مسألة نَسَب.. على طريقة السينما المصرية

10:29 صباحًا الثلاثاء 11 فبراير 2014
محمود قاسم

محمود قاسم

ناقد وروائي من مصر، رائد في أدب الأطفال، تولى مسئوليات صحفية عديدة في مؤسسة دار الهلال، كتب عشرات الموسوعات السينمائية والأدبية، فضلا عن ترجمته لعدد من روائع الأدب الفرنسي.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الفنان الأعزب دوما أحمد عز وقصة نسب جديدة

غريبة هى حياة أهل الفن، سواء حيواتهم الحقيقية، بعيدا عن الكاميرات، والاستديوهات، حيث يعيشون فى طقوسهم اليومية التى يكتتنفها الغموض أحيانا، أو فى القصص التى يمثلونها فى الاستديوهات.

ولهذا السبب كم تختلط القصص المتخيلة التى يجسدها البعض، بحيواتهم الحقيقية، وكم شاهد الناس قصصا غريبة على الشاشات الصغيرة والكبيرة، فى الوقت الذى تابعوا فيه قصصا حقيقية عن العالم الخى لهؤلاء النجوم فى الحياة الخاصة لكل منهم.

اليوم يتابع الناس قصة نسب الأبناء بين الفنان الأعزب دوما أحمد عز، والنجمة زينة، وقد كان عز يصرح دوما وخاصة فى الفترة الأخيرة أنه يبحث عن ابنة الحلال، ولعله كان فى حالة حب متناهية مع النجمة التى سافرت فيما وراء المحيطات كى تلد هناك، وتأتى حاملة معها قصتها، لتنشرها فى كافة الأنحاء.

الفيشاوى الأب والابن وبينهم عروس

وبالأمس القريب، كانت هناك حكاية أكثر غرابة، حين أنكرت أسرة فاروق الفيشاوى نسب ابنة المواطنة هند الحناوى، التى أصرت بقوة أن ابنتها من صلب الفنان الابن أحمد الفيشاوى، وامتلأت الشاشات والصحف بإنكارات حادة، أن الصغيرة لا تنتسب إلى دماء الأسرة وكانت معركة ملتهبة فى كل مكان.. وفجأة، وبدون سابق انذار تم الاعتراف ببنوة الصغيرة ومن وقت لآخر تطلع علينا أخبار الأسرة أن الجد هو أسعد الناس بحفيدته، وأنها غيرت تماما من ايقاع حياته.

غرابة هذه القصص الحقيقية لا تختلف كثيرا عن قصص الافلام التى يمثلها هؤلاء النجوم كأنما نحن أمام حقائق وليس الأمر تمثيلا فى تمثيل. فالسينما المصرية تحب أن تحكى دوما مثل هذه القصص فى أفلامها، وفى الكثير من الأحيان، نستاء من المبالغة فى موضوعات القصص، الا اننا نفاجأ فى الواقع أغرب من الخيال.

كم شاهدنا قصص النسب المغلوط فى افلامنا، سواء فى الافلام المقتبسة عن نصوص أدبية عالمية، أو مستوحاة من حكايات الواقع، ولعل أشهر نموذج فى ذلك وجود ما لا يقل عن خمسة أفلام مصرية مستوحاة من مسرحية “نانى” التى نشرها الكاتب الفرنسى مارسيل بانيول عام 1933، فسرعان ما استعذب كتاب السيناريو فى مصر هذا الموضوع الذى يعتمد على النسب الكاذب، حول الشاب الذى ترك حبيبته وفى بطنها جنين، وتركها عند المرفأ، وسافر إلى ما وراء البحار، دون ان يفكر فى العودة واضطر الفتاة الخاطئة أن تتزوج من رجل عجوز، فى سن أبيها، وصديق له، وقد ارتضى أن ينسب الابن الى اسمه، وذلك بعد ان تزوج من الفتاة، التى عاشت معه سعيدة وقد نست تماما حبيبها الغادر، الذى عاد فجأة من وراء البحار، وتدركه غريزته إلى أنه والد لهذا الطفل الذى أنجبته حبيبته القديمة فيرمى بأحباله مجددا حولها، وتضعف العشيقة والام كما ان الاب المزيف يقرر التنازل الى الحبيب عن ابنه، وتعود المياه إلى مجاريها، بالغة القوة.

هذا الاب الحقيقى رأيناه فى افلام مصرية عديدة مقتبسة من فانى، من هذه الافلام: “ليلة ممطرة” 1939، وقامت بدور الأم “ليلى مراد” و”أمل ضائع” عام 1947، وقامت بدور الام زوزو ماضى، وقامت بالدور نفسه شادية فى “شاطىء الذكريات” 1954، ثم قامت بالدور ميرفت أمين فى فيلم “نغم فى حياتى” عام 1975، وماجدة الخطيب فى توحيدة عام 1976.

يعنى هذا أن موضوع ضياع نسب الطفل محبب لدى السينمائيين، وأيضاً لدى المشاهدين، فالأم وحدها هى التى تعلم النسب الحقيقى للطفل، وقد أخفت اسم الأب عن الجميع، وحمل زوجها العجوز السر معها، وكان سعيداً به، أنه سرق حق أبوة الأب، وهو الذى يكن حباً كبيراً للأم الخاطئة، ولو أن الأب المسافر ما عاد من رحلته عبر البحار، لظل الطفل منسوبا إلى أب مزيف، لكن المؤلف، وايضا القدر، يعيدان الاب الحقيقى، كى تتوازن الامور، والغريب أن المتفرج يتقبل سلوك الأب المزيف، والأم الخاطئة، والأب الحقيقى العائد إلى اسرته، ويرتضى بالحل الذى اختاره المؤلف، وهو عود الاب الى ابنه الذى تم نسبه لفترة طويلة الى اب آخر.

فى عام 1950 اخرج محمد عبدالجواد فيلمه “المظلومة” المأخوذ عن مسرحية بريطانية تحمل اسم “امرأة بلا أهمية” للكاتب المسرحيى أوسكار وايلد، وتم الالتزام بشكل واضح بنص المسرحية، والفيلم من بطولة عقيلة رابت، وسراج منير، وكمال حسين، والام هنا هى هند، خادمة لدى الباشا شوقى الذى يعتدى عليها.. وبعد فترة تشعر هند بحملها، لا تقدر أن تواجه أهلها بخطيئتها فتهرب، ولا تجد سبيلها إلا فى صديقتها عائشة التى تسعى أن تتبنى طفلها، تلد هند الطفل، ويتم نسبه الى عائشة وزوجها، تترك هند ابنها كمال فى رعاية اسرته الجديدة، وتعمل مطربة فى احدى الصالات لتعول نفسها وطفلها التى تتولى عائشة تربيته.

اثناء عمل هند يعرض عليها احد الاثرياء الزواج، وان تترك عملها، وان يهيىء لها حياة شريفة وسعيدة، يخبرها الرجل الذى اختارها كزوجة انه يرى فيها صورة ابنته التى فقدها، تمر السنوات ويكبر كمال الذى يعتقد ان هند خالته لا امه، بعد فترة يلتحق كمال بالجامعة ويتقابل مع سامية زميلته فى الكلية، تتطور علاقتهما الى حب، وفجأة يكتشف كمال حقيقة عمل هند ما جعله يشك فى سلوكها، يثور كمال عليها، ترى سامية أن تتوسط لدى خالها الباشا لكى يعمل كمال فى احدى شركاته، ويتضح أن خال سامية ما هو إلا الشخص الذى كان قد اعتدى على هند، الا انه يرفض زواج كمال من سامية، تذهب هند لمقابلة الباشا، وتفاجأ انه شوقى، لتخبره بالحقيقة، وان كمال هو ابنه الذى حملت به، وهربت من أجله من اسرتها، يعترف شوقى بنسب ابنه كمال، وتوافق عائشة وزوجها على اظهار حقيقة الابن إلى أبيه..

فيلم “دهب” اخراج أنور وجدى عام 1953

تكرر هذا الموضوع مرارا فى السينما المصرية، ورأيناه فى قصص افلام تتكرر بين حقبة وأخرى، مثلما حدث فى فيلم “دهب” اخراج أنور وجدى عام 1953، فهناك ايضا علاقة غيرشرعية تنمو بين السيد والخادمة، وعندما تلد الخادمة طفلة سفاح، فإن زوجة السيد تدفع زوجها الى التخلص من الوليدة السفاح، التى يتم القائها عند باب أحد المساجد، ويعثر عليها وحيد الفونس، فيتولى تربيتها، وليست هناك اشارة إلى أن الطفلة منسوبة فى الوثائق إلى الرجل الذى تبناها، لكن الفيلم اهتم كثيراً بالاستعراضات التى أدتها الطفلة التى صارت فنانة، وبعد سنوات يعرف الاب وزوجته، أن ابنته صارت تربح الكثير من عملها، فى الوقت الذى يعانى فيه الأب من الديون، لذا يسعى إلى اثبات بنوة الفتاة الصغيرة اليه، وتساق الطفلة ومربيها إلى المحكمة، وتدافع الصغيرة عن نفسها ويتساءل الفونسو عمن يكون الاب الحقيقى هل هو الاب الذى ضاجع ووضع رضيعته على باب المسجد من خلال ابنة أخيه، أم أنه الأب الذى قام بالتربية بكل ما فيها من مشقة خاصة أن الطفلة كانت رضيعة حين صحل عليها الفونسو.

يبدو رجل القضاء هنا وكأنه يحكم باللوائح، وليس بالعاطفة الانسانية، ويصدر حكمه باعادة نسب “دهب” إلى أبيها الذى أنجبها، ما يدفع الطفلة إلى محاولة الانتحار، كى يلجأ الأب الحقيقى إلى الفونسو كى يجعل الصغيرة تعدل عن الانتحار، ورغم أن الفتاة قد عرفت نسبها الحقيقى فإنها تعيش فى كنف أسرتها، بعد أن تزوج ألفونسو من الفتاة التى وضعت دهب ذات يوم عند باب المسجد.

القائمة التى تضم هذا النوع من القصص طويل، منها فيلم “هذا جناه أبى”، لبركات عام 1946، وهو الفيلم الذى تمت اعادة اخراجه فيما بعد، باسم “عاصفة من الدموع” اخراج عاطف سالم، كما أن هناك فيلم “لحظة ضعف” اخراج سيد طنطاوى عام 1981، وهناك أيضاً فيلم “زوجة بلا رجل” لعبدالرحمن شريف عام 1969، الذى قامت فيه نيللى بدور الأم الحقيقية، لطفل صغير، يتم نسبه إلى اختها دون أن يعلم أى طرف ثالث الحقيقة، فقد أنجبت نادية من حبيبها مدحت الذى صدمته سيارة، وتم ارساله خارج البلاد للعلاج، بينما شقيقتها تسعى إلى أن تنسب الطفل إليها، وتستغل الأخت سفر زوجها إلى الولايات المتحدة فتخبره أنها حامل، وهكذا يعيش الابن بين أم حقيقية، وأم أخرى تنسبه إلى نفسها وزوجها ، وعلى طريقة “فانى” فإن الأب الحقيقى يعود للظهور مرة أخرى، ويكتشف زوج الأخت الحقيقة وأن الطفل ليس ابنه، وتعود نادية إلى حبيبها الذى يفاجأ انه أب لطفل كان منسوبا لغيره.

وفى الثمانينيات من القرن العشرين كثر عدد الافلام التى يتم فيها نسب أطفال صغار إلى آباء آخرين، مثلما حدث فى فيلم “حب لا يرى الشمس” اخراج أحمد يحيى عام 1980، حول الأب الذى يؤجر لابنه رحم امرأة أخرى كى تنجب طفلاً ينسب إلى زوجة الابن الثرية، هذا الوليد يموت فى نهاية الأحداث، وهو ينتقل من أمه المزيفة إلى الأم الحقيقية.

ومن الأفلام الشهيرة فى هذا الشأن ما رأيناه فى فيلم “الجلسة سرية” لمحمد عبدالعزيز عام 1986، حيث يفاجأ رجل الأعمال أن المرأة التى طلبت منه أن يصحبها إلى المستشفى أثناء عودته ليلاً إلى داره، قد نسبت الطفل الذى أنجبته إليه، بعد أن دفع ثمن الولادة، وحتى لا يسبب له هذا النسب الكاذب أى متاعب مع أسرته، فإنه يضطر إلى استخراج شهادة تفيد أنه عاجز جنسياً، وبالفعل تخرج الشهادة لتثبت أنه غير قادر على الانجاب، رغم أن لديه ابن من زوجته، كى تتحرك الأحداث ليعرف أن ابنه لا ينسب إليه، بل إلى صديقه الأقرب إليه، الذى خانه يوماً مع زوجته.. لقد نسب إليه طفل ليس من صلبه، أما طفله الذى أطلق عليه اسم عائلته، واسمه، فلم يكن أبداً بالابن الحقيقى له.. إنها مسألة نسب.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات