هاني نديم: الشاعر العاشق

01:49 مساءً الثلاثاء 11 فبراير 2014
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

هاني نديم يغازل السيجارة بعدسة المبدع نعيم خليفة

تلك الأيام الأولى التي تعرفت فيها إلى هاني نديم لا أحددها، لأنني أحسست منذ رأيته أنني أعرفه منذ ولدت؛ كأنه تربى معي، وعشق الجمال مثلي، وعارك الحياة مثلما عاركتنا. كانت مدينة (مسقط)، العاصمة العُمانية، حيث التقينا، تحمل على كفيها له الكثير من الشرق والغرب في كل شيء، وقد مزجهما معًا لتنضج شخصيته بهدوء مخلص وعنفوان عاشق. أقلب الصور القديمة فترتد لي ابتسامته صادحة من الإطار، تقهر كل حزن. أعول عليه كأخ، ونمشي معًا كحرفي أبجدية، ونكتب الأمسيات في رحاب الشعر والتشكيل، وكأن طبق الفنان علي مقوص بالزيتون والجبن الشنكليش  والخبز الذي أتت به صديقتنا الفنانة التشكيلية لم يرفعه أحد، ونحن نحوم حوله كما كانت تحوم فرشاة علي مقوص حول أشجار لوحته.

كنت أراه كنوارس البحر، على الشاطيء، نورس مهاجر مغامر.

اليوم، وكل يوم ، يزداد فرحي به، أشعر بالرمل الذي كان تحت أقدامنا على شاطيء بحر عمان، صوت الموج يهدر مع أبياته التي تزيد الفرح به كاتبا تتلقاه العيون والأفئدة بلهفة. هاني لم يكن وحيدًا، كانت أسرته الكبيرة معنا، لذلك اجتمع له حب الصديق ومحبة الأخ.

ابن النبك، الذي أذهلنا بمعلقات يحفظها، ومحكيات يلقيها، ها هو مثل شقيقه الأكبر الماغوط، يلقي مرة ديناميته الشعري، ومثل شقيقه الآخر؛ قباني ينسج عرشه الغزلي، وهو بين الشقيقين قلب وعقل يموج بكل ما يموج به كل عربي، وطني، وحالم.

أحببتُ أن أسجل هنا كلماته، فهي تنقل لكم صورة عن هاني نديم؛ الإنسان قبل الشاعر والناثر.

  • اعتذار

  أعتذر لمن ماتوا على بقائي حيّا أرزق

أعتذر لشواهد القبور عن خطواتي بينها

أعتذر للمعتقلين، كلما انتقلت من غرفة لغرفة
أعتذر للجوعى والمحاصرين كلما لمست وجه الرغيف

أعتذر للخراب والوجع اليومي، من الأغاني

أعتذر للأحبة على حزني
وللأعداء على طيبتي

أعتذر لوطني عن منفاي
ولمنفاي عن اغترابي
وأعتذر للأم الثكلى إن تقاطعت ملامحي مع ذكرى وجه ابنها الميت

هامش أول:
بدايةً..
عليّ أن أعتذر للأوطان عن ذعري
لآخر بيتٍ قطعت سرّته
ثم مات في صدري

للنياشين التي وعدت نفسي بها
ورحت أحيا بلا مجدٍ..ولا فخر
وعليّ أن أعتذر ـ في كل وقتٍ ـ
للنساء اللاتي قطعّن أيديهن من ندمٍ
ومن بيعة النجمات
للفجر

هامش ثان:
آسفٌ على كل شيء
ما حدث وما لم يحدث
ما اقترفته يداي
وما فاتها

آسف على
أنّي.. أني

على معرفتي بالمتنبي..
وابن جنّي
على النفري ودمشق..
وصاحب الفتوح والسيباط
والفتاة الأولى
بحذائها
البنّي

أسفٌ على
كل شيء
أسفٌ من
كل شيء
آسفٌ..
منّي

  • ترف

أيها الحكيم المترف
لا تعلّمني الصيد، أعطني سمكةً الآن

أيها الحزن الناشف
قبيحةٌ عباءتك السوداء
اعطها لأمي حتى تطرزها بالحنين

أيها الشعر الثرثار
اصغ… كعب حذائها يغني طرباً: أنثى..أنثى..أنثى

أيها الوطن الدرويش
لا يمكنك السفر على فكرة

  •  نهر

والذي خلقني من قهرٍ
وسواكِ شعرا

والذي أفلت كلّ ملحِ البُكا بي
وما أصبحت بحرا

وحوّطك بكل جفاف الغياب
إنما
صرتِ نهرا

والذي نفسي بيده
وجعلها في يديكِ
مهرا

لأخفضنّ لك جناح الذلِّ
ولو كنت كسرى

  • مرور

كبرنا.

كبرنا كما كنّا لا نظن
كبرنا ـ تماماً ـ كما ذكرت المواويل والأغاني،

بينما كنّا نخمر الشاي للضيوف

عليك أن تعرف أن العمر حصنّك بالحزن
حتى يجرّدك السلاح
لا تحزن من مرور الصبايا المطمئن بين يديك
ومن
انتهاكات الملاح!

يالله
كبرنا مثل إشاعةٍ في قرية
مرّ العمر من حارتنا
رمى لنا
قبلةً في الهواء من بعيدٍ

وراح

  • جوائز وجنائز

في معرض الكتاب..
في الردهة الضيقة
تقابل الشاعر الكبير جدا، بالروائي الكبير جدا..

تقابلا كقطيع من فيلة الماموث..
وفي طريق غرورهما الضخم الجثث،
دعسا كل الكتب والمارة والضيوف،
ودهسا الأحرف والردهات والطرقات ،
ومعسا الشهقات والدهشات واللفتات

ثم ابتسما لبعضهما البعض وبإيماءة خفيفة كالغزلان
تبادلا التحايا ..والغيظ الغريب

في معرض الكتاب دائما
هنالك جوائز منفردة لإبداع..

وجنائز جماعية للمبدعين

  • ميلاد

مثل الخريف ولدتُ كهلا
مثل الربيع
أزهر في البال

هامش:
لاشيء هنا…
الحدأة تفلّي ريشها النابت للشتاء،
الضباع أفلتت صمغَ فرجها على حدودها،
والوشق ـ تخوم الخوف ـ اشتمّ رائحة الموت،

لا عاد ولا تقدم
فقط أصغى للريح تندلق على وبر أذنتيه …وتسمرّ.
إنها تدور.

  • نهاية

وأنــها تـنتـهي ..
في ســمرة القمـر
وفــوق مـنحـدر النجــمات ..
والخـبر

وأنــها
الوسنــات البيض
عــالقــةٌ
عــلى جفــونــك مـن نوم ٍ ومن سهــر

وأنـــها
رجفـــات الــناي في عتبٍ
وما ارتأى لضــرير العين مـن صـور

قالـــوا لـهـا : “إنه ليل ٌ بلا قـمرٍ”
فعـمدّت ليلـها
في وجـهـها القمري

راحـت تشيع:
لو أن اللـيل مكحلة ٌ
لــم يبق في قــاعها كحلٌ لمنتـظر

يــا ثـوبـهـا
ليـلةٌ
مــا كان أسودها
كـل الزرازيــر تعـبى
في
يـد الشجـر!
….

كـأنـها
عــمرت فيـنا خرائـبها
ومـا تـأوّل من آثـامهــا الأخـر

كأن تلـك الـخطـايـا فـوق مبـسمهــا
جـُنح الحمـام صـــباحاً
وهـــو فــي سفــر

مــا كــان أليــله فـي مشط شــرفتـها
ثــوب المســاء ومــا استــلقى
مـن الـشعــر

  • ·       مغادرة

الشاعر العاشق،
الشاعر المدجّج بالبلاغات والقصائد والحمام
المزهو بالمعنى
المزخرف بالمجاز

غادرته حبيبته دون رفّة عين!

ببساطة..
لقد قال في العشق كل شيء
ونسي أن يقول لها: “أحبك”

  • عتمة

ودخلتُ في عباءة عتم الليل
قصّبتُني قمرا

ووقفت على
جناح الريح
سويّته
بشرا

وما إن مسحتُ دمعَ النساء عن كتفي
هطلتُ من شقوق الآهِ

مطرا

  • وطن

ذلك الوطن العجوز على كرّسيه المتحرك
ينتظر أبناءه أن ينتهوا من العراك
ويتابع أحدهم السير به
نحو..
..
الهاوية

 

  • عروس

والحياة الحياة
عرسٌ وضيوفه
رفاتُ

عروسٌ
خطابها.. حواة

تسلّح بكل موتك لتحيا
وادفع لها مهرها

والحياة الحياة
مثل النساء..
لست تدري
متى تعطيك ظهرها

  • رياح

جرت الرياح بما تشتهي السفينة
بما تشتهيه تماما
لكن ربّانها
كان مشغولاً بالتحديق في نوايا بحارته

  • انتصار 

لم ينتصر أحدٌ لوحشته
لا
مالٌ
ولا ولدُ

لم يسهر الخلّق جرّاه
لم يختصم
أحدُ

  • قمرٌ

لا.. ليس لي قمرٌ من خلفه قمرُ
ولم أغنّ.. فصوتي الريحُ والحجرُ

ولا هبطت لكفّ الطين يجـبلنـي
ولا صــعـــدت بنـور الله أنصــهــرُ

ومـا أزال.. وخيـلـي دون نخــوتها
أرجــو بـلاداً سقـى أثـوابها الكـِبَرُ

ومـا أزال وعمــري ألـف سوسنةٍ
في عوسج الظنّ أحيا… ثم أنتحرُ

  • كراهية

أحبك..
وأكره البرامج الكوميدية اللبنانية

أحبك، وأكره
الجالية السورية في فرنسا

أحبك، وأكره
السمكة المرسومة على علب التونة

أحبك، وأكره
تامر حسني وفراس ابراهيم

أحبك
وأكرهك كلما
مرّ الكره بجانبي
ولا أنتبه
لأنني ممتلئ بحبك

هامش:

رفقاً بالقوارير
فقد تكون معبأة بالــ “TNT”

  • صمت

طالعُ يديك بيوتٌ
وطالعي سَفَرُ

ومنزلي في عالي الرياح..
ودارك.. القمرُ

لك كل ما في الأرض من ذهبٍ
دعيني وصمْتي
إنني..
حجرُ

  • منازل 

لرؤاك أحوالٌ وقلبك ناحلُ
يا سيّدي..
وَجَعُ الرجال منازلُ

يا سيّدي حفروا عميقاً في دمي…
الهجر فأسٌ
والبلاد معاولُ

  • قهر

ماذا تقول يا صاحبي
كيف سنغني للنساء
دون أن يلحظن أن القهر هشّم بأسنا

دون أن
نرتجف من ذلنّا المسجى على ابتساماتنا

أنت تعلم يا صاحبي
أن النساء تعرف هزائمنا من دعسة خيلنا
لكنها..تزغرد

لا تشح بوجهك عني
يخطر ببالك ما يخطر.. ببالي
فخبئ لي أغنيتي التي أحبها
وموّالي

لم يترك لنا القهرُ امرأةً تزخرف حكايانا
لمن سنغني ونحن بلا سلاح
(تحت هودجها وتعاتبنا… وصار سحب سيوف يا ويل..حالي)

  • حب

شهيٌ
هو الحب يا خولة
كرائحة ورقة نقد
تحت نهد صبيّة

نذلٌ أيضاً
كفارٍّ من الجبهة

ورغم تكرره
مفاجئ دوماً
كــ”بونجور” خالتي نفيسة

  • شباك

لديك شبّاكٌ جميلٌ
إنما
ليس لديك
أنوارُ

ولا حبيبةٌ لك
وبين يديك
أزهارٌ

وها هنالك
يقوم بابٌ
لكنما
لا يطرقه
زوّارُ

  • كُنْ 

ونفخ بي الروح،
وقال:
كن سورياً.. وكفى

فعرفتُ سرّ الطير كيف سرى
ورأيت
كيف صار طينُ الله خزفا

  • دمشق 

 

إلى دمشق، آخر النبيّات

هذي دمشق، نعم، يا وجهها الطفلُ
ارمِ السلام بها
إذ يزهرُ الوحلُ

أنثى الكلام وهذي الأرض من خرسٍ
فزوّجت لنهارٍ..
مـهــره لـيـلُ!!

هم يكسرون،
وهذا الربّ يجبرها
في كلّ كسرٍ ربى في كسره…كلُّ

 

 

  •  صباح الخير

كيف أشرح لك ضعفي؟

لو رأيتِ نفسك وأنت نائمة
وفرت عليّ وصفي

لو رأيت..
ومن حولك خمسون ملاكاً
يمسكون بتلابيب بعضهم كلما اهتز شرشف نومك
ردوه بلطف

لو رأيت كيف أنكسر نصفين كلما أفقت
نصفي يقتفي على خدّ المخدة آثار كحلك
وصباح الخير:
يقول نصفي

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات