الفنانة الممثلة آمال عفيش … من أيام الأسود والأبيض إلى حاضرنا الملون

07:32 صباحًا الأربعاء 3 مارس 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
رسالة بيروت – إسماعيل فقيه

من لا يعرف ويحفظ شخصية ” الممثلة الكبيرة أمال عفيش التي “هيمنت” على الشاشة الصغيرة منذ أكثر من أربعين عام ، منذ بداية تعرفنا على الصورة المتحركة في العلبة الصغيرة السوداء ، الشاشة الصغيرة، شاشة التلفزيون، تلفزيون لبنان، باللونين (سيكام) الأسود والأبيض ؟
كنا في أولى سنوات العمر، نجلس ونتسمّر أمام الشاشة الصغيرة كل يوم ، بانتظار موعد عرض مسلسل تطل منه الفنانة امال عفيش الى جانب نخبة من الممثلين، وكم كانت فرحتنا عامرة في تلك اللحظات الساحرة، حيث تحضر مشاهد المسلسل ، والمسلسلات الأخرى، وتعمّ الضحكة ومتعة الطفولة على أكمل وجه وسعادة. وتغمرنا صور البهجة والخيال على مدى لحظات عرض المسلسل التي تستمر لمدة ساعة كاملة.
أمال عفيش الممثلة والفنانة القديرة ما زالت في حاضرنا،(أطال الله بعمرها) تربطنا بزمن مضى وعبر، تعيده لنا بالألوان الصافية ، وبصور الذاكرة الجميلة. من مواليد 1947، بدايتها مع الفن كانت في سنوات مبكرة من عمرها. بدأت حياتها الفنية في المسرح ، حيث شاركت مع الراحل حسن علاء الدين(شوشو) في بعض أعماله، وسرعان ما اتجهت الى السينما ، حيث شاركت في عدد من الأفلام المصرية واللبنانية، ومن هذه الأفلام،”الأستاذ أيوب” و “عذاب الأمهات”. ولكن كان للشاشة الصغيرة النصيب الأكبر في مسيرتها الفنية. فقد شاركت في مسلسلات كثيرة ومتنوعة،عربية ولبنانية ومصرية، درامية وفكاهية وتاريخية وبدوية، ومنها : الغريبة، غنوجة بيا، الدنيا هيك، شيء من القوة.. وسواها الكثير من الأعمال التي ما زالت تشكل حضوراً في الذاكرة ولا تغيب.
تعيش اليوم الفنانة في المدينة ، وتمارس حياتها كما تريد وتحب، وتقول :

الحياة جميلة وعلينا أن نعيشها بجمالها، بحلوها ومرها، لا يمكننا الخروج من دائرة الزمن بقرارة أنفسنا، لذلك وجب علينا ممارسة الحياة وما هو مكتوب ومرسوم لنا فيها.. الحياة اليوم مختلفة عن الحياة التي خلت، وهذا أمر طبيعي ومحتم. لكل زمن خصوصية في السلوك الإنساني، ويمكننا ملاحظة هذا الفارق بين زمنين من خلال زمننا اذا ما حاولنا ان نقارن ونشاهد بين ما كان وما سيكون. وفي زمننا، الذي ليس بعيداً عن زمن الأجيال الطالعة، يمكننا تلمس هذه الفوارق، على كافة الصعد. واذا ما توقفنا أمام فوارق الزمن الفني ، نجد أن جيل اليوم هو جيل مكمل لجيل سبقه وحقق له أرضية ثابتة انطلق من خلالها الى العالم الأرحب، حيث كل إبداع في حضرة وعي جديد ومتقدم. ولا نغالي اذا قلنا إن الأجيال ، بكافة تنوعاتها واختلافاتها الفنية والثقافية ملزمة بمساعدة بعضها، من أجل أن تستقيم مسيرة التواصل الفني والثقافي بما يضمن حيوية ضرورية تحتاجها الحياة الفنية، وهكذا تستمر المسيرة على نحو متطور وحضاري “.


امال عفيش فنانة لا تغيب عن الذاكرة، ذلك أن حضورها الفني في التمثيل شكل مساحة زمنية كبيرة، وكذلك رسم صورة نابضة لحياة عبرت. فأغلب الأعمال الفنية التي شاركت فيها،إن في السينما أو المسرح أو التلفزيون، هي أعمال لامست العمق الجواني للإنسان، ودخلت الى أفكار كثيرة خاطبت الزمن وشخوصه وأماكنه بما يرفع من وتيرة الوعي، وتقول عفيش:

أغلب الأعمال الفنية التي شاركت فيها، طيلة مسيرتي الفنية، كانت تجسد حالة الإنسان والحياة. وكانت أدواري في هذه الأعمال أقرب الى الواقع، حيث قدمت أعمالاً مأخوذة من صميم الواقع والحياة والإنسان. حتى في الأعمال الفكاهية كنت أقوم بدور العقل الذي يحدد مسيرة الهدف والمعنى، ولامست ودخلت الى تفاصيل الحياة، من خلال تجسيد أدوار الخير والشر، أدوار الحب والكراهية، أدوار الفعل المصيب والمحق، أدوار الفرح وأدوار التعاسة.. أدوار كثيرة أسندت إلي خلال تجربتي ومسيرتي، وكنت أتعامل مع هذه الأدوار كمن تتعامل مع واجبها اليومي والمقدس. فالتمثيل بالنسبة لي هو نشاط ضروري وممارسة واجب في سبيل بناء وعي إبداعي يرسم صورة الوعي الكبير لكل الناس.. تجربتي الفنية هي صورة لي ومرآة تعكس شخصيتي، وشخصيتي جسدت الكثير من أصول الحياة والواجب. وأشكرالله الذي مدني بالموهبة والطاقة والصبر ، حتى وصلت الى مرحلة ساعدتني وساعدت فيها سواي “.


تنظر الفنانة امال عفيش الى ماضيها الفني كمن تلتفت وتنظر الى غابة خضراء مثمرة، وتقول:

التجربة الفنية في التمثيل كانت بالنسبة لي تجربة حياة مضاعفة، وأكثر من مضاعفة، ذلك أنني كنت أعيش الحياة العادية ثم أعود وأرسمها من جديد في الأعمال والأفلام والمسلسلات. وهكذا، كأنني أرتب من جديد ما تم خربطته أو تم تخريبه في الحياة العادية. التمثيل كان لي محاولة دائمة لإعادة الأشياء الى أصلها، أو إعادة ترتيبها وفق أصول الخير الذي كنت أتمناه للناس والمجتمع والحياة ، ولي طبعاً.
التجربة الفنية التي قدمتها في مسيرة عمري لا يمكنني اختصارها بكلام الشرح والوصف والتبجيل، وهذا بالأساس، ليس من حقي، ولا احب الدخول في تفاصيل وصف نفسي وعملي وإبداعي، يبقى الكلام لسواي، لكل من يريد أن يعرف ويعرّف الأجيال على ماض فني عبر، وله الحق والحرية بقول ما رأى وما شاهد وما سمع، وعليه أن يقول ما يريد، حتى لو كان ناقداً بكلام صارم. المهم أن يقول الآخر ويعبر عما رأى ، وهل كانت تجربتي الفنية كافية أو لا؟ المهم أن تكون أوراق الذاكرة المكتوبة مدونة على الورق الأبدي الذي لا يفنى
“.
تنتمي الفنانة عفيش الى جيل فني له الفضل الكبير على تطور الدراما اللبنانية والعربية. ولهذا الجيل سطوة كبيرة على التاريخ الفني الحديث والمعاصر. ويبرز اسم الفنانة والممثلة امال عفيش بين هؤلاء الكبار، كواحدة من اللواتي رفعن الدراما الى مرتبة عالية ومتميزة. واذا كان للدراما اللبنانية من شخصيات متميزة ساهمت بتكريس الوعي الفني لدى الشرائح المجتمعية، فإن الفنانة امال عفيش هي في الصف الأول مع تلك الشخصيات الفذة التي اتقنت دور الحياة داخل المشاهد الدرامية والتاريخية والفكاهية. وحين نسألها عن هذه الخصوصية التي حققتها في مسيرتها لا تتكلم كثيراً وتفضل للآخرين الكلام عن ما عرفوه ولمسوه خلال مسيرتها الفنية . وبإصرارنا عليها للكلام تعترف وتقول :

ربما كانت حياتي الخاصة التي عشتها هي السبب الرئيس في بناء شخصيتي الفنية التي قامت بتأدية الأدوار المتعددة في الدراما اللبنانية والعربية. ولست الوحيدة التي تنفرد بهذا الأمر، فكل فنان وكل انسان له تاريخه الذي يقطف منه ظلالاً تدله على درب الإبداع.. لقد عشت في طفولتي وما بعدها حياة صعبة وقاسية ربما، تعرفت على المعاناة والتعب والقهر، وقد أثرت بي هذه التفاصيل الصعبة، دعكتني وشدتني الى مساحة تعبير ، الى منصة كان لا بد لي من الصعود إليها كي أصرخ وأعبر وأقول، وربما كي أهتف بملء حنجرتي . فكانت المنصة وكانت المرتبة هي تلك الشاشة الصغيرة أو الشاشة الكبيرة . دخلت اليهما بخطى خجولة ومترددة، وسرعان ما تطورت سرعة الحركة لدى خطواتي وجعلتني أسرع وبثبات للوصل الى ما هو أقرب الى نفسي والى حياتي التي هي حياة الآخرين في ذاتي “.

ماذا حققت والى أين وصلت الفنانة عفيش بعد كل هذا الزمن المليء بتجربتها الفنية؟

سؤال كبير تعتبره الفنانة ، ” وجوابه صعب وربما هو أصعب من السؤال نفسه. . لا أستطيع تحديد ماذا حققته بتجربتي الفنية، لكنني أقول، كنت راضية ومطمئنة خلال كل أيام وسنوات تجربتي، رأيت وتعلمت الكثير، نجحت وأخفقت، وفي الحالتين تعلمت الكثير.. أما الوصول، وصولي الى أين؟ لا وصول وربما يكون الوصول هو النهاية أو ما يشبه الصمت الثقيل، لذلك لا أعتبر نفسي أنها وصلت الى كل ما تطمح إليه . الفن كما الحياة، يمتد الى ما لا نهاية“.

One Response to الفنانة الممثلة آمال عفيش … من أيام الأسود والأبيض إلى حاضرنا الملون

  1. محمد درويش الاعلامي الشاعر رد

    3 مارس, 2021 at 2:04 م

    فنانة رائدة في مجال التمثيبل سيدة الشاشة اللبنانية آمال عفيش كتب الحوار معها وسجله بكل فنية عالية الشاعر الكاتب البارز اسماعيل فقيه الغني عن التعريف من اجمل ما قرأت …

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات