ابتهال سالم … حدوتة مصرية

08:30 صباحًا الأحد 9 نوفمبر 2014
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

ابتهال سالم … ابتسامة من القلب

في مدونة بعنوان (الساحرة الشريرة) تكتب سهى زكي تعريفا أوليا للكاتبة والمترجمة المصرية ابتهال سالم، وجدنا، ونحن نعد هذا الملف؛ أن نبدأ به، كتعريف حميمي للأديبة الكبيرة:

 عانت من اجل الخروج من البيوت العامرة بالعناكب حتى أنها جرحت كثيرا من أقرب الناس اليها ولم تحاول يوما ان تشتكى لأحد وحدتها التى اعتادتها مع الزمن ، حولت وحدتها لمكانها وابداعها .

اشترت ابنها بعمرها ووجدت ان القيمة الحقيقية لحياتها هى سعادته ظلت تبنى احلامها لاجله حتى وان لم يقدر هو احيانا جهدها الذى يهدره دون كلمة شكر لم تنتظرها يوما .
هى الفتاة الجميلة التى كانت حلما لشباب المثقفين الذى أصابهم سن اليأس التى لم تصله بطفولتها حتى الآن، ناضلت مع شباب السبعينات وقت الحركات الطلابية لكنها لم تتاجر

بهذا النضال ولم تصنع منه مادة لحديثها ، بل سعدت لانها عاشته وصدقته .
لم تعش علاقات عاطفية مثمرة ولكنها كانت ثمرة كتابات للمحبين الذين لم يجرؤن على الاقتراب منها لجديتها الواضحة رغم بساطتها .
هى من الكاتبات القليلات الموجودات الان من جيل لم يحتفى كثيرا بكاتبات لم يلتصقن باحضان أولى الأمر فى الشأن الثقافى او كان لها علاقات طيبة تحنن قلبهم على الاهتمام بالتنوير عليها .
هى الحزينة دون اعلان والباحثة عن البهجة فى اى مكان تناديها فيه ترفض الانهزامية والشعور بالعجز وترى ان العجز مرادفه الموت تؤمن ان الشباب طاقة لا تعرف عمرا ، تفنى بفناء الروح فقط. لم تقرر يوما ان تكون أنثى عنكبوت تنسج خيوطها حول ذباب ، بل بهدوء شديد تكتب وتكتبوتصادق الشباب الذين يناسبون عمر روحها الجميلة.

لا تتظاهر باستعراضات ثقافية محاولة لفت انتباه الكتاب باهميتها وانما تكتفى بالكتابة فى هدوء وصمت وتنشر دون اعلانات عن روعة الكتابة التى لن يجد احد مثلها ولم تتشبه باحدى الكاتبات العالميات لان لها عالما خالصا رائعا .

ابتهال سالم اسم اديبة حقيقية لا يحتفى بها الصفوة لسبب غير معلوم برغم ان لها رواية تدرس فى احدى الجامعات الاميريكية بل وينزل لها الطلاب ليناقشوها فى كتابتها الجديدة .
ابتهال سالم اديبة تستحق الاهتمام اكثر من ذلك وتستحق اضاءة نهارية حقيقية وليست اضاءة لمبة موفرة للطاقة .·

 والحق أنه مهما أضأنا مسيرة هذه الكاتبة الصموت، فلن نجد ما يكفي من ضوء يزيح غبارا يكتنف الحياة الثقافية ويحجب رؤية من بقامتها، في مقابل الكشافات الباهرة التي تشعل فتنة الكشف حول من هن أدنى، ومن هم أقل، موهبة وعمقا وجدارة.

في ورشة الزيتون، بين الشاعر شعبان يوسف والصديقة رحاب محمد عبد السلام العمري

ابتهال سالم ، سيرة موجزة

 روائية ومترجمة – عضو اتحاد كتاب مصر – عضو نادي القلم الدولي – عضوة في أتيليه القاهرة للأدباء والفنانين وللكاتبة 4 مجموعات قصصية مختلفة . القصص : يوم عادى جدا – الهئية العامة لقصور الثقافة – 2009 نخب اكتمال القمر – الهيئة العامة لقصور الثقافة – 1997 الدنيا صغيرة – الهئية المصرية العامة للكتاب – 1992 النورس – الهئية المصرية العامة للكتاب – 1989 مؤلفات للاطفال : المقص العجيب – كتاب قطر الندى – 2007 الكمبيوتر الحزين – كتاب العربى – 2005 عصفور .. انا – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 2002 سر القطة الغامضة – دار الهلال – 2001 ترجمات لللاطفال : ” حواديت شعبية من بلاد مختلفة ” – الهيئة المصرية العامة للكتاب 2009 ” انطلق ” مختارات من الشعر الفرنسى – المركز القومى للترجمة – 2005 ” بندقة ” مجموعة قصصية – الهيئة العامة المصرية للكتاب – 2002 ” الامير بادورو ” – مجموعة قصصية مترجمة – 2002 ترجمت اعمالها لعدة لغات : ” الانجليزية – الفرنسية – الايطالية – الالمانية ” فازت رواية ” نوافذ زرقاء ” بجائزة ادب الحرب بمسابقة اليوبيل الفضى لاكتوبر 1998 تم تكريمها ونيلها الميدلية الذهبية فى مؤتمر المرأة المصرية فى مجال الادب فى دار الاوبرا المصرية 2008 فازت المجموعة القصصية ” يوم عادى جدا ” بجائزة اتحاد الكتاب عام 2012 حصلت على منحة ثقافية سويسرية عام 2005 حصلت على منحة ثقافية امريكية فى سياتل – واشنطن – كمحاضرة زائرة عام 2005 قدمت ابحاث مختلفة فى مجال الترجمة للطفل ساهمت فى عديد من الانشطة الثقافية من ندوات ومؤتمرات ونالت عدة شهادات تقدير لنشاطها الادبى والابداعى نبذة عن الرواية : الرواية التي بين أيدينا ” أوقات للحزن والفرح “

 

في البداية نقتطف جزءا من حوار لها مع الشاعر عيد عبد الحليم نشره في جريدة الخليج، يقدمها بأنها الروائية والقاصة المصرية ، وواحدة من كاتبات جيل السبعينيات في مصر، لها مجموعة من الأعمال ما بين القصة والرواية والترجمة، منها قصص نحب القمر، والنورس، ودنيا صغيرة، ويوم عادي جدًا، ونوافذ زرقاء، وصندوق صغير في القلب، والسماء تمطر أحبة، وفي مجال أدب الطفل صدر لها قصص: عصفور أنا، وسر القطة الغامضة، والمقص العجيب وغيرها من الأعمال الإبداعية، وقد صدر لها مؤخراً رواية كعب وعروسة وحصان:

 * في روايتك كعب وعروسة وحصان نجد المزج بين التراث الشعبي واللغة اليومية المعاشة . . فماذا كنت تقصدين بذلك؟

 – جاءت فكرة الرواية من خلال طقس شعبي رأيته في طفولتي فقد كانت جدتي تأتي لترقيني فتجيء بعروسة ورقية تحدث فيها ثقوبا متعددة وقاية من الحسد ووقاية من العيون الشريرة، وكانت الجدة أثناء ذلك تردد قائلة: من عين فلان وعين فلانة، وبعد ذلك تقوم بحرق العروسة، وهناك تقليد أو أكثر في ذلك فبعض الناس يكتفي بحرق العروسة، ومنهم من يلملم رمادها المحروق ويطبع به القدم اليسرى .

هذه النار، أو بمعني أصح رماد النار الذي دخل الجسد، أنا حولته ككاتبة برؤيتي إلى مفردات النار المختلفة، فهناك نار تسللت إلى الوجدان وهناك رماد تسلل إلى العقل، وهناك رماد اجتماعي، وحاولت أن أجعل هناك خلفية اجتماعية واقتصادية وسياسية حول مفردات الرماد التي نفذت إلى دواخل الإنسان المعاصر وانعكاسهما على المجتمع .

 * إذن أنت ترين أن الموروث الشعبي ما زال قادرا على محاكاة الواقع الآن بتجلياته المختلفة؟

– ربما قلّ الأمر في العصر الحديث، فلم تعد الموروثات الشعبية بالكثافة القديمة نفسها، لكن لايزال في القرى والأماكن الشعبية البعض ممن يعتقدون في مثل هذه الموروثات . أنا هزمت هذه الفكرة بطريقة درامية من خلال معرفة بطلة الرواية بواقعها الذي تعيش فيه، ومن هنا حدثت المفارقة في صنع الأحداث .

والرؤية الفلسفية هنا تكمن في المخاوف التي تتعرض لها البطلة، أو يتعرض لها بعض البشر أحيانا عندما تضغط المخاوف نتيجة ضغوط الحياة اليومية، فيلجأ البعض للتشبث بأشياء موروثة، قد لا تكون مجدية لكن ضعف المشاعر يجعل البعض يلجأ لهذه الأمور سواء كان حرق عروسة ورقية أو الذهاب إلى الدجالين، وللأسف ما زالت بعض الشخصيات على اختلاف درجات تعليمهم تجدهم أحياناً يهربون من أنفسهم ويهربون من سطوة الواقع إلى هذه الأمور .

 وقد عبرت بالحصان كرمز على الانطلاق والحرية، فهناك توازن درامي بين العروسة الورقية التي تقي من الحسد وبين الحصان الذي يرمز إلى الحرية التي تعني تحرر العقل والمشاعر، فهناك مشهدان في الرواية تحلم فيهما البطلة بالحصان، أحدهما أنها تحلم بأنها تركب حصان الحلوى وتطير به، وتتساءل مع نفسها: لماذا ليس عندها حصان مثله؟، ولماذا يأتي أبوها بهذا الحصان من الحلوى لأخيها ولها هي بعروسة؟ فيجيبها الأب قائلاً: الحصان للولد والعروسة للبنت .

 * الرواية تعتمد من ناحية الشكل على ما يمكن أن نسميه بالمشاهد المتصلة المنفصلة، والتداخل الواضح بين اللغة السينمائية والتقنيات الروائية ما رأيك؟

– هذا يعود بنا إلى فكرة تعدد الأجناس الأدبية داخل العمل الواحد الذي تجد فيه روح القصة القصيرة والمسرح والأسلوب الشعري، لأنه في رأيي أن الرواية الحديثة تجمع بين هذه الأنماط المتعددة، ففيها كل مشهد له عنوان منفصل لكنه مرتبط دراميا بالمشاهد الأخرى .

 * يصف بعض النقاد كتاباتك القصصية والروائية بأنها ذات لغة شعرية، فما منطلقاتك في ذلك؟

 – بداياتي كانت مع الشعر، وكنت أكتب ما يسمى الآن بقصيدة النثر، التي تحولت بعد ذلك إلى لغة القصة، ويبدو أن اهتمامي بشعرية اللغة انسحب على الروايات التي كتبتها، وأنا لا أتعمد ذلك، بل يأتي الأمر بشكل تلقائي .

* أنت مشغولة بالإنسان والهامشي داخل أعمالك الإبداعية، هل لأنك تؤمنين بأن المعايشة هي أقصر الطرق لإنجاز إبداع حقيقي؟

– المعايشة ضرورة للكتابة، فالكاتب لا يكتب من فراغ، والكاتب الحقيقي في نظري هو الذي يعايش ناسه، ويكتب عنهم، يعايش الأماكن أيضا والطبيعة والأشياء، حتى الطيور في السماء .

المعايشة تحشد وجدان الكاتب بأدواته الفنية، فيخرج من خلال إبداعه ورؤيته، فليست المعايشة ضرورية لأن ينقلها الكاتب كما هي وإنما يضفي عليها موقفه وإحساسه وجمالياته في المعالجة والتوجه .

* تنتمي كتاباتك القصصية إلى ما يمكن أن يسمى قصة الومضة حيث الاعتماد على اللقطة والمشهد، ألا ترين ذلك اختيارًا صعباً؟

– أذكر أن بعض النقاد قالوا: إنني أكتب القصة والقصيدة، ومنهم إدوار الخراط، لأنها قصة مكثفة جدا، ومع ذلك تتحدث عن عالم ثري إنسانيا واجتماعيا، ومع ذلك عندي كثير من القصص الطويلة، لكن المسألة ليست في كم ما تكتب لكن في نوعية ما تكتب .

وأحب أن ألفت النظر إلى أن هناك خيطاً رفيعاً بين الكثافة في التعبير والرمز، وأعتقد أن قصصًا مكثفة في التعبير والدلالة أكثر منها في الرمز .

* الكتابة والترجمة للطفل نوعان من الكتابة مارستهما ولكل جمالياته الخاصة . . كيف ترين ذلك؟

– أرى أن الكتابة للطفل فعلا لم تأخذ حقها، ولم تأخذ العناية الكافية لا على المستوى الإعلامي ولا على مستوى الكتابة عندنا، مع أن تقدم الدول يبدأ من الاهتمام بالأطفال، وأقصد بالتقدم هنا التقدم الفكري .

وعلى المستوى الشخصي أعتبر الكتابة والترجمة للطفل مشروعاً ثقافياً، ومن وجهة نظري أن تبادل الثقافات بين الشعوب مهم جدا لتفتح عقل الطفل مع مراعاة اللغة المناسبة والسن والبيئة، لأن الترجمة في النهاية ليست نقلاً حرفياً للغة، لكنها نقل للثقافة وللرؤية العقلية، فتصبح عقلية الطفل من خلال ذلك تحمل رؤى متعددة تؤهله في المستقبل إلى قبول الآخر واحترام الرأي المخالف، لكن من المؤسف أن الإعلام لم يلق الضوء الكافي لا على كتاب الأطفال ولا على مترجمين إبداع الطفل، وهذا يؤدي إلى مزيد من التهميش .

في يوم تكريم مبدعات مصر

ذكاء المشاعر

قصة قصيرة ـ ابتهال سالم

تُرى… ماذا تفعل عندك الآن؟ هل ترانى؟

أتشعر بمساحة الفقد التى تركتها منذ رحيلك؟ ماذا فعلت بى؟ ما زلت أرى عينيك تضحكان وانت تقف فاردا ذراعيك لاستقبالى:

-كنت أفكر فيكٍ قبل مجيئك بخمس ثوان وكأنما أستدعيك.

أضم كفيك بقوة وأجلس مرددة:

– إنك فعلا تستدعينى، فقد حلمت بك ليلة أمس وكأنما تنادينى.

يروح ويجىء فى المكان الضيق الذى اضطر للتواجد فيه بعد أن تزوج وأنجب بنتا وولدا…. مكتبة صغيرة اضطر للعمل فيها بعد أن شاخت سنينه

لكن روحه الشابة، كانت دوما مغادرة… هناك حيث البحر البعيد والبلاد الغريبة.

ركب البحر منذ صغره وطاف وجال وأبحر شرقاوغربا فوق أسطح المراكب وعاد كما رحل حافيا، خالى الوفاض إلا من متعة وخبرة وخيال.

بحار هو… يبحر داخل وجدان البشر، يعرفهم من عيونهم، يمس قلوبهم، فتفيض أرواحهم متآلفة معه منذ أول لقاء.

بحار هو… فى المعرفة، أبحر داخل الكتب الأدبية والتاريخية والفلسفية والتصوفية والسينما والمسرح والشعر و…

كان ببساطة يعشق البحر والمعرفة.

هكذا عرفته وهكذا تآلفت معه سريعا ولم نفترق… من الجائز أن تبعدنا المسافات، لكن أرواحنا تظل قريبة دافئة، فرحة باللقاء بعد غياب.

روى البحر بذرة الإبداع لديه، فأضحى فنانا، يكتب أشعارا ويصمم بأصابعه الرفيعة، الدقيقة، تصميمات ورقية وجلدية وعرائس وعلب هدايا وحقائب يد و… وغيره… وبيديه المعروقتين يضخ الحركة فيها، فتبدو وكأنها كائنات حية متدفقة بالحياة.

كنت أزوره فى مكتبته المحندقة الصغيرة، أنتقى بعض التصميمات، وأختار صورا بديعة، وكان فى كل مرة يهدينى علبة مزخرفة من صنع يديه ولا يتقبل ثمنها.

اختار لى مرة، أراجوز يرتدى رداء السوبرمان وقال لى مبتسما:

-إنه أراجوز هذه الأيام

هززت رأسى مرددة:

– كلنا يا عزيزى، أضحينا أراجوزات فى زمن السوبرمان.

انتقيت فى آخر زيارة له، عروسة على شكل ساحرة، عجوز ماكرة، أنفها طويل وعينيها كثقبىّ إبرتين وشعرها منكوش وتمسك مكنسة طويلة تصل إلى قمة قبعتها المدببة فوق رأسها.

يسائلنى ضاحكا:

– لديك عرائس متنوعة، أجمل من تلك القبيحة

وأقول له:

– إن فى القبح جمال أحيانا، ثم اننى أحتاجها لأنها تشبه شخصية فى روايتى الجديدة، شخصية ساحرة عجوز يصيبها مرض النسيان فتخطىء فى تركيباتها السحرية وتسبب مصائب.

يضرت كفا بكف صائحا:

– مجنونة!

أدق بقدمى على الأرض:

– انت المجنون!!

يهز رأسه ضاحكا:

– طبعا…. أنا لا أصاحب إلا المجانين أمثالى

أهدأ… فأقول:

– أتصدق…. حين أقابل شخصا يدعى إنه عاقل، أعرف إنه بدون شك مجنون

يضحك عاليا… يقف فجأة:

– تشربى شاى؟

وقبل أن أجيب، يأخذنى من ذراعى على أقرب مقهى، ليطلب اتنين شاى كشرى، سكر بره وواحد معسل والشيشة التفاح التى أحبها.

وهكذا… نجلس سويا… نحتسى الشاى ونثرثر مع حلقات الدخان… كان شرها فى تدخين السجائر العادية والمحشوة أحيانا ولا يقبل نصائح أو مواعظ فكنت أتركه بحريته واكتفى بمجالسته… نضحك… نبكى… ننم فى خلق الله… نقطع فروة فلان، ونبارك مزايا فلان وندردش فى آخر كتب قرأناها أو فيلم شاهدناه…. وتدور حلقات الدخان مع دوائر الكلام والزحام وسارينات العربات وأبواق البواخر الراحلة إلى البلاد الغريبة ووميض الفنار الذى يأتينا من بعيد.

وظللنا نتقابل ونفترق، نتقابل ونفترق إلى أن طال الغياب لسنوات…. عدت بعدها لأجده كورقة هشة جالسا فى ركن المكتبة فوق كرسى بلا ظهر وبين يديه كتاب مفتوح.

عرفنى من خطوتى، رفع رأسه:

– حمدا لله على السلامة، أتيتٍ فى الوقت المناسب، كنت أحتاجكٍ

وكأنما تبدل…. برزت عظام وجهه، سقط شعره وتاهت ابتسامته فى سحنته الضعيفة الغريبة.

اقتربت منه متسائلة:

– ما بك ؟

وبنصف ابتسامة رد:

– لا شىء… متعب فقط… وما هى إلا أيام وأعود لحالتى

تأملته صائحة:

– لكنك تبدو ضعيفا للغاية وواهنا

هز رأسه:

– هكذا أنا… حينما أخرج من جلسة الكيماوى

وكأنما لدغتنى حية، فسرى سمها فى جسدى وشلنى عن الحركة

صرخت:

– جلسة كيماوى… أهى العبارة هكذا… ! ولماذا لم تبلغنى؟ ليس لديك عذر… عندك رقم تليفونى ولم تتصل بى… كيف جرؤت على إخفاء الأمر عنى… لم يحدث أن أخفينا شيئا عن بعضنا من قبل

تنهد تنيدة متأسية:

– لم أشأ أن أزعجكٍ

دُرت حول نفسى، أخذتُ نفسا طويلا حتى أتماسك، أسندتُ ظهرى على الحائط البارد، شاردة:

” آه….. لا زلت أشم رائحة الكيماوى والمخدر والتعقيمات والملاءات البيضاء، وأرى لهاث الأطباء والممرضين والوجوه النحيلة للمرضى والشعور المتساقطة والعيون الحزينة وثقل الخوف الذى يملأ المكان”.

لما طال الصمت…. اقتربت منه، ربت على كتفه بحنو، محاولة التخفيف عنه، لونت صوتى بمرح مصطنع وقلت ساخرة من الموقف برمته:

– إياكَ أن تفعلها وتموت يا صاحبى، لن أغفر لك ابدا

ضحك كعادته…. أمسك يدى الباردة، أجلسنى بجواره… غير الموضوع كعادته، فهو لا يطيق الألم أو الحديث عنه.

قدم لى الكتاب المفتوح قائلا:

– تعرفى… أنا أقرأ كتاب اسمه “ذكاء المشاعر”.

رفعت حاجبىّ مندهشة، وقبل أن أتفوه بكلمة، قال:

– ذكاء القلب… كيف تكون المشاعر دليلك إلى الحب والجمال، كيف تثقين فى إحساسك، كيف توجهين مشاعرك فى الإتجاه الصائب

هذا ما قرأته من سطور حتى الآن….

أغلق الكتاب، وضعه فوق رف قريب، قائلا:

– سأعيرك إياه بعد انتهائى من قراءته، سوف يفيدك فى التعرف على عالم المشاعر.

داعبته:

– مالكَ انت والمشاعر، يا راجل لقد تخطينا الخمسين وأضحت ابنتك طولك، وابنك أطول منك.

ضحك:

– المشاعر لا علاقة لها بالسن

هززت رأسى مرددة:

– “قصر ديل”…. معقولة انى أحب واتحب فى سنى هذا… وأصبح ابنى رجلا يملأ هدومه ومقدم على زواج

وبعمق البحر ومداه، مست كلماته قلبى، حين همس لى قائلا:

– إذا كنت أنا أحبك…

ارتبكت…. رددت متجنبة النظر إليه:

-أعرف إنك تحبنى، أتريد أن تكون بيننا تلك العشرة الطويلة ولا تحبنى!

أشعل سيجارة…. أخذ نفسا قويا، تفخ دخانا فى وجهى قائلا:

– اسمعى الكلام… لا تتعبينى، لما أقول انى أحبك… فهذا يعنى انى أحبك

تنهدتُ مغتاظة:

– انت تقول كلاما ساخرا كعادتك، أتسخر منى؟ أم إنك نريد أن ترفع روحى المعنوية ليس أكثر…

سعل سعالا متقطعا، وبلهجة حاسمة ألجمتنى، قال:

– قلت لك انى أحبك… أحببتك منذ زمن مضى ولم أجرؤ على المكاشفة، ورحل كل منا بعيدا عن الآخر، لكن حنينى إليك كان يشدنى ويلقينى عند مرساك ٍكلما سنحت الفرصة… لا تسألينى كيف حدث ذلك ولماذا؟ فأنا نفسى لا أدرى!

وقفتُ فجأة… صائحة بغضب:

– أتبوح لى بحبك الآن وأنت على وشك……

نظرت فى عينيه… فتوقفت عن الكلام.

أمسك يدى…. أجلسنى…. ربت على كتفى بحنو:

– لا تخافى… لن أموت… فأنا أحب الحياة مثلما أحب البحر وعينيك… أعدك… لن أموت..

والآن…. أضع سماعة الهاتف… مصدومة بخبر موته… غير مصدقة انى لن أراه… لن أسمع صوته… لن أشاهد ضحكة عينيه أو أنصت إلى حكاويه الساخرة

أخلف وعده ورحل… وتركنى.. موجوعة بفقده ومغتاظة أسأله:

_ تُرى ماذا تفعل عندك الآن؟ هل ترانى؟

القاهرة ـ 2008

دراسة نقدية عن رواية أوقات للحزن والفرح للكاتبة إبتهال سالم


فلاشات وتوازيات الحزن والفرح

قراءة نقدية : للكاتبة صفاء عبد المنعم فى رواية ( أوقات للحزن والفرح ) للكاتبة إبتهال سالم

 بداية من العنوان / يطالعنا بأن حياتنا متوازى فيها الحزن والفرح ولا يخلو إنسان منهما وفى الفترة الأخيرة ، أصبحت بين قوسين الحزن / على الشهداء والحال الذى وصلت إليه البلد من فوضى وتراخى وبلطجة ، والفرح / بالثورة والحرية ، ونسيم الحياة الجديدة .

 الغلاف صورة تشبه امرأة فرعونية كأنها كاهنة أو فيلسوفة تتأمل ، وذلك من خلال النظرة والصمت المتأمل وهى تجمع بين الحديث والقديم ، الألوان ، الزخارف ، القلادة ، الضفيرة ، ولقد برعت الفنانة سوزان التميمى فى تجسيد الشخصية البصرية لتتوائم مع الشخصية النصية ( سندس ) التى تعمل مرشدة سياحية فهى امرأة تجمع بين حضارتين .

 الأهداء / إلى قلمى .. حريتى .

 ليس بريئا فهو يصرح لنا بأن الحرية ليس فى الأفعال والأقوال ، الحرية فى أمتلاك حرية الراى والصوت المنفرد .

 شتاء هذا العام ..

 حزين ..

 قاس

 بداية من السطر الأول يحيلنا إلى زمن فصلى وهو الشتاء ، فهذا الفصل يذكرنا بالبرد والليل الطويل ، والبحث عن الدفء خلف الأغطية الثقيلة ، وذكرى الأحباب والراحلون ، وربما يحيلنا إلى ثورة 25 يناير قلب الشتاء ، تقول الكاتبة

يداهمها ليله الثقيل ..

غازيا قلبها بذكريات لا تهدأ ..

ينقر المطر الخفيف النافذة

فترحل عيناها لحنين بعيد دافىء

فى هذا المقطع الشعرى يحاكى الحالة النفسية التى عليها سندس ، ويعرفنا الحزن الخاص بأن سندس ترقد الآن فى الغرفة 632 قسم الجراحة العامة ، إذن هى مريضة وتتلقى العلاج ، وقسم الجراحة تحديدا يعنى بتر عضو من الأعضاء أو قطعة من الجسم مريضة ، والعامة تحيل إلى المعنى القريب ( الحجرة ) والمعنى البعيد ( الناس أو العامة ) وكلمة قسم تعنى خصوصية اللحظة والمكان ، فما أقصده هنا ( وهذا مفتاح فى النص ) وأحد المفاتيح التى سوف تستخدمها الكاتبة بين الخاص والعام ، من خلال الفلاشات أو النبضات المضيئة للنص ، والتوازيات ، وهى استخدمت هذا التكنيك فى الحكى لموائمة الحالة النفسية التى عليها ( هناك جراحة تجرى فى القسم بالتوازى مع الجراحة التى تحدث فى الوطن ، وغرفة العمليات هى ميدان التحرير ) والجراحة التى تجلرى للوطن يقوم بها الناس كافة لستئصال جزء فاسد فى جسد الأم ( مصر ) وهو السلطة المتمثلة فى النظام

والناس هى التى تقوم بالجراحة بدلا من الجراح  .

تحدق فى الحوائط الباهتة لتلك الحجرة الضيقة ، شباكها الوحيد يطل على النيل من بعيد ..

تركت سريرها خلف ظهرها لتمسح بيدها الواهنة قطرات ندى مبعثرة على الزجاج المغبش ..

أولا : برعت الكاتبة فى نسج خطين متوازيين ، خط الخاص وهو حياتها ، وخط العام وهو الوطنالمريض أيضا ، ويجرى لهما عملية جراحية فى وقت واحد ، عالمان مختلفان ، عالم المستشفى ، وعالم الميدان .

ونلاحظ الفساد فى الداخل والتمثل فى تكاسل الممرضة عن أداء واجبها ، وتنقلنا إلى مشهد موازى وهو معهد الأورام ، لتقول بشكل ضمنى أنه لن يوجد مستقبل لهذه البلد التى يمرض أطفالها ( طفل عمره شهور تجرى له عملية دقيقة فى حصيتيه .. يالله ما الذى حث لأطفالنا ؟!!

ثانيا : طبيعة عمل سندس  ( مرشدة سياحية )أعتقد أنه إختيار موفق من الكاتبة حتى تسمح لنفسها بحرية الحركة فى الزمان والمكان وداخل النص بالأضافة غلى مقابلة شخصيات مختلفة ، وربما من جنسيات مختلفة وكثيرة وذلك ما سوف يعطى إثراء للنص .

فى ص 18 حوار طويل بين سندس وصديقتها سامية عن طبيعة عملها تسرد فيه أهمية عملها ودورها المهم فى تبادل الثقافات ونشر الحضارة المصرية القديمة ( أفهمك ياستى .. أولا : لأنك بتنقلى للناس الوافدين من بلاد العالم تاريخ بلدك وحضارته وآثاره العظيمة ، ثانيا : بتقابلى شخصيات من مختلف الجنسيات واللغات .. وغيره وغيره ..)

هذا العالم المشحون والممتد الجذور والصاخب هو ما جعل صديقتها سامية تحسدها عليه مقارنة بعالمها هى المغلق ( يابختك بشغلتك ياسندس ، مش أنا اللى مدفونة فى التربية والتعليم ، العيال بيهربوا من المدرسة ، والمدرسين لا بيشرحوا ولا بيهببوا ..) وكان سندس تقوم بدرو غير منوط بها وهو التعليم ؟

وعندما أرادت صديقتها الخروج من الحياة الضيقة إلى العالم الواسع مثلها ، سوف تختار يوم ستحدث فيه مفاجأة أو زلزال ( بكرة أجازة رسمية 25 يناير عيد الشرطة ، فرصة ناخد اليوم بطوله ، فسحه وفرفشة )

ثم نلاحظ بعد ذلك فى نفس الصفحة جملة سوف نقف عندها كثيرا ( حانت ساعة الصفر.. لا مفر )ص19

هذه الجملة سوف تكون حركة المفصل فى التوازى بين العملية الجراحية لسندس ، والعملية الجراحية للوطن .

وفى ص20 وص 21

داخل النص حركة توازى بين أجراء العمليتين ( وجدت نفسها محاصرة بين مجموعة من الطباء والممرضين والممرضات ..أقشعر بدنها .. بحلقت فى الضواء الكاشفة المسلطة عليها من السقف ) عملية جراحة الجسد .

( يا أهالينا أنضموا لينا ) الهتاف يعلو ، أعداد الشباب تتزايد ، وانضم إليهم مواطنون من مختلف الأعمار والأجناس ، ويردد الشباب سلمية .. سلمية ، عملية جراحة الوطن .

ثالثا : الثورة فى الواقع الفعلى خارج الرواية حدثت قبل عملية سندس ، ولكن تجاورها فى النص يعطى توازى بين العمليتين التى تجريا فى مكان واحد على الصفحات البيضاء للرواية ، والتحرك عبر الأزمنة والأمكنة المفتوحة من خلال الثالوث المستحدث ( الموبايل ، النت ، الدش ) الثالوث العالمى الجديد للعولمة والمعرفة ، فسندس داخل حجرتها فى البيت تتابع عملية جراحة الوطن ، ومحصورة داخل حجرة العمليات فى المستشفى مغيبة عن الوعى ، ولكنها تدرك فى اللاوعى خطورة الجراحة .

ويتماس لحظتان للأطمئنان لدى سندس ، الطمئنان الأول ، نزول الجيش لحماية المتظاهرين بعد أنسحاب الشرطة ، واصبح الجيش والشعب أيد واحدة ، فتنزل إلى الميدان ، وتسرد كيف كانت حالتها فى ص26 ( هدأت سندس قليلا .. بعد أرتياحها لوجود الجيش ، وقررت النزول إلى الميدان ..) ثم يأتى الطئنان الثانى من الطبيب فى نفس الصفحة عندما ( ألتقت عينا سندس قبل إجراء العملية بدقائق بعينى الطبيب الجراح المتابع لحالتها .. هز رأسه مطمئنا لها ..) هنا حركة توازى بين الأطمئنان على الوطن أولا ثم على ذاتها .

رابعا : وبما أن البطلة مرشدة سياحية وهذا يعطيها حرية الحركة والسفر ، ولقاء شخصيات متعددة ، فهى ترصد لنا من خلال عينيها الفرق الحضارى بين مايحدث فى مصر سيدة العالم القديم ، وبين البلد الأجنبى الذى سافرت إليه .

المواقف على سبيل المثال :

العلاقة المفتوحة بين سوزانا وصديقها ، والعمل فى البنزينة ليلا والدراسة فى الجامعة نهارا ( حرية المرأة )

المرأة العجوز التى رفعت براز الكلب من الشارع خوفا من غرامة قد تصل إلى مائة دولار ( تفعيل القانون )

احترام غشارة المرور ، أشارت لها أن تعبر مثلها الشارع ، ولكن وقفت سوزانا مكانها ( أحترام النظام )

ضبط المواعيد ، عند زياراتها لمكتب د. أليسون ، جئت قبل موعدك ( الإلتزام بالمواعيد )

تفاجأ سندس بمشاكل القليات داخل الوطن ، ونظرة الآخر خارجه ، فمثلا الشاب اليهودى الذى يحب الحضارة المصرية ويود زيارتها ، يسألها بشكل مباشر ( .. فهل أنتم ترحبون بى لو حضرت فى جولة سياحية إلى بلاد الفراعنة أو سوف تكرهوننى وتنبذوننى لمجرد أنى يهودى الديانة ) نظرة الأخر لنا ( التطرف والتعصب الدينى )

موقف المرأة اليرلندية التى أخذوا أبن أخوها للحرب فى أفغانستان ( .. هو ما كان له يحارب ، ولكن لأننا أقلية من أصل أيرلندى أرسلوه هو وصاحبه الزنجى فى الجحيم هناك .. لو كان من الطبقات العليا أو ابن واحد من الكونجرس ما كانوا شحنوهما بالساهل ..)

هنا تحيلنا البطلة سندس فى حالة توازى آخر إلى طريقة تفكير الغرب صاحب التقدم والحضارة المسيطرة الأن ، وكيف يكون وضع الأقليات هناك والوطن مصر صاحب الحضارة الممتدة والعميقة وما أصبحنا فيه الآن ، ثم تتذكر بوادر ظهور الجماعات الإسلامية فى الجامعة فى فترة السبعينيات ، وكيف ترك أبن عمها المتفوق الجامعة ( ترك دراسته وسافر بغير رجعة متطوعا للجهاد فى أفغانستان ) وهى بالطبع تقارن هنا بين من أجبر فى أمريكا على الحرب ومن أختار فى مصر طواعية ) ص41

خامسا :عودة الروح لسندس

تعود الروح بعودة اليمامة لتقف على شباكها تلتقط حبات الأرز ، وتنحى الرئيس .

( .. تحت تأثير البنج هنا تعطى دلالة على أثر البنج بعد العملية الجراحية لسندس والعملية الجراحية للوطن بتنحى الرئيس

من صفحة ص 48

تبدأ فى حركة مكوكية جديدة بين المستشفى والبيت والمرض والحب الذى تفتش وتبحث عنه وتتلمسه مثلما تتلمس الشفاء .

( بدأ إصبع الأبهام فى التحرك .. أعادت قراءة الكارت د. سامح بدران )

نلاحظ كذلك التوازى بين فيلم رصيف نمرة 5 ن ومقطع مقتل الزوجة خطأ على يد المجرم فى الفيلم ، مع حادث ماسبيرو ( بالروح بالدم نفديك ياصليب ) وكأن المسيح رمز التسامح والمحبة مقتول خطأ أيضا ، وكذلك توازى علاقتها بزميلاتها الأجانب فى القصر ، وخوفها من سيلفيا ، ثم الحديث عن اليهود والأقليات والأضطهاد بالموازة مع ( الشعب يريد أسقاط المشير ) والثورة مستمرة .

فى ص 87

تعود إلى النيل والحزن والتوحد مع الطبيعة من جديد مثلما فعلت فى بداية الرواية ( شتاء هذا العام .. حزين ) سوف نلاحظ ، أن سندس سوف تدخل فى عملية جديدة ، وهى العلاقة بينها وبين ، د. سامح بدران ، التى سوف تنتهى بإنكشاف أزدواجية الوعى لديه ( ..ياااه كأن الزمن لسه واقف هناك ) هناك تعنى مكان اللقاء الأول بينهما خارج مصر ، وتعنى أيضا وقوف الفكر الذكورى عن تصور ثابت عن المرأة ولم يتغير ( شخصية أخرى ) برغم علمه وثقافته .

المفتاح الجديد فى النص والذى سوف يظهر بعد الثورة هو ( الطاعة )وهى المثول للأوامر وعدم الإختلاف الطاعة لأوامر الطبيب ، الطاعة فى العمل ، الطاعة فى الجماعة مهما للأنتماء والترشح للرأسه ، وكأنها هى الصفة أو الميزة الوحيدة التى تؤهله لذلك .

ومن ص104 إلى ص114

يتضح ذلك .

ومن خلال ظهور أبنة سندس سوف نلمح من خلال الحوار مدى التغير الذى حدث ليس لأبنتها وزوجها فقط ، ولكنها ترمى على الواقع بعد نجاح الإخوان فى الأنتخابات والمستقبل المنتظر الذى جاء من أجله الزوج ليسلهم فى صناعته من وجهة نظره ، وهو تطبيق الشرعية والشريعة ، وتعريف الناس بالدين الصحيح الآتى من دول النفط ( البتروإسلامك ) الذى يتمثل فى المظهر وتطبيق الشريعة بلوى العنق ودون أعتبار للفطرة والبساطة والوعى الدينى لدى الناس البسطاء وأستغلال الجهل والفقر فى القفز على السلطة باسم الدين .

هنا سوف نلاحظ عملية جراحية جديدة للوطن والناس من قبل الجماعة القادمة ، وسوف يضاف إلى الطاعة ( الشرعية ) .

ولا ننسى التوازى فى المشهد المتخيل لمظاهرات الطلبة فى السبعينيات ص118 عندما ذهبت لزيارة صديقتها سامية فى البيت بالعباسية ، وجلست فى الشرفة تتذكر وهذا ما يحيلنا أن الثورة مستمرة وهى ليست وليدة 25 يناير فقط :

( .. وقفت وسط الميدان .. تشم رائحة التاريخ والذكريات ..

ثلاثون عاما مرت .. ورغم ذلك .. تشعر وكأنها موجودة هنا البارحة ..

هنا السور الخلفى للجامعة ..

هنا النفق المؤدى للباب الرئيسى ..

هنا عرق الطلاب ممتزج بأسفلت الشارع .. وهو يهتفون فى مظاهرة خارج أسوار الجامعة :

 ياحرية فينك .. فينك ،

حطوا السجن ما بينى وبينك .

كان حماسها لا ينضب ، ولا تكل طاقتها فى خوض المعارك الطلابية ، من أجل الحرية والكرامة والإنسانية ..

وكتفا بكتف .. كانت تقف مع زملائها ..)

النهاية :

تنتهى الرواية بصوت الغسالة ، وللغسالة دلالة واضحة هى الغسيل والتنظيف ، ولكن ضمنيا لا بد من غسل كل شىء ، الناس والشوارع والنظام والروح والأفكار .

( تقدر سندس غسالتها كثيرا .. وتدعى من قلبها لمن اختعها وأراح يديها، أما الصوت الوحيد الذى لا تنزعج منه .. فهو صوت كركبتها أثناء عصرها للغسيل ..تطمئنها تلك الكركبة أنها لم تزل تعمل .. رغم كبر عمرها .. فهى عاشت معها ..ما يقرب من الخمسة عشر عاما .. وأصبحتا الآن .. فى عمر متقدم معا ..)

والكاتبة برعت أيضا فى أنسنة الأشياء التى حولها وأضفت عليها من روحها ، وتشبهها بها مثل حدث مع الغسالة ، ومع نظارتها التى تشبه الجن فى الظهور والأختفاء وكأنها تراوغها أو تلعب معها .

وتظهر اليمامة الجميلة من جديد رمز التفاؤل والفرح ( رأت صاحبتها الصغيرة ) يمامتها الجميلة ص126

أقسمت أنها رأتها تضحك .

والنهاية المفتوحة التى أنهت بها الرواية ، ولم تغلق الملفات التى فتحتها من قبل ، ملف الثورة ، ملف الجرح ، ملف الحب ، ملف السلطة ، ملف الطاعة ، ملف الشرعية ، علاقتها بأبنتها وزوجها فى ظل النظام الجديد ، موقفها من د. سامح بدران .

كل هذا يجعلنا أمام مساهمتنا فى كتابة النص وأختيار مايحلو لنا ، وأن الثورة مستمرة ، لأنه لم يتم إلى الآن أصلاح كامل ، ولا نجاح نهائى لأى عملية أجريت ، سواء لسندس أو للوطن .

 ……………………………………………………………………………………

كلمة الكاتبة ابتهال سالم حول رواية أوقات للحزن والفرح

لمشاهدة الفيديو يرجى الضغط هنا

 

One Response to ابتهال سالم … حدوتة مصرية

  1. Fatema Al Zahraa Hassan رد

    16 أغسطس, 2015 at 9:16 ص

    الإبداع الحقيقي لايموت ، يظل دوما يكتب الخلود لأصحابه
    لا نقل وداعا بل نقول لها ستظلي بأعمالك الصادقة رفيقة لنا في مشوار الحياة
    ودعوات صادقة من محبيك وانا واحدة منهم حتى لو لم التقي بك ولكني سعدت بصداقتك واستمتعتم بإبداعاتك الراقية المميزة
    في جنات النعيم ياحبيبتي وصديقتي الوفية

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات