كراسة مكاوي سعيد في رواية سعاد سليمان: هَبَّاتٌ سَاخنة

11:25 صباحًا الأحد 2 مايو 2021
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

جسد المرأة في سنوات اليأس يمثل ثورة مجهضة، تتناول يومياتها ووقائعها وانهيارها الكاتبة سعاد سليمان في روايتها الجديدة (هَبّات ساخنة)، الصادرة مؤخرا عن روافد. لا تعني الأسماء الكثير، فليست تلك الثورة المجهضة تخص صوت الراوية وحدها.

تختار الرواية، الراوية، الكاتبة أن تؤرخ لمدينتها، أو لقلبها النابض، تصنع من الجغرافيا التي تعشقها – وسط البلد – تاريخا، لذا لم يكن غريبا أن تهدي الرواية إلى مكاوي سعيد، الذي يمثل عمدة وسط البلد لهذا الجيل من الكتاب، وإلى صديقتها القاصة وسيمة الخطيب.

تعطي الرواية فصولها لأطياف من الهَبّات، إنها بدءا من العنوان؛ هَبّات ساخنة، تمضي إلى هَبّة ساخرة، وهَبّة حنونة، وهَبّات متتالية منقذة، وهَبّة ساحرة، وهَبّة خارجية، وهَبّة قاسية، وهَبّة شرسة، وهَبّة شديدة السخونة، ونساء ثاني أكسيد الكربون (لا بد أنهن يجسدن هَبّات خانقة)، وهَبّات تنخر جسدي، وهَبّات لوليتا/ ليلى، لعبة الهَبّات الساخنة.

سنسأل عن سر تسمية هذه الهَبّات وتصنيفاتها: هل هي انتفاضات الجسد الثائر حينا، والمنتكس حينا آخر؟ هل هي السير النسوية الغالبة في ذلك الفضاء؟ هل هي رؤية متناقضة ومتأرجحة للواقع والماضي القريب؛ كأن تكون اسقاطات عن العقد الأخير في مصر؟ أم أنها حيلة روائية لعنونة الفصول؟

الواضح أن الأحداث لا تروي سيرًا حياتية قدر كونها مرآة لسير ثقافية، إنها لا ترصد مولد ونمو ونضج وزواج وطلاق وسفر وهجرة شخصياتها الكثيرة، رغم تسجيل ذلك والإشارة إليه، وإنما تسجل رحلة عقلية بانورامية لهذا الجيل، لاحظوا أن الأسماء كونية الجذور، يمكنك أن تقول إنها تتجاوز الحدود، الجغرافية والزمانية معا، وإلا فكيف تجمع سلمى وسلطانة، شمس وقمر، فريدة وفتنة، أميرة وإيساف، سماهر وسيناء، لوليتا وراجية … إلخ.

لكننا يجب أن نعي أن الهَبّات الجسدية والنفسية المتخيلة تأخذنا إلى مشاهد واقعية، وكأنها يوميات تتقاطع مع تلك الهَبّات، بل وكأن الهَبّات كُتبت لكي توثقها بأسماء أصحابها، ولتأخذ قارئها من وقائع روائية إلى واقع تسجيلي يمثل عالمًا موازيا.

وهنا نقف عند حافة تساؤل خطر عن مدى قوة المتخيل الروائي الذي لا يأبه مخاطرة الدخول في فخ التسجيلي. لكن هذا الملمح في الراوية بين يدي ليس غريبا أو جديدا، فلم أجد غرابة أو جديدا في استخدامه بروايتي (الترجمان)، حيث يعثر القاريء في الأحداث على أسماء حقيقية وشخصيات واقعية.

سعاد سليمان

في رواية سعاد سليمان (هَبّات ساخنة) يقدم الطبيب الحل: استئصال الرحم لوقف تلك الهبات، أي لا يكون هناك غد، ولا أمل، ولا حياة لجيل تال سيعاني، تحكي الرواية ذلك مباشرة في أحداث تعيش شخوصها بالتوازي مع أحداث ثورة يناير 2011 في مصر. شخصيات تدخل الأقسام للتحقيق معها، وأخرى تتلقى الضرب في قسم عابدين، تجمع سعاد سليمان كل حكايات الثورة وكأنها تلهث عبر الصفحات لتوثيقها، حتى لا تُنسى.

 ويبدو أن قراءات الراوية، وبحثها الاستقصائي، يقودها إلى تصحيح كثير من المرويات التاريخية الشائعة، مثل قصة اسحاق داود، أو إيزاك ديفيد، وحكاياته مع تحية كاريوكا وسامية جمال وأنور وجدي والطفلة فيروز، وهروبه إلى دولة الاحتلال الاسرائيلي بعد ثورة 1952 خوفا من اتهامه بالجاسوسية: لتحكي هي إنه سافر لبلده الأصلي النمسا، وحين تعتزم سلطانة التي تزوجت حفيده إعادة الاعتبار إليه بتصوير فيلم وثائقي عنه، يأتي حفيده إيزاك ديكسون ليتابع ثورة يناير، تحبه سلطانة، بعد أن التقيا في ميدان التحرير، وكأن ثورة أبعدت الجد، وثورة أخرى أعادت ذكراه بمجيء الحفيد، الذي أشهر اسلامه في مشهد تمثيلي بمقهى ريش، وركع على ركبته، وقدم لها خاتما طالبا الزواج.

تنثر الرواية تاريخ العمارة في وسط البلد، وكأنها استدعاء للأشخاص الذين عاشوا في تلك الأماكن وتنفسوا هواءها، ولهذا لم يكن غريبا أن يكون البطل الذكوري الأهم هو شخصية الكاتب الراحل مكاوي سعيد، أو (ميكي)، كما يناديه الأقربون. وكأنه كان يقرأ مسودة الرواية حين قال:

  • “أنتم شوية بنات كلكم دراما، بسخريته المعتادة أضاف (مكاوي سعيد)، بس دراما سودا، مسيري في يوم من الأيام هاكتبكم، عملت لكم كرسة خاصة، هاسميكم نساء ثاني أكسيد الكربون.
  • اشمعنى يعني؟ ليه موش نساء الأوكسجين؟ دا احنا نحيي بلد. تشاغبه سيناء.
  • أكسجين لغيركم يا موكوسة منك ليها، بس بتتنفسوا الزفير من بعض، المفروض إن كلكم كاتبات ومثقفات، مخرجة، فنانة تشكيلية، مرشدة سياحية، ستايلست، ممثلة، اعرة، والست سلمى صحفية كبيرة، بس كلكم نسوان هفأ، البنات الأصغر منكم،  وما عندهمش إمكانياتكم، بيحققوا إنجازات وبيكسَّروا الدنيا. ثم يكمل مكاوي سعيد، وكأنه الضمير الذي يستيقظ داخل كل من الشخصيات الروائية:
  • يا غبية منك ليها، الحب اللي يأخرك عن حياتك يغور، وخصوصا إنت يا سيناء يا لِمْضَة، قال (سينا) قال، دا انتي آخرك (زفتى) ، أو بالكتير (أبو طشت)، ولا أقول لك لايق عليكي (طلخا)، علشان انت لطْخَة.”

تكتب سعاد سليمان: “انشغل مكاوي في مشاريع أدبية كثيرة، ومات في 2 ديسمبر 2017، قبل أن يبدأ أو ينهي روايته عنا.” وربما سيرى القاريء أن كراسة مكاوي سعيد كانت لدى سعاد سليمان، لأنها قدمت نساء ثاني أكسيد الكربون، بهباتهن الملونة، في روايتها المتأججة بالجنس وسواه (هبات ساخنة). لم أكن معنيا بإعادة رواية الأحداث أو تتبع الشخصيات أو تلخيص ما جرى، لأن ذلك لم يكن مغزى الرواية، وإنما هي مرور عبر سطور الكراسة / الرواية، يسمح بتنفس الكثير من الأكسجين في عالم مختنق.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات