزتها مواجهة فلول الإخوان.

الأمر على هذا النحو؛ خطر فلان ورفاقه أشد الآن من خطر الإرهاب؛ لأنه يكون بيئة حاضنة له؛ من حيث انعدام العدالة وغياب الكفاءات، وترسيخ قانون الغابة: البقاء للأقوى.

الأمر على هذا النحو: وزارة الثقافة المصرية ليست حظيرة لمجموعة من المنتفعين، وما فيها من موارد سيصرف في وجوهه الحقيقية وليس ترضية لأحد.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات