القسمة والنصيب

12:16 مساءً الخميس 4 سبتمبر 2014
نجوى الزهار

نجوى الزهار

كاتبة من الأردن، ناشطة في العمل التطوعي

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

كنت في صدد اعداد طعام الغذاء…

أمسكت بحبات الأرز..

وبدأت بغسلها بالماء البارد..

نظرت الى حبات البندورة الحمراء قبل أن يمتد اليها الماء الساخن..

لكي أقشرها..

ثم أقطعها لتكون ذاك الذي ندعوه ” قلاية بندورة ” ..

ولكن..

ولكن ما هذا الذي يدعوني للاستعجال؟

تساءلت..

ان كان هو الشعور بالجوع؟ ولكن لم يكن..

وضعت الأرز على نار هادئة..

وبدأت بتحريكه مع القليل من زيت الزيتون…

أمسكت بالمعلقة الخشبية، وضعتها جانبا، ثم أطفأت نار الموقد، تركت حبات البندورة الحمراء على حالها.

اتجهت الى دلو الماء الفارغ، فتحت الماء على الدلو… أصبح الدلو به ماء.

اتجهت الى شرفة منزلي..

نظرت الى الغبار الذي اكتسى به بلاطها..

بدأت بدلق الماء على الشرفة..

نسيت رغبتي بتناول طعام الغذاء..

ولكن ؟ ولكن يا الهي !..

ها واقفة في منتصف الشرفة والماء يغمر أقدامي..

بيدي المكنسة ذات اليد الخضراء..

وفي منتصف الشرفة تماما…. رأيتها..

رأيتها تلك الفراشة..

تستلقي على ظهرها، والماء يغمرها..

ثم ترفرف بما بقي في أجنحتها من حياة..

تسمرت عيوني عليها، خوفي أصبح متجليا بدقات متسارعة في منطقة الصدر ثم الراس..

لكن يدي تركت المكنسة الخضراء ومسحت الماء العالق عليها بملابسي ثم اتجهت

لملاقاة الفراشة…  التصقت الفراشة بأناملي ……

يا فراشتي !

عليك أن تتمسكي بالحياة..

لتستطيع يداي أن توصلك الى بر الأمان..

يا فراشتي !

يدي بها الحياة والموت في آن..

أتوسل اليك يا فراشتي، شعرت بطاقة الحياة تمشي على أجنحة الفراشة وأنا جاثية على ركبتي..

استطعت أن أضعها على الحافة الحجرية للشرفة..

أما أنا فقد تلاشت مقدرتي على النهوض من جديد..

أمسكت بالحافة ثم وقفت….

ما أن خطوت خطوة واحدة حتى رأيتها مجددا في وسط الماء..

عادت..

عادت طاقة الحياة مجددا تغمرني من أعلى منطقة في الرأس الى الأقدام..

أمسكت بالفراشة من جديد..

وضعتها على الحافة الحجرية..

يدي الأخرى تحاول أن تزيح الماء..

الى أن أصبح سطح الشرفة جافا لامعا..

هي في أمان الآن…

رأيتها تهبط مجددا..

من الحافة الى أرض الشرفة الجافة….

مشت الفراشة ومشت ومشت..

لم تحاول الطيران، عاودني خوفي مجددا..

هل فقدت المقدرة على الطيران؟

هل ذاك اللمس من أناملي هو السبب؟

ولكنها تمشي باتجاه الداخل..

طارت لفترة قصيرة ..

مشت مجددا باتجاه الداخل..

باتجاه غرفتي..

ولكن يا فراشتي !

ولكن يا فراشتي ! لست بالمكان الآمن..

عودي من حيث أتيت..

سوف تغرب الشمس عما قريب..

فتحت نوافذي لها..

أغمضت عيوني..

لا أريد أن أتابعها، هي تمتلك حريتها..

ثم فتحت عيوني لأجدها..

قد تركت لي بعضا من أنفاسها..

صورة تلازمني أينما اتجهت…

صورة أجنحتها المرسومة بخيوط من أسلاك ذهبية..

 

يا فراشتي !

لعلها ” القسمة والنصيب ” ؟

القسمة والنصيب لك..

أم ” القسمة والنصيب ”  لي ؟

لا يا فراشتي !

لا يا فراشتي !  انها ” القسمة والنصيب ” لقوة الحياة، لفرح الحياة ، لأكسير الحياة..

 

لذاك الذي يحاول أن ينبئنا بوجوده عبر جناح فراشة .

4

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات