الممثل إبراهيم مرعشلي … أغنى الذوق والذاكرة ورحل

08:28 صباحًا الأحد 14 مارس 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
رسالة بيروت – إسماعيل فقيه

ربما من حسن حظي انني عرفت وتعرفت على فنان الزمن الجميل اللبناني ابراهيم مرعشلي. وحظي اكبر لأنني صادقته وتلاقيت معه كثيرا . كانت مقاهي بيروت في شارع الحمراء تجمعنا في صباحات ماطرة وفي صباحات صيفية دافئة.
صديقي الغائب ​إبراهيم مرعشلي​ ممثل تلفزيوني ومسرحي وسينمائي ومقدم برامج إذاعية وتلفزيونية، عرفه جيل عاش حقبة ذهبية من تاريخ ​لبنان​ مسرحياً وتلفزيونياً، وقد يعرفه البعض من الجيل الجديد خصوصاً بعد إعادة عرض العديد من حلقات مسلسلاته الكوميدية على الشاشات المحلية، ومن بينها “كابتن بوب” و “المعلمة والأستاذ”، وكما أن أرشيفه لا زال محفوظاً، كذلك ترك وراءه سلالة من الممثلين، فلكأنه أورث الفن الذي يعشقه في جيناته لأولاده وأحفاده.
قدّم أغنيتين بصوته، إحداها عن ترومواي ​بيروت​، الذي قصد برمزيته الحنين إلى أيام الخير، وأغنية إنتقادية للوضع السياسي الذي شهده لبنان مطلع عام 2011 بعنوان “يا حضرة النواب”، وحملت رسائل مهمة تتعلق بالأوضاع العامة للبلاد وما أشبه الأمس باليوم، حتى مسلسلاته والتي رغم إرتكازها على الكوميديا، فكان يمرر من خلالها إنتقادات لاذعة للوضع المتردي.
قدّم إبراهيم مرعشلي حلقات إذاعية من البث المباشر في ​إذاعة لبنان​ وعمل فيها حتى قبل وفاته، وكان آخر لقاء له على الهواء قبل وفاته مستقبلاً إبن أخ الموسيقار فريد الأطرش وأسمهان، ودار الحديث عن الفنانين العظيمين وإرثهما، كما قدم تمثيليات إذاعية أيضاً، وبعد فترة قصيرة توفي، ومن يعرف إبراهيم مرعشلي عن قرب، يعلم كم هو إنسان طيب وخلوق وإبن بيت، ورزين الثقافة والوعي.


أبدع في الدراما في زمن ​تلفزيون لبنان​ الجميل، ولعب أدواراً جدية قد تجعل المشاهد يشك بأن إبراهيم مرعشلي هو نفسه الممثل الكوميدي الذي ينتزع منك الضحكة في غفلة منك مهما كنت مهموماً، عفويته وروحه المرحة إضافة إلى تمرسه في مهنته وصدقه في التعبير، حفروا اسمه في الذاكرة والوجدان والتاريخ الفني.
ولد المسرحي والممثل اللبناني إبراهيم مرعشلي في 27 كانون الثاني/يناير عام 1937 في بيروت، لعائلة متواضعة وهو الإبن البكر، وطوال حياته كان يحلم بتحسين وضع أهله، فترك المدرسة باكراً وعمل في مجال الخياطة ليساعد والده مادياً، ومن ثم راح يرسم كهاوٍ بإنتظار فرصته في التمثيل، فكان يعشق السينما ويحب الممثل ​محمد فوزي​ بشكل كبير، وعندما إلتقى به مرّة قال له الأخير “إذا عندك إصرار بعمرك ما توقّف”، وهذا الكلام أثّر به جداً فبدأ بشق طريقه منذ ذلك الوقت.


بدأ إبراهيم مرعشلي حياته الفنية في الستينيات، عندما قدم العديد من الأعمال في السينما اللبنانية والمصرية أيضاً، مثل “عنتر يغزو الصحراء” عام 1960، و”بدوية في باريس” عام 1964، وبعدها اتجه إلى المسرح عقب تأسيس حسن علاء الدين للمسرح الوطني، وقد لاقى إبراهيم شهرته الحقيقية في المسرحيات مثل “شوشو والمليون وفندق السعادة”. وبدأ مسيرته التمثيلية كممثل دراما بأدوار جدية ومسلسلات باللغة العربية الفصحى بالاشتراك مع أكبر الممثلين، أمثال: ​هند أبي اللمع​، نهى الخطيب سعادة، نادية حمدي، ​ميشال تابت​ وغيرهم. وكان ابراهيم من وراء الكواليس وأثناء القصف أيام الحرب ، يلقي نكات بين زملائه في تلفزيون لبنان، وقفشات تضحكهم وتشحذ معنوياتهم وتنسيهم التعب.


ثم وجد الطريق إلى الكوميديا التي يمتلك حسها بالفطرة، فقدم العديد من الأدوار الكوميدية في المسلسلات، مثل: “المعلمة والأستاذ وكابتن بوب”، شكل فيها ثنائيات مع كبار الأسماء في لبنان ومصر. كما شارك في أفلام عديدة، منها “موعد مع الحب”، “نساء في خطر”، “المخطوف”، “الأسيرة” و”بدوية في باريس”.
ربطته علاقات طيبة جداً مع عدد من المخرجين والكتّاب والممثلين المصريين. وفي الفترة التي هاجرت فيها السينما المصرية الى لبنان، كانت صورة مرعشلي في هذه الفترة حاضرة كبطل ثانٍ بإعتبار البطولة الأولى كانت غالباً للمصريين.
بدأت موهبة التأليف تظهر عندإبراهيم مرعشلي،فلقد كان يمتلك أفكاراً تصلح لأعمال فنية، وخصوصاً كتمثيليات كوميدية ومسلسلات ومنها “المعلمة والأستاذ” مع المرحومة هند أبي اللمع، وقد نجح كثيراً بهذا الدور. كتب أيضاً مجموعة من الأعمال المسرحية التي حملت اسمه، وشارك في العديد من المسلسلات الكوميدية في تلفزيون لبنان، كما قدم العديد من البرامج والأفكار في محطات تلفزيونية عدة.
برز له مسلسل “إبراهيم أفندي” الذي لعب فيه دور شرطي سير، يحب الفن، ويلتقي بنجومه، ويجبر المغنين على تقديم وصلة لهم في الشارع، أو يكتب له ضبطاً. وقد كان هذا المسلسل الكوميدي ، من إخراج الياس أبو رزق، باكورة الأعمال الفنية التلفزيونية الهامة، فلقد تم تنفيذه بتقنية جديدة على التلفزة باستعمال “جنريك كروما”.
كما قام أيضاً بتنفيذ مسلسل “كابتن بوب” في تلفزيون LBCI وهو من وحي مسلسل “ابراهيم أفندي” الذي كان يختص بنجوم الأرض، بينما “الكابتن بوب” فكانت تجري أحداثه في الفضاء، في الطائرة، بين أفراد الطاقم والركاب.
ولم يكتف “بوب” بالأداء التمثيلي، فقدم العديد من البرامج كان من أبرزها برنامج “اغاني ومعاني”، وكان ذلك في مطلع ثمانينيات القرن المنصرم وشكل إبراهيم مرعشلي ثنائياً شعبياً مع الممثلة رولا حمادة عام 1984، فاستطاع برنامج “أغاني ومعاني” التربع على عرش البرامج اللبنانية لمدة طويلة. كان البرنامج فريداً من نوعه وجديداً على شاشة التلفزيون الرسمي. بطلا البرنامج لم يكونا إلا الكوميدي اللبناني الشهير إبراهيم مرعشلي والوجه الجديد حينها رولا حمادة. كان البرنامج يحمل عدة مشاهد مضحكة بين زوجين في مشاكلهما اليومية، لينتهي باستضافتهما لشخصية فنية فيتحوّل إلى سهرة مع نجم لبناني، يسألانه ويضحكان ويتعامل معهما الضيف كزوجين فعلاً، ولطالما دخل النجم الضيف في لعبة المشكل الزوجي القائم.
في أول إطلالة حقيقية، قدم مرعشلي نفسه كاتباً وممثلاً في “أغاني ومعاني”، وقدم رولا حمادة كممثلة كوميدية خفيفة الظل، وقد ظل يلاحقها طيف دورها التلفزيوني هذا فترة طويلة.


ومنذ ذلك الوقت بقي المرعشلي يكتب للتلفزيون ويعمل في تقديم البرامج وكتابتها، حتى ما قبل ثماني سنوات تقريباً عندما توقف عن تقديم برنامج تلفزيوني من إعداد المخرج الراحل سيمون اسمر.
شارك مرعشلي في صناعة “نقابة الفنانين المحترفين” التي عاد فخرج منها، وفي برامجه التلفزيونية الكوميدية أطلق مواهب أو أسهم في اطلاقها وشهرتها، كما أسهم في مساعدة كثيرين ممن قصدوه راغبين في العمل في مسرحه أو مسلسلاته.


حياته الشخصية.
تزوج مرتين، المرة الأولى من الممثلة السورية ​ناهد حلبي​ التي أنجب منها إبنه طارق مرعشلي، وبعد انفصالهما إصطحبته إلى سوريا حيث أقامت هناك، وأصبح طارق ممثلاً مشهوراً وتزوج من الممثلة الراحلة رندة مرعشلي وله منها الممثلة ​هيا مرعشلي​، وإنفصل طارق عن زوجته لتتزوج مصفف شعر سوري، ثم توفيت بمرض السرطان.
أما زيجة إبراهيم مرعشلي الثانية فكانت من ​غادة ميقاتي​، التي له منها إبنتاه ليال و​لمى مرعشلي​، التي أصبحت ممثلة لبنانية مشهورة.
عرف عن ابراهيم المرعشلي انه كان رفيق أحد مقاهي الحمرا، فقد اعتاد أن يزوره يومياً ورفيقه الدائم كان الممثل الراحل ماجد أفيوني، وكانت محاولة لقتل الوقت، او هروبا من الشعور الذي ظل يلازمه بسبب الحال الذي وصل إليه، كان يجلس الساعات الطوال مع مجموعة من أصدقائه يقرؤون و يحللون و يتبادلون الآراء.
غادر ابراهيم الحياة بعدما أصيب بجلطة في الدماغ، بقي على إثرها شهرين بالعناية الفائقة في المستشفى، يصارع حتى الموت.
ولا أنسى ذكرياتي معه في جلستنا في المقهى الى جانب زملاء ابراهيم الكبار ومع الحزن والأسى أقول اغلبهم غادر الحياة أمثال،الممثل علي دياب والممثل ماجد افيوني والمطرب عصام رجي والشاعر عصام عبدالله ..

One Response to الممثل إبراهيم مرعشلي … أغنى الذوق والذاكرة ورحل

  1. محمد درويش الاعلامي الشاعر رد

    15 مارس, 2021 at 12:10 م

    الممثل اللبناني الطليعي ابراهيم مرعشلي عاش زمن الاسطورة الفنية المسرحية اللبنانية شوشو
    وعاش زمن السينما اللبنانية الذهبية مع آمال عفيش
    والتلفزيون الذهبي
    كان قافلة من ذهب سار في مقدم النجاح
    وما ترك الساحة حتى آخر انفاسه .
    ..ما كتبه الشاعر الناقد المبتكر النافذ في وجدان الفن والثقافة الأستاذ البارع اسماعيل فقيه اليوم عن ابراهيم مرعشلي انما هو نتاج حركة وحياة وذكريات وانبهار بمسيرة تضم كل الحياة الفنية بل انسان فنان لا يشبه الا ذاته
    …رحمك الله ابراهيم مرعشلي
    وشكرا لقلم اسماعيل فقيه الذي يعيد الى ماضينا كل ما افتقد اليه من فرح وتأثير على مستقبلنا بل واقعنا المعتم
    انه يضيء في مكان ما ولا يخفت أو يتعب…

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات