ماذا بعد اختيار الكويت ضيف شرف معرض القاهرة الدولي للكتاب؟ لا تترك مبادرة لموظف ولو ملأت جيوبه ذهباً!

10:52 صباحًا الأربعاء 5 فبراير 2014
شريف صالح

شريف صالح

قاص وروائي وكاتب صحفي، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الرئيس عدلي منصور مع الشيخ سلمان الحمود يستمعان لشرح د.هيلة المكيمي بجناح الكويت بالمعرض

اختيار الكويت ضيف شرف معرض القاهرة الدولي للكتاب، حدث مهم، وإن أثار لغطاً، فرغم ترحيب الأوساط الثقافة في البلدين لكن التساؤلات كانت كثيرة حول عدم مشاورة وتمثيل جهات مثل رابطة الأدباء، وغياب معظم جيل الشباب، وشخصياً وصلتني من القاهرة تساؤلات عن سبب غياب سعود السنعوسي الحائز على البوكر! وتساؤلات عن برنامج المشاركة وحيثيات الاختيار!

كل هذا لا ينفي أهمية الحدث، وأنه منطقي جداً خصوصاً أن الكويت استضافت “مصر” كضيف شرف في العديد من الأنشطة الفنية والثقافية.. وربما تكمن المشكلة الأساسية في كيفية إدارة العلاقة الثقافية بين البلدين، المثقلة بالتاريخ والأسماء، والتي مازالت تخضع لعقلية الموظف وحذره وحساباته ورسمياته، والموظف وإن ملأت جيوبه ذهباً من مكافآت وميزانيات لأي نشاط، لا تتوقع منه أكثر مما هو روتيني، وتقليدي، فيمكنه مثلاً أن يأتي بمؤرخ مصري وآخر كويتي ليتحدث عن عمق العلاقات بين البلدين، لكنه لن يفكر مثلاً في ندوة لقراءة نصوص لمبدعين كويتيين شباب في مقهى تاريخي مثل مقهى ريش.

والموظف يستطيع أن يعقد مؤتمراً صحافيا ويخبرنا بالجدول المطبوع بين أيدينا، لا ينقص ولا يزيد حرفاً.. لكنه لا يستطيع أن ينقب في أرشيف التلفزيون الكويتي عن وثائق بصرية مصرية مهمة ويهديها للتلفزيون المصري! لأنه ببساطة تنقصه روح المبادرة والابتكار، ويظل تحت وطأة هاجس الخطأ الذي لا يغتفر، فيكتفي بتجربة المجرب، وقول ما يقال.

ليس هذا الكلام موجهاً ضد أحد بعينه، ولا حتى انتقاد للنشاط الذي أقيم في زمن قياسي وتحت ضغط الوقت، لكنه فرصة لمناقشة العلاقات الثقافية المصرية ـ الكويتية، بعيداً عن أي شخصنة تتعلق بمن مثل الكويت ومن لم يمثلها!

لقد تجذرت تلك العلاقات نتيجة أربعة عوامل، أولها: الرغبة الكويتية في بناء دولة حديثة، فاستقدمت مدرسين، وشيوخاً من الأزهر، وأطباء ومهندسين وقضاة، وفي كثير من المفاصل الإدارية كان – ومازال -للمصريين حضور تأسيسي، منها جامعة الكويت، ومعهد الموسيقى والمسرح والإذاعة والتلفزيون والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

استقبلت الكويتعدداً كبيراً من المبدعين المصريين المؤسسين، على رأسهم د.أحمد زكي مؤسس مجلة العربي

وعندما بدأت الكويت ابتعاث أبنائها للدارسة، كانت مصر قبلتهم الأولى، فيما استقبلت هي عدداً كبيراً من المبدعين المصريين المؤسسين، على رأسهم زكي طليمات، ود.أحمد زكي مؤسس مجلة العربي، ود.سعيد خطاب مؤسس معهد الفنون المسرحية، مروراً بأسماء مثل محمود حسن إسماعيل، وكرم مطاوع وأحمد عبدالحليم وسعد أردش، والمغضوب عليهم من عبدالناصر والسادات من إسلاميين ويساريين مثل محمود السعدني وأحمد بهاء الدين رئيس التحرير الثاني لـ «العربي التي ساهم في تحريرها عبر خمسة عقود ألمع الأسماء المصرية.

العامل الثاني «مركزية” مصر، بما لها من قوة ناعمة يتردد صداها في الأفلام والمسلسلات والكتب والشخصيات المصرية، ويكفي أن الإذاعة والتلفزيون في الكويت تملك أرشيفاً هائلاً لأعمال مصرية نادرة، ربما لا يوجد لها أصل حتى في مصر، مثل حفلات لأم كلثوم التي غنت للكويت، وعبد الحليم الذي غنى بالغترة والعقال أغنية “ياهلي”  وأعرف أصدقاء كويتيين يحتفظون بأرشيف لا مثيل له لعبد الوهاب وأم كلثوم.

ثالث العوامل: الحلم القومي في خمسينيات القرن الماضي، والمرتبط أيضاً بمشروع التحرر الوطني، وهو ما تتبناه معظم المثقفين الكويتيين آنذاك أمثال أحمد السقاف

وأحمد الخطيب. وتجلى سياسياً في مشاركات شعبية ورسمية كويتية في حروب مصر. ثم تعزز ذلك بعامل رابع هو موقف عبدالناصر ضد أطماع عبدالكريم قاسم، لذلك ليس غريباً أن يحمل اسم أحد أطول شوارع الكويت اسم جمال عبدالناصر، ولا يوازيه في الطول إلا شارع آخر باسم القاهرة. بفضل هذا كله أصبحت الجالية المصرية في الكويت، هي ثاني أكبر جالية لمصر في الخارج، حوالي أربعمئة ألف مصري.

لكن هذه العوامل ذاتها تعرضت لضربات قاصمة، أهمها غزو صدام، وانهيار حركة القوميين العرب، ما أثر سلباً على النظر إلى «كل ما هو عربي»، وانقسام المجتمع، فلن نعدم من يكره «مصر»، أو يعشقها في المطلق.كما انهارت فكرة «المركزية»، فلم تعد مصر قبلة وحيدة للتعليم، ولا السفر بل أصبحت هناك مراكز متعددة في الشام ولبنان وأميركا وأوروبا. إضافة إلى صعود التيار المحافظ الذي تعاني منه الدولتان حالياً.

ومع سنوات الركود في عهد مبارك، تآكلت المساحة الرمزية التي احتلتها مصر، رغم موقفه من غزو صدام.. فلا يبدو التمثيل الدبلوماسي المصري هنا حريصاً على بناء علاقات وطيدة رسمياً وشعبياً، لأنه «محصور»في شكلياته.. فمثلا يوجد مبنى مستقل للملحق الثقافي المصري تعشش فيه العناكب، ونادراً ما تقام فيه ندوة تحتفي بكاتب مصري أو كويتي!وهكذا تآكلت العوامل التي بلغت ذروتها في الخمسينيات، بمرور الوقت.. ولعل من أسباب ذلك أيضاً ارتباط السلطة العربية عموماً بالقشور، والطابع الروتيني، وغياب المبادرات، والارتجال.

 

الروائي إسماعيل فهد إسماعيل ، صاحب مبادرات مستقلة مشتركة تجمع كتاباً من الكويت ومصر وغيرهما، مثل ملتقى «الثلاثاء»و«ملتقى ضفاف»

في المقابل يبقى الجانب الشعبي فعالاً بطريقته، عبر المصاهرات، شراكات العمل، والصداقات التي تربط أجيالاً من المبدعين في البلدين، بدءاًمن إسماعيل فهد إسماعيل وليلى العثمان وصولاً إلى سعود السنعوسي الحائز على البوكر.. عدا مبادرات مستقلة مشتركة تجمع كتاباً من الكويت ومصر وغيرهما، مثل ملتقى «الثلاثاء»و«ملتقى ضفاف»، واحتضان الجمعيات الأهلية لأنشطة مشتركة، خصوصاً الجمعية النسائية وجمعية الخريجين، كنافذتين للتنوير.

ومعظمنا من مصريين وكويتيين نعول أكثر على تلك المبادرات الخاصة والأهلية، على الأقل في لحظتنا الراهنة. لكن هذا لا يمنع إمكانية المزج ما بين المبادرات الأهلية والإمكانيات الحكومية، لإنجاز مشاريع خارج الإطار الرسمي نوعاً ما، أو تطوير هذه العلاقة الرسمية، فمثلاً ما المانع أن تكون هناك توأمة ما بين سلسلة عالم المعرفة والمشروع القومي للترجمة؟ وأعتقد أن هناك بالفعل اتفاقاً بهذا الشأن، يمكن أن يخدم حركة الترجمة العربية.

وما المانع حقاً أن يفتح الملحق الثقافي المصري مقره لندوة شهرية ثقافية أو فنية مشتركة دون أن يفرض عليها إيقاعه ووصايته؟ وما المانع أن تكون هناك مشاريع كتابة متبادلة، يسافر كاتب كويتي لمدة شهر إلى أي مدينة مصرية يختارها مقابل كاتب مصري يقضي شهراً في الكويت ويتعرف عليها؟ أو الاستفادة من نصوص سلسلة المسرح العالمي في تقديم عروض مسرحية مشتركة تجول بين البلدين، أو تخصيص جائزة مشتركة لمن خدموا العلاقات الثقافية بين البلدين.

من المؤكد أن هناك مشاريع كثيرة يمكن طرحها، لكن ما أقصده أن تلك العلاقات الثنائية المتميزة، والمتجذرة، ومع اهتزاز العوامل الأربعة التي تأسست عليها، بحاجة إلى إعادة نظر، وتأريخ، وتكريم، وفتح آفاق أرحب حافلة بالمبادرات. وإلى أن يحدث ذلك ستبقى تلك الإشارة الراسخة، بأن سلسلة «عالم المعرفة»التي توزع أكثر من 40 ألف نسخة، تأسست على يد الراحلين فؤاد زكريا وأحمد مشاري العدواني.. إشارة محببة إلى نفسي.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات